أتابع منذ سنوات التجارب السينمائية المشتركة للكاتبة زينب عزيز، والمخرج على إدريس، وكتبت تقريبا عن كل أفلامهما، وتحدثت تحديدا عن نجاح بعض هذه التجارب فى تقديم الدراما الكوميدية الرومانسية، والتى كانت عنصرا أساسيا فى الفيلم المصرى عبر تاريخه، وخصوصا عند امتزاجها بالغناء، من أفلام عبد الوهاب (ممنوع الحب مثلا)، إلى أفلام محمد فوزى (فاطمة وماريكا وراشيل مثلا)، وعبد الحليم حافظ ( شارع الحب مثلا)، ثم غابت هذه النوعية لفترة طويلة، أو قدمت بشكل ضعيف وركيك، ونجحت زينب مع إدريس فى تقديم أعمال معقولة من تلك النوعية، كان أنجحها فيلم "حريم كريم" (2005)، بطولة مصطفى قمر، كما قدم الثنائى كوميديا رومانسية بدون غناء، كما فى فيلم "كلام فى الحب"(2006)، بطولة يسرا وهشام سليم وحنان ترك.
يمكن القول إن فيلم الصيف للثنائي، وعنوانه "أولاد حريم كريم"، يقدم جزءا ثانيا من فيلمهما السابق الناجح "حريم كريم"، ويمكن أن نعتبره، مع بعض الملاحظات، كوميديا رومانسية جيدة، وهو أمر ليس سهلا على الإطلاق، لأن نجاح الجزء الأول يغرى بعمل جزء ثان "أى كلام"، اعتمادا على حب الجمهور لشخصيات الجزء الأول، واستغلالا لفضول المشاهد فى رؤية نفس الأبطال، بعد مرور كل هذه الأعوام.
ولكن زينب لم تستسهل، وكتبت سيناريو جيدا، رغم كثرة الشخصيات والخطوط، ونجحت إلى حد كبير فى عرض هذه الخطوط ببراعة، كما صنعت كوميديا الموقف بإحكام فى كثير من المشاهد، وقدمت أيضا مشكلات جيل كريم الحسينى بطل الجزء الأول،، بعد أن تقدم فى العمر، ومشكلات جيل زميلات الدفعة اللاتى تغيرت حياتهن، كما قدمت أيضا نظرة جيل الأبناء إلى الحب والعلاقات الرومانسية، مع ربط الجيلين بفكرة الحاجة دائما إلى الحب والصداقة، وهى أيضا محور الجزء الأول، الذى يعانى فيه كريم من خلط صديقات الجامعة الجميلات بين الحب والصداقة، وينجح هو فى الفصل بين الأمرين، فيفوز فى النهاية بصداقتهن، وبحب فتاة يتزوج منها، وهو نفس ما يحدث فى الجزء الثاني: الفتاة فى الجزء الأول قامت بدورها ياسمين عبد العزيز، والمرأة التى سيحبها كريم الحسينى فى الجزء الثاني، قامت بدورها بشرى.
ربما زادت تفصيلات الجزء الثانى قليلا عن المطلوب، مما أحدث نوعا من الارتباك فى القسم الأخير من الفيلم، وربما كان يجب أن يكون المونتاج أكثر إحكاما، وربما أفسد ضجيج تسجيل الصوت، والضوضاء فى خلفية الكثير من المشاهد، النتيجة العامة للفيلم، ولكننا بوجه عام أمام تجربة ناجحة ومميزة، أساسها الكتابة، وأداء الممثلين بشكل مناسب، وتقديم الأغنيات فى أماكنها، وكجزء من الدراما، حتى الوجوه الجديدة التى قدمها الفيلم، لم تكن مزعجة، مع التسليم بتفاوت قدراتهم ومواهبهم، ومع التسليم بحاجتهم إلى مزيد من التدريب، وخصوصا فيما يتعلق بإلقاء الحوار.
يبدأ الفيلم وقد أصبح كريم الحسينى (مصطفى قمر) أرمل بعد وفاة زوجته، ولديه فتاة جميلة فى سن الزواج هى آيلا (رنا رئيس)، ثم تتشابك الخطوط عبر أبناء صديقات كريم، وبصورة ذكية وتدريجية، فالشاب كريم (تيام مصطفى قمر)، والذى يحب آيلا، هو ابن مها (داليا البحيري)، صديقة الحسينى السابقة، وهناك شاب آخر هو سيف (يوسف عمر)، ينافس ابن مها على قلب آيلا، وسنكتشف أن سيف هو ابن دينا مندور (بسمة)، صديقة الحسيني، أما الصديقة الثالثة هالة (علا غانم)، فلديها ابن يدعى أبو الفضل، سيرتبط بالفتاة مريم، وهى ابنة سارة (بشرى)، التى سيحبها كريم الحسينى نفسه.
هكذا تتشابك العلاقات فى دائرة لا تكشف تفاصيلها إلى تدريجيا، وبحرفة سرد عالية، ودون إغفال لأزمات الشخصيات، من الكبار والشباب، الحسينى مثلا قلق على ابنته، ويرفض كريم الشاب، بينما يعيش حالة حب مع سارة، ومها ما زالت تعانى مع سطوة زوجها حسين (خالد سرحان)، ومن جفاف معاملاته، رغم أنه ترك الشرطة، وأصبح صاحب سوبر ماركت، ولكنه بيته والسوبرماركت بنفس الإنضباط والشراسة والنظام، ودينا مندور استبعدوها من تقديم برنامجها بدعوى الترقية، وتعيش حالة من عدم التوازن بسبب طلاقها، وهالة تعانى مع ابنها أبو الفضل، الذى لم يستقر على عروس، وترفض تقرب زوجها السابق الفظ (عمرو عبد الجليل) إليها، بدعوى إكمال مراسم تزويج ابنهما، وسارة تشعر بالغيرة من عودة علاقات كريم الحسينى مع صديقاته، وتريد إكمال سعادة ابنتها مريم، حتى لو تطلب الأمر أن تنشر إعلان زواج للابنة، وتتآمر مع أبو الفضل، لكى تحبه مريم.
شبكة علاقات غريبة، تنشأ عنها مفارقات كوميدية خفيفة، دون إغفال الخطوط الرومانسية، مع إبراز التناقضات بين الأجيال، والتشوش الذى يقع فيه الجميع، مع التركيز على عنصر المنافسة والغيرة، دون تجاوز الخطوط الحمراء، فلا يوجد طرف يريد إيذاء الطرف الآخر، وهذا ما تقوله مها وهالة ودينا لكريم الحسيني، عندما تتسبب غيرتهن من سارة، فى إفساد زواج أبو الفضل من مريم، ولكن النهاية السعيدة، تنقذ الموقف، وهى العلامة الضرورية لأفلام الكوميديا الرومانسية، ليحصل كريم الحسينى من جديد على الحب والصداقة، ربما لأنه كان حريصا عليهما معا، كما يدرك الكبار أنهم لا يستطيعون الاختيار نيابة عن الصغار، وكل الأطراف لن تستطيع أن تستغنى عن الحب، ولن تستطيع أن تتستغنى عن الصداقة.
مفهوم الكوميديا الرومانسية واضح تماما عند زينب عزيز، وهى تعرف شخصياتها، وتحبهم وتتفهمهم، ولديها روح مرحة، وقدرة كبيرة على بناء مفارقات جيدة، والممثلون والممثلات يؤدون ببساطة، ودون افتعال، ومصطفى قمر مقبول جدا كأب، وأعجبتنى بشكل خاص أغنية يتذكر فيها علاقته بابنته فى طفولتها، وأغنية مرحة مع صديقاته مها وهالة ودينا، تذكرنا بأغنية مشابهة فى الجزء الأول، وكان ظهور عمرو عبد الجليل لطيفا وخفيفا، وهو ليس بديلا للراحل طلعت زكريا، ولكنه يؤدى دورا مختلفا.
ربما زادت تصرفات خالد سرحان الكاريكاتورية، وإن كان ما زال محتفظا بحضوره، وربما كان تيام قمر، ورنا رئيس، وكريم كريم الذى لعب دور أبو الفضل، هم الأفضل بين جيل الأبناء، بينما يمكن أن ينجح يوسف عمر (سيف) فى الأدوار التى تعتمد على الوسامة، ولكن الملحوظة المحورية المزعجة تتعلق بضوضاء الصوت، وارتباك المونتاج كما ذكرت، وهى مسؤولية المخرج فى كل الأحوال، لأن الإيقاع يبدأ من تقطيع المشهد، ولا يمكن أن تنقذ الإيقاع الصورة اللامعة لأحمد حسين، بباليتة ألوان مبهجة، ولا موسيقى عادل حقى المميزة، ولا حتى جماليات الديكور (هند حيدر)، وأناقته المناسبة للأماكن، ولمستوى معيشة الشخصيات.
لا يجب أيضا المقارنة بين الجزء الأول والثاني، رغم علاقتهما، فالموضوعان مختلفان، والعلاقات كذلك، بل إن الجزء الثانى أكثر تشابكا وصعوبة فى كتابته، والمغامرة أكبر، لأن علاقات الحب مع تقدم الشخصيات فى العمر، تحتاج إلى حساسية أكبر فى التناول، دون خفة أو سطحية، ودون جدية مفتعلة، وقد نجح السيناريو فى تحقيق ذلك الى درجة كبيرة.