متفق تماما على أن فيلم "مستر إكس"، عن فكرة فادى أبو السعود ومحمد سويلم، وقصة أمانى التونسي، وسيناريو وحوار أحمد عبد الوهاب وأحمد الشرقاوي، وإخراج أحمد عبد الوهاب، من أظرف أفلام موسم عيد الأضحى 2023، ومن أكثرها إضحاكا، ولكنه، من ناحية أخرى، أبعد ما يكون عن التكامل والتماسك، فالنصف الأول من الفيلم تقريبا، تم استهلاكه فى التعريف بالعقد التى يعانى منها فريد ( أحمد فهمي)، والذى يطلق عليه مستر إكس، وكذلك مساعدوه فى منظمة تطليق المتزوجين، مما يجعلهم يتفرغون تقريبا لهذه المهمة، مقابل الكثير من الأموال، ثم انضبطت الحبكة أخيرا، بعودة طيبة ( هنا الزاهد)، للظهور فى حياة فريد من جديد، بالإضافة إلى أن الفيلم لم يكن فى حاجة إلى الخطبة الطويلة، التى ألقاها فريد فى المحكمة، وردت عليها طيبة بخطبة مماثلة، فالحالات التى تعالجها منظمة مستر إكس، لا علاقة لها بالخطبتين، ولا علاقة لها بانتشار ظاهرة الطلاق عموما، والتى لا تحتاج إلى أى منظمة، فيكفى أن يقوم الزوج بإلقاء اليمين، حتى يتم الطلاق.
إنه مع الأسف أسهل إجراء، مما يجعل فكرة منظمة التطليق، وهى فكرة طريفة، مقتصرة على حالات بعينها، اجتهد السيناريو فى تقديمها بحبكات صغيرة، فيها الكثير من الضحك والمواقف الكوميدية.
معنى الكلام أن الفيلم أقرب ما يكون إلى الاسكتشات، التى تقدم معالجة خفيفة لأزمة كبيرة، وقد ظل ذلك عنوان المعالجة، حتى فى مشاهد النهاية، وفى فبركة براءة مستر إكس من تهمة التطليق، وربما كان صناع الفيلم يعدون لجزء ثان، حول تلك المغامرات من أجل ترسيخ " أبغض الحلال"، بل ومنع المطلقين من التعامل مع النساء، واعتزال المرأة نهائيا، وهو استطراد للفكرة، لم يأخذ حقه فى المعالجة.
فريد ( الذى لا نعرف عنه الكثير) كان يحب الجميلة طيبة فى سنوات الجامعة، ولكنها سخرت منه أمام كل زملائه، فصارت عقدته أن يفسد العلاقات الزوجية، ويساعد الأزواج على الطلاق، وكأنهم فى حاجة إلى مساعدة أو تحريض، ولكنه سيكون فريقا يعمل من مكان غامض، بديكورات جيدة، كلهم لديهم عُقد من فكرة العائلة، مثل أدهم (محمد أنور)، الذى خانته زوجته، مع فريق من المحللين الرياضيين، وجابى (أوس أوس)، الذى دمرت زوجته حياته بعشقها للقيادة السريعة، ومعاصى ( رحاب الجمل)، التى تكره النساء، بسبب زوجة أبيها، وهناك حشد من المساعدين، وببغاء ظريف متكلم يدعى رأفت، والجميع، بقيادة فريد / إكس، يقدمون خدماتهم فى مواقف منفصلة، دون أن يتم إدماج خط طيبة من جديد، لأنها مصدر الصراع المحوري، ولم يتم هذا الدمج إلا فى الجزء الثانى من الفيلم، حيث يقع فريد فى حب طيبة مرة أخرى، ويتم توظيف بعض حالات التطليق فى إطار علاقة طيبة وفريد الجديدة، مع استمرار فكرة اللعب بين طيبة وفريد، حتى مشاهد النهاية.
