قبل عدة أسابيع نشرت مجموعة من المقالات حول الحروب المسعورة ومواجهة الدولة المصرية، واستعرضت عددًا من الأساليب المستخدمة للنيل من الدولة المصرية وما تقوم به من إنجاز لتحاول استخدام أحدث أساليب التأثير على الرأي لعام لكي تهيل التراب على تلك الإنجازات وتخلق حالة إما من عدم الرضا عنها أو التقليل من تأثيرها على مستقبل الدولة والمواطن بطبيعة الحال أو خلق حالة من عدم الثقة بين المواطن والنظام.
هذا الأمر لا يحدث مصادفة أو بشكلٍ عابرٍ لكن المُتابع بشكل جيد يجده يجري بشكل ممنهج ومدروس مهما تنوعت وسائله وأساليبه.
فهناك عدد من الصحف الأمريكية والبريطانية والفرنسية هي من تسلك ذلك المسلك وحدها وفق سياسة بيع المساحات لمن يدفع أكثر من منطلق زيادة حجم العوائد المالية؛ كما تذكر إدارتها، متناقضة مع حديث إدارتها التحريرية عن الموضوعية وحرية التعبير وضرورة احترام القارئ، بالفصل بين الإعلان والتحرير، الأمر الذي يخالف مواثيق الشرف الصحفي والميثاق العالمي.
فقد حرصت إدارات بعض الصحف التي استطاع التنظيم الدولي بعناصره فى مجال الإعلام الوصول إليها أن يحصل على مساحات يقوم بطرح عدد من التقارير والموضوعات حول الدولة المصرية، لتظهر كمواد صحفية قام بها مراسلوها، وهي فى حقيقة الأمر ليست سوى مواد مدفوعة الأجر.
الأمر يظهر بوضوح مع التقارير الاقتصادية والسياسية عندما تبدأ بعض تلك الصحف فى تحليل المشهد مستندة على دراسة لأحد المراكز البحثية المغمورة أو الدراسات غير المنشورة.
أو تعتمد على بوست أو تغريدة لأحد القراء الأمر الذي ينسج حوله التحقيق أو التقرير الصحفي سيناريو غير واقعي وهو ما حرصت عليه صحيفة «الديلي ميل» البريطانية الأسبوع الماضي، عندما قدمت تقريرًا على موقعها الإلكتروني بتاريخ
4 سبتمبر الجاري أعدته «Carina Stathis» وهي مراسلة من أستراليا عندما قدمت تقريرًا صحفيًا أسندته لتجربة «Grace Cheng» التي نشرتها على التيك توك، معتبرة أنها تمثل الأوضاع فى مصر وحاولت كاتبة التقرير رغم أنها تعمل بالصحيفة منذ خمس سنوات أن تصف الوضع فى مصر بغير الآمن، متحدثة عمن التقت بهم بجوار المناطق الأثرية ووصفتهم بالمحتالين.
الصحيفة اختارت لنشر التقرير على الفيس بوك عنوانًا «لم أشعر بالأمان هنا» ووضعت صورة للسائحة (منشئة محتوى على السوشيال ميديا) حملت عنوان
(I visited Egypt for a ‹dream› holiday and it turned out to be the worst trip ever: ‹I›ve never felt so uncomfortable›) وقالت الصحفية على لسان «جريس تشنج» التي زارت مصر لمدة أسبوع إنها لم تشعر بالأمان.
ظنت الصحيفة أنها بهذا التقرير الذي لم يشمل سوى حديث السائحة عبر التيك توك فى جولتها السياحية بالأهرامات والأقصر، سوف تشوه الصورة لكن ما لم تتوقعه هو رد الفعل غير العادي على السوشيال ميديا، والذي أرى أنه على الصحيفة مراجعة ما نشرته من واقع ما كتبه المُتابعون من مختلف الجنسيات ردًا على التقرير غير الموضوعي بالمرة والذي حاول تقديم صورة لمصر بأنها ليست آمنة للسائحين.
(1)
قبل أن أتعرض للتعليقات علينا أن نتوقف عند أسباب نشر التقرير فى هذا التوقيت بالذات، فليست صدفة أن ينشر الآن خاصة أن السائحة (مُنشئة المحتوى) حسب نشرها للفيديو على صفحتها على موقع التيك توك كانت الصحيفة قد أعدت تقريرًا كاملاً عنه.
أولاً: الصحيفة لم تشر من قريب أو بعيد إلى أن Grace Cheng هي منشئة محتوى على tiktok لكنها قدمتها كسائحة وقدمت تجربتها على أنها حالة عامة.
ثانيًا: جاء التقرير بعد حديث منظمات وهيئات سياحة دولية وعدد من وسائل الإعلام المتخصصة حول نجاح مصر فى جذب أكثر من مليون سائح من خلال مهرجان (العالم علمين) السياحي بمدينة العلمين، والذي أحدث رواجًا سياحيًا وقدم صورة لما يحدث فى مصر من إنجاز وتطور، وأيضا حالة الأمن والأمان التي تنعم بها الدولة المصرية رغم ما يحيط بها من اضطرابات.
ثالثًا: جاء التقرير بعد حديث وزارة السياحة حول استراتيجيتها التي تستهدف الوصول إلى 30 مليون سائح.
رابعًا: اختيار التوقيت والحديث عن عدم الاطمئنان خلال زيارتها للأماكن الأثرية سواء فى القاهرة أو الأقصر، والتركيز على المناطق الأثرية استهدف بشكل غير مباشر ما تستعد مصر لتقديمه للعالم خلال الفترة القادمة، وهو افتتاح المتحف الكبير والذي ينتظره العالم ومن المتوقع أن يتم خلال شهري أكتوبر أو نوفمبر بحسب تصريحات سابقة لوزير السياحة والآثار.
خامسًا: السائحة قامت بزيارة مصر نهاية شهر يوليو الماضي وبالتحديد يوم 30 يوليو ولمدة أسبوع، وكان هذا برنامج رحلتها حسب ما نشرته على صفحتها الشخصية.
اليوم 1: القاهرة -زيارة الأهرامات وأبوالهول فى الجيزة، المتحف المصري، متحف الحضارة.
اليوم 2: الأقصر (50 دقيقة طيران من القاهرة) ثم زيارة معبد الكرنك (المفضل لدي)، معبد الأقصر / شارع أبو الهول.
اليوم 3: الأقصر قامت بزيارة وادي الملوك/ الملكات، معبد حتشبسوت.
اليوم 4: الأقصر.. قامت بزيارة معبد دندرة (على بعد 1.5 ساعة من الأقصر). وذهبت إلى أسوان (3.5 بالسيارة من الأقصر). وفى الطريق إلى الأقصر، قامت بزيارة معبد إدفو، وقامت برحلة نيلية.
اليوم 5: ذهبت إلى أبو سمبل (45 دقيقة طيران)، وزارت معابد أبو سمبل وذكرت أنها تستحق الرحلة لأنها رائعة جدًا.
اليوم 6: عادت إلى القاهرة وقامت بزيارة مقبرة سقارة، والهرم الأحمر.
يوم 7: يوم السفر قالت إنها أكلت كشري! (وهو الطبق المحلي المفضل).
ثم قامت بشراء بعض العطور وأوراق البردي من الأسواق المحلية.
هذا ما ذكرته منشئة المحتوى (Grace Cheng) وأرفقت معه فيديو رائعًا مدته
20 ثانية عن الزيارة.
ثم قامت فى الأول من سبتمبر الجاري بنشر فيديو جديد لتقييم رحلتها وهو ما قامت الصحفية البريطانية المقيمة فى أستراليا Carina Stathis بإعداد تقريرها حوله ونشره بالصحيفة.
لم تتحرَ Carina Stathis المصداقية والدقة فى التناول، لكنها كانت تبحث عن محتوى محدد لخدمة الهدف المنشود لديها وبالبحث وجدت ضالتها فى الفيديو المنشور.
