أشاد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار بجهود الدولة بشكل غير مسبوق فى إحياء المسارات الروحية فى مصر ومنها مسار نبى الله موسى بمشروع التجلى الأعظم ومسار العائلة المقدسة ومسار آل البيت.
جاء هذا فى ضوء افتتح الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم الثلاثاء، مسجد السيدة نفيسة، وذلك بعد أعمال التطوير والترميم.
وأوضح الدكتور ريحان أن مشروع التجلى الأعظم يحيى موقعًا تجلى فيه سبحانه وتعالى مرتين، تجلى نورًا من وراء العليقة المقدسة وتجلى خشوعًا للجبل فدك الجبل ومن آثاره شجرة العليقة الملتهبة داخل الدير وجبل التجلى ذات الطبيعة الركامية من تأثير دك الجبل، وناجى نبى الله موسى فيه ربه مرتين، مرة عند شجرة العليقة المقدسة حين خلع نعليه وحدثت معجزة العصى واليد، ومرة حين ناجى ربه أثناء تلقى ألواح الشريع.
وأضاف بأن مشروع إحياء مسار العائلة المقدسة وحده يستهدف 2.3 مليار مسيحى فى العالم علاوة على عددًا كبيرًا من المسلمين فلو حصلت مصر على نسبة 2% فقط، فهذا يعنى دخول 46 مليون حاج مسيحى سنويًا، حيث أن أعلى نسبة إقبال سياحى وصلت إليها مصر قبل عام 2011 كان 14 مليون سائح بكل ما تملكه مصر من مقومات، ومن الممكن أن تصل هذه المشروعات بمصر إلى 60 مليون سائح على أقل تقدير بعد اكتمال المشاريع القومية الثلاثة بشرط توافر طاقة فندقية تستوعب هذا العدد.
ونوه الدكتور ريحان إلى توجيه الرئيس السيسى منذ عام 2021 إلى ضرورة تطوير وإحياء مسار آل البيت فى مصر بما يتوافق مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات، وذلك جنبًا إلى جنب مع تطوير كل الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية لتلك المواقع لما لهذه الأضرحة من مكانة روحية لدى كل المصريين باعتبارها مصدرًا للسلام النفسي والطمأنينة.
وتابع بأن إحياء مسار آل البيت وتطوير القاهرة التاريخية سيسهم في تعزيز السياحة الداخلية والإقليمية من الدول العربية والإسلامية علاوة على السياحة العالمية.
وتنفرد مصر بقيمة عالمية استثنائية بوجود شارع الأشرف أو ما يعرف بـ (شارع أهل البيت) بالقاهرة التاريخية والذى يضم مقامات كل من الإمام زين العابدين، والسيدة نفيسة، والسيدة سكينة بنت الحسين، والسيدة زينب، والسيدة رقية بنت علي (سلام الله عليهم اجمعين)، ويبدأ الطريق من منطقة فم الخليج حيث مشهد زين العابدين الذي يضم رأس زيد بن علي أو كان منزل علي زين العابدين في مصر عندما جاء ليزور عمته زينب بنت علي في بعض الروايات وينتهي الطريق بمشهد السيدة زينب بالقاهرة بالإضافة إلى مزارات أخرى في مواقع مختلفة مثل مقبرة فاطمة النبوية في منطقة النبوية.
كما تشمل مقامات آل البيت مقام سيدى على الجعفري رضى الله عنه ومقام السيدة عاتكة رضى الله عنها وهى بنت عمرو بن نفيل القرشي ومقام ابن سيرين صاحب كتاب تفاسير الأحلام «سيدى عبدالغنى عبدالله البلاسى» ويرجع نسبه إلى آل البيت وقد لقب ابن سيرين لحبه الشديد لأمه السيدة «سيرين» أخت مارية القبطية زوجة الرسول (ص) وأبوه حسان بن ثابت شاعر الرسول.
وأردف الدكتور ريحان بخصوص مسجد وضريح السيدة نفيسة رضي الله عنها، بأنها نفيسة العلم، بنت الحسن الأنور ابن زيد الأبلج ابن الحسن ابن سيدنا علي والسيدة فاطمة، فهي سليلة بيت النبوة، حفيدة الرسول صلى الله عليه وسلم، كانت تحب العبادة منذ صغرها ونشأت على ملازمة المسجد النبوي الشريف، وهذا سر انجذاب المصريين لضريحها وتعلقهم بها.
وفي عام 193 هـ، جاءت السيدة نفيسة مع أسرتها إلى مصر، وحين علم أهل مصر بقدومهم خرجوا لاستقبالهم في العريش، ورحّب بها أهل مصر، وسكنت فى دار بشارع شجرة الدر بالقرب من مسجدها الحالى بجوار زقاق القاسم، وأقبلوا عليها يلتمسون منها العلم حتى كادوا يشغلونها عما اعتادت عليه من عبادات، فخرجت عليهم قائلة: «كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى.» ففزعوا لقولها، ورفضوا رحيلها، حتى تدخَّل والي مصر السري بن الحكم وقال لها: «يا ابنة رسول الله، إني كفيل بإزالة ما تشكين منه». فوهبها دارًا واسعة هو موقع مسجدها الحالى، وحدد يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما طلبًا للعلم والنصيحة، لتتفرغ هي للعبادة بقية الأسبوع، فرضيت وبقيت.
ولمَّا وفد الإمام الشافعي إلى مصر سنة 198 هـ، توثقت صلته بالسيدة نفيسة واعتاد أن يزورها وهو في طريقه إلى حلقات درسه في مسجد الفسطاط، وفي طريق عودته إلى داره، وكان يصلي بها التراويح في مسجدها في رمضان، وكلما ذهب إليها سألها الدعاء، وكان الشافعى يعانى من داء فى بطنه، فكان كلما مرض يبعث إليها طالبًا الدعاء، وكانت تدعو له بالشفاء، وأوصى أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة بدارها حين وفاته عام 204 هـ، وصلّت عليه إنفاذًا لوصيته.
وأوضح الدكتور ريحان بأنه بعد وفاة السيدة نفيسة جاء "عبيد الله بن السري" حاكم مصر، وهو الذى تولى بعد أبيه "السرى بن عبد الحكم" وبنى قبرًا لها ليكون أقرب إلى المزار، وكان ذلك أول بناء يبنى فوق منبر السيدة نفيسة، بعدها بنيت قبة فوق قبرها، وظل هذا الأمر إلى أن جاء أمير الجيوش بدر الدين الجمالى عام 482 هـ وبنى قبة كبيرة للسيدة نفيسة رضى الله عنها وأرضاها، أعيد تجديد القبة فى عهد الخليفة الفاطمى الحافظ سنة 532 هـ ثم جدد المقام سنة 117هـ فى عهد الأمير عبدالرحمن كتخدا، وهو من بنى مسجد بجوار المقام، ثم أعاد بناءه الخديو عباس حلمى الثاني.
يتوسط الواجهة الرئيسية مدخلًا بارزًا ومرتفعًا تغطيه طاقية على الطراز المملوكي، يؤدى إلى (دركاة) تصل إلى داخل المسجد، ويتوسط جدار القبلة محراب، وفى طرف هذا الجدار وعلى يمين المحراب باب يؤدى إلى ردهة مسقوفة تؤدى إلى الضريح، ويضم الضريح مقصورة نحاسية أقيمت فوق قبر السيدة نفيسة، ويعلو الضريح قبة.
عاشت السيدة نفيسة بمصر 15 عامًا وحينما شعرت بدنو أجلها حفرت قبرها بيدها في بيتها وحينما توفيت عام 208 هـ أراد زوجها نقل جثمانها إلى المدينة المنورة فطلب أهل مصر أن تظل مدفونة بأرضهم وعرضوا عليه الأموال فرفض ولم يرضخ إلا برؤية من الرسول يقول له «رد عليهم أموالهم وادفنها عندهم»، وكان أول من بنى ضريحًا للسيدة نفيسة هو عبيد الله بن الحكم والي مصر في عهد الدولة الأموية ثم أعيد بناؤه في عهد الدولة الفاطمية بعد إقامة قبة عليه، وهناك طاقة إيجابية وروحانية عالية تنعكس على زوار مقامها، حيث أن مقام السيدة نفيسة له مكانة خاصة فى نفوس المصريين، فالكثيرون يرتبطون وجدانيًا بمسجدها وضريحها، وكتب التاريخ تزخر بالقصص والروايات التى تجسد كرامات وبركات السيدة نفيسة ومكانتها الروحانية الكبيرة.