بشكل عام، كانت اختيارات الممثلين جيدة، والمواقف مرحة وظريفة، وهناك حشد كبير من ضيوف الشرف، الذين تم توظيفهم فى مشاهد لطيفة، وخصوصا جمال حمزة ومجدى عبد الغنى وإبراهيم فايق وبيج رامى وأكرم حسني.
من الواضح أيضا أن توليفة محمد أنور وأوس وأوس وبيومى فؤاد ستتواصل بنجاح، ولكنى أخشى أن يصاب الجمهور بالملل من تكرارها، رغم الاعتراف بخفة ظلهم، ووجود كيمياء بينهم، كما أن الثنائى أحمد فهمى و هنا الزاهد مقبول وناجح، بالذات فى الكوميديا الرومانسية، هنا بالتحديد مناسبة لهذه الأدوار، ويبقى فقط أن تنتبه لمشكلتها الأساسية المتكررة، وهى إلقاء العبارات بشكل سريع للغاية، فلا نفهم شيئا من جمل الحوار!
ربما تكون مشكلة المعالجة فى التأرجح بين إغراء الاسكتشات، وضرورة تقديم بناء درامى متماسك، وقد انتصرت الاسكتشات فى معظم أجزاء الفيلم، ورغم وجود أغنيتين ظريفتين لأكرم حسني، ولأحمد سعد، إلا أن ذلك لم يخفف من سطوة الاسكتش، والاستطراد فيه أحيانا، كما أخذت فترة تقديم الشخصيات جانبا كبيرا من الجزء الأول، ولم تندمج مع الصراع المحورى فى الحكاية، وهو بالأساس صراع طيبة المتجدد مع فريد، وبمناسبة الأغاني، فإن أغنية سعد "اختياراتى مدمّرة حياتي" أفضل فى الدلالة على فكرة الفيلم، من تلك الخطبتين لكل من طيبة وفريد فى المحكمة، فالأمر لا يزيد على سوء اختيار، ولا علاقة له بقصص الرجال مع أمهاتهم، أو بمعاملة المرأة الدونية فى المجتمع الذكوري. والحقيقة أن كلام فريد وطيبة فى المحكمة مهم، ولكن المشكلة أنه لا علاقة له بالمعالجة الخفيفة فى الفيلم، ولا بالحالات المحددة والاستثنائية التى تولت منظمة التطليق إنجازها، فى مقابل مبالغ مالية ضخمة.
هذا هو أول فيلم أخرجه أحمد عبد الوهاب، الذى اشترك أيضا فى كتابة السيناريو، ولكنه الفيلم الثانى الذى يعرض له، فقد عرض له فى موسم عيد الفطر فيلم "بعد الشر"، من بطولة على ربيع وأوس أوس، الذى حقق نجاحا، والذى اشتهر بأغنية "سطلانة".
عبد الوهاب مخرج جيد، ولديه حس مميز فى إخراج الكوميديا، والحصول من ممثليه على أفضل ما لديهم، و لكنى أتمنى ألا يكرر نفسه، وأن يقدم معالجات أفضل للكوميديا الاجتماعية.
لا تنقصنا المواهب، ولكن تنقصنا المعالجات الجيدة، والتعب قليلا على الأفكار أثناء الكتابة.
فى كل الأحوال، لم تكن الأفلام التى تفوقت فى الإيرادات على "مستر إكس" أفضل منه، بل لعله أفضل منها فى جرعة الضحك والمرح، وهو فيلم عيد بامتياز، ولكنها أحوال السوق، وأمزجة الجمهور، مما يؤكد أنه لا يوجد شيء مضمون، وكل ما تستطيعه أن تتقن عناصر فيلمك، وأن تتركه لظروفه، أما الرهان الدائم على النجاح، فليس مؤكدا.
سيكتشف الناس الفيلم الأفضل بمرور الوقت، أو عند عرضه فى الفضائيات، والأهم أنه سيصمد أكثر لاختبار الزمن، وسيبقى أطول فى الذاكرة.