لكن ردود المتابعين على السوشيال ميديا وحجم المشاركات كانت أقوى رد على التقرير وأيضًا المحتوى.
(2)
بلغ عدد التعليقات على صفحة «الديلي ميل» على الفيس بوك على التقرير أكثر من 5 آلاف و500 تعليق أغلبها تحدث عن تجربته فى مصر، وكيف أنه يشعر بالأمان فيها، والبعض الآخر تحدث عن زيارته لمصر لأكثر من مرة بل إن بعضهم تحدث عن زيارته القاهرة ومدينة شرم الشيخ هذا العام مرتين ويرغب فى زيارتها مرة أخرى.
وآخرون تحدثوا عن تجاربهم خلال زيارتهم لدول أخرى مثل لندن والولايات المتحدة الأمريكية وكيف أنهم تعرضوا هناك لمضايقات خلال جولتهم السياحية، لكن ليس معنى ذلك أن تلك الدول لا تنعم بالأمان.
ولفت انتباهي وأنا أتصفح التعليقات تعليق لـ سهير زقلمة والذي حاز تفاعل أكثر من 1500 شخص وتعليقات تجاوزت 100 تعليق كلها تؤيد ما ذكرته من أن التجربة التي ذكرتها السائحة « Grace Cheng» تعود إلى عدم اختيارها لشركة سياحة موثوق بها.
أما Stephanie Novick أمريكية قالت: ذهبت إلى مصر لمدة أسبوعين وأخطط لزيارة أخرى قريبًا واستمتعت بالأمان وروعة التاريخ، وحاز تعليقها على 1600 تفاعل.
وقال Josie Rivera مقيم فى بوسطن: «سافرت عبر مصر فوجدت البلد والشعب والثقافة رائعة جدًا».
أما Jenni French فقد قالت Just waiting for the museum to open to go back...loved the country and the people
(فقط أنتظر فتح المتحف للعودة... أحببت البلاد والعباد... لم أشعر أبدًا بعدم الأمان)
أما Mary Bakeas والتي كانت تعمل لدى African Export Import Bank فقد قالت: «ما تصفه شخصي للغاية، أنا أعيش هنا لمدة 44 سنة! فى الأغلبية الناس مفيدون جدا جدا.. أكثر بكثير من أوروبا والولايات المتحدة والدول الأخرى.. أسافر بنفسي من القاهرة إلى واحة سيوة (800 كم) 300 كم لم أواجه أي مشكلة أبدًا، ليس من الجيد أن تشتم مصر بهذه الطريقة.!»
فهل ستقوم الصحيفة بعد كل هذا الحجم من التعليقات التي تعد بمثابة رد من كل دول العالم، حمله أصحاب تجارب قاموا بزيارة مصر وشعروا فيها وبين أهلها بالأمان ويتطلعون لزيارتها مرة أخرى بأن تصحح تقريرها المغلوط؟!
أم أن الهدف ليس له علاقة بالمهنية الموضوعية فى التناول الصحفي ويستهدف تزييف الواقع وتقديم صورة غير حقيقية عن الأوضاع فى مصر.. ويضاف إلى قائمة التقارير المسمومة التي تستهدف الدولة المصرية خلال الفترة الحالية؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الزيادة السكانية
حديث الرئيس حول تأثير الزيادة السكانية على التنمية خلال المؤتمر العالمي للسكان الذي استضافته مصر، كان بمثابة رسالة مهمة للجميع لأن مواجهة هذا «الغول» الذي يتضخم بشكل غير عادي هي مسئولية الجميع: الحكومة والشعب، فى ظل نمو سكاني يتجاوز النمو الاقتصادي بكثير.
إننا أمام أهم التحديات التي تتطلب منا جميعا أن نكون أكثر إيجابية بالعمل على تنظيم الأسرة وخفض حجم النمو السكاني، حتى تنعم الأجيال القادمة بثمار ما نزرعه وما نقوم بإنجازه من تنمية.