أسامة سرايا يكتب: هل يعبر ترامب عن القيم الأميركية..؟

أسامة سرايا يكتب: هل يعبر ترامب عن القيم الأميركية..؟أسامة سرايا يكتب: هل يعبر ترامب عن القيم الأميركية..؟

الرأى14-7-2018 | 20:27

تعودنا كثيرا على أن نرى الولايات المتحدة الاميركية من خلال ماتُقدمه لنا هوليوود ، ولم نجد من حاول أن يُقدم لنا عرضا وافيا عن طبيعة هذا المجتمع ، لكن فى عام 2004 ظهر إلى الساحة كتاب جديد يقدم عرضا مختلفا عن المجتمع الاميركى وعن أسباب قوة التيار المحافظ داخل أميركا ، هذه الدوله التى أصبح دراسة تاريخها وطبيعة مجتمعها حاجة ضروريه نفتقر جميعا إلى رؤيتها رؤية شامله تبتعد فقط عن النظرات التآمريه ولو للحظات وتعتمد على نظرة ثاقبه داخل هذا المجتمع الغامض ..

“أمة الیمین: قوة المحافظین في أميركا”

المؤلفان “إدریان ولدریدج وجون مایكلثویت “

مراسلا مجلة ذا أكونومیست البریطانیة في الولایات المتحدة

یحتوي الكتاب على عدد یصعب حصره من الأفكار المثیرة عن مدى وأسباب قوة التیار المحافظ في الولایات المتحدة خلال الفترة الحالیة، فالكتاب أشبه بموسوعة شاملة تتضمن مختلف القضایا المثارة حول الیمین الأمریكي في الفترة الحالیة، وإن كان یفتقد لسھولة وترتیب الموسوعات.

یمكن القول أن الكتاب الصادر في عام 2004 یعد الأكثر شمولا إن لم یكن الأفضل بین الكتب الحدیثة التي تتناول الیمین الأميركي بالشرح والتحلیل بشكل عام ، خاصة وأن الكتاب یتمیز بقدر من السھولة یرشحه لأن یكون مقدمة مفیدة – وإن كانت طویلة بعض الشيء عن الیمین الأميركي – للقارئ الأجنبي (غیر الأميركي).

فكرة الكتاب الأساسیة تدور حول إیمان مؤلفي الكتاب بأن أمیركا أمة محافظة أو یمینیة بطبعھا لأسباب عدیدة یشرحھا المؤلفان في مناسبات عدیدة ومتفرقة عبر أجزاء الكتاب الأربعة وفصوله السبعة عشر.

إذ یرى المؤلفان أن أميركا لم تتحول نحو الیمین ولكن الیمین ھو الذي عثر على أمریكا – أكثر دول العالم نفوذا في الفترة الحالیة – محافظة بطبعھا، كما یتنبئان باستمرار صعود الیمین وھیمنته على السیاسة الأمریكیة خلال السنوات المقبلة بغض النظر عن شخصیة الرئیس، لذا یدعوان العالم وخاصة أوربا – في خاتمة الكتاب – للاستعداد للتعایش في السنوات المقبلة مع أمریكا یھیمن علیھا الیمین. كما یعبران عن اعتقادھما بأن الرأي العام الأمریكي یغفل حقیقة مدى انتشار ونفوذ الیمین في أمریكا لأن شعوب العالم لا تعرف عن أمریكا سوى رموزھا اللیبرالیة على مستویات عدة ، فالعالم لا یعرف عن أمریكا سوى مدنھا الكبرى اللیبرالیة مثل نیویورك وسان فرانسیسكو ، ولكنه لا یعرف كثیرا عن ولایات الوسط الأمریكي الزراعیة المحافظة ، كما أن العالم یعرف عن أمریكا جرائدھا اللیبرالیة مثل نیویورك تایمز و واشنطن بوست، ولكنه لا یعرف كثیرا عن مراكز الأبحاث الیمینیة ، ھذا إضافة إلى أن صورة أمریكا في العالم مرتبطة أكثر بھولیود والأفكار اللیبرالیة على المستوى الأخلاقي والاجتماعي ولكن العالم لا یدرك أن أمریكا أن أكثر بلدان العالم المتقدم محافظة على مستویات مختلفة كانتشار المشاعر الدینیة والقومیة.

أمریكا أمة محافظة بطبعھا….

یرى إدریان ولدریدج وجون مایكلثویت – في الجزء الرابع من الكتاب – أن أمریكا كدولة وتجربة تاریخیة مثلت دائما تربة خصبة لصعود قوي التیار المحافظ، وذلك لعدة أسباب، فلو عدنا للتاریخ – كما یرى مؤلفا الكتاب – لوجدنا أن أمریكا دولة حدیثة لم تشھد ثورات أو معاناة الدول القدیمة وخاصة الأوربیة منھا، فأمریكا ورثت التقالید السیاسیة الأوربیة ولكنھا إلى حد كبیر لم ترث المعاناة التاریخیة والثورات الدامیة التي مرت بھا بعض الشعوب الأوربیة لكي تصل إلى دساتیرھا ونظمھا السیاسیة الدیمقراطیة.

عندما ھرب الآباء المؤسسون للولایات المتحدة من أوربا سعیا نحو الحریة الدینیة وجدوا أمامھم بلد شاسع مليء بالثورات یتسع للجمیع دون وجود ضرورة تحتم الصدام بین المھاجرین الجدد ، وإن لم یمنع ھذا وجود التفرقة والتمییز ضد فئات عدیدة كأھل البلاد الأصلیین والأقلیات الدینیة كالمورمان والعرقیة كالأفارقة الأمریكیین – لذا لم تمر المؤسسات التي وضعھا الآباء المؤسسات للولایات المتحدة بعد حرب الاستقلال بتحدیات سیاسیة كبیرة، كما أن الثورة الأمریكیة نفسھا لم تكن دامیة، ولم یسعى الأمریكیون لوضع قیود مبالغ فیھا على الدولة أو على الطبقات الغنیة، لذا ظلت أمریكا – التي عرفت في العالم بأنھا دولة الحریة – معتدلة أو محافظة سیاسیا، فھي لم تمر بثورات رادیكالیة ولم تواجه تحدیات كبرى ، لذا یشعر الأمریكي بمستوى كبیر من الرضا والفخر بتراثه السیاسي كما یظھر في احتفال الأمریكیین الدائم بالآباء المؤسسین للولایات المتحدة ھذا على عكس شعوب أخرى كالیابانیین والألمان والتي مرت بتجارب تاریخیة مریرة جعلتھا تعید التفكیر في تراثھا القومي بشكل عام . ھذا إضافة إلى أن الدستور الأمریكي بطبیعته أضعف من سلطة الدولة لحساب الولایات، كما أنھ أعطى سلطة كبیرة للولایات الزراعیة قلیلة عدد السكان لأنه أعطى جمیع الولایات نفس عدد المقاعد بمجلس الشیوخ الأمریكي، مما أعطى الریف الأمریكي المحافظ بطبیعتھ نفوذا كبیرا مازال مستمرا حتى الآن مما ساعده على جذب أمریكا دوما نحو الیمین.

كما أن علمانیة أمریكا – والتي أقرھا الدستور بفصلھ الدین عن الدولة – أدى إلى تقویة المؤسسات الدینیة الأمریكیة ولم یضعفھا، إذ أصبح البقاء الدیني في أمریكا للمؤسسات الدینیة الأقوى والأصلح، وھنا یشیر مؤلفا الكتاب إلى أن 16 % من الشعب الأمریكي اعتنقوا تاریخیا دیانات غیر دیانتھم الأصلیة. أما الجغرافیا فقد أعطت أمریكا فرص استثنائیة عدیدة، فقد أعطت الأمریكیین شعورا دائما بالثراء والوفرة والتفاؤل ورفض تدخل الدولة في الاقتصاد ، وتأیید رجال الأعمال والرأسمالیة، والأمل في زیادة ثرائھم واستھلاكھم بشكل مستمر في المستقبل. كما أعطت الجغرافیا – كما یوضح مؤلفا الكتاب في خاتمتھه– أمریكا خاصیة استثنائیة أخرى وھي مساحة واسعة للجمیع، فمؤلفا الكتاب یعتقدان بأن الشعب الأمریكي مازال منقسما على نفسه أیدلوجیا على الرغم من سیطرة الیمین سیاسیا، فھناك فئات واسعة – قد تصل لنصف الشعب الأمریكي – ترى نفسھا كفئات لیبرالیة التوجه ، ھذا في مقابل سیطرة الیمین سیاسیا بحكم سیطرته على مؤسسات الحكم في واشنطن وعلى الجدل السیاسي العام في الفترة الحالیة وافتقار الیسار الأمریكي – كما یرى مؤلفا الكتاب – لأیة بدائل سیاسیة حقیقة في الوقت الراھن

وھنا یرى مؤلفا الكتاب أن مساحة أمریكا الشاسعة جعلت ھناك دائما وفرة في المكان تكفي لأن تعیش جمیع الجماعات بغض النظر عن توجھاتھا الأیدلوجیة، فمن لا یعجبه العیش في المدن الشمالیة الأمریكیة المزدحمة یمكنھ الانتقال للعیش على أطراف المدینة الأكثر ھدوءا أو في بعض مدن الجنوب أو الوسط أو الغرب أو أي مكان أمریكي أخر یريده ، فیمكن لكل أمریكي أن یعثر على المدینة التي یفضلھا ویعیش فیھا.

صعود الیمین الأمریكي ..

أما قصة صعود الیمین الأمریكي خلال العقود الأخیرة فتعود – كما یشرح إدریان ولدریدج وجون مایكلثویت – في الجزء الأول من الكتاب – لعام 1964 ، وتحدیدا لحملة الانتخابات الرئاسیة التي شھدت التنافس بین مرشح الحزب الجمھوري باري جولدواتر والمرشح الدیمقراطي لیندون جونسون وانتھت بفوز ساحق للأخیر، ویقول المؤلفان أن ما میز باري جولدواتر وحملتھ الرئاسیة ھي أنھا مثلت مواقف الیمین في صورتھا المتطرفة ولیست المعتدلة أو المتخفیة، فباري جولدواتر لم یسعى لتقدیم نفسه كمنافس معتدل أو مرضي لجمیع الأطراف ، بل سعى لتقدیم نفسه على أنه بدیل واضح وقوى للسیاسات اللیبرالیة التي قادھا الدیمقراطیون منذ ثلاثینات القرن العشرین والتي تركزت حول الدفاع بحركة حقوق الإنسان وزیادة دور الدولة في مساعدة الفقراء وتقدیم الخدمات الاجتماعیة. في المقابل عارض جولدواتر حركة الحقوق المدنیة ونادي بخفض دور الدولة ومؤسساتھا لأقصى حد، وشن ھجوما عنيفا ضد الیسار ومؤسساته ، مما أدى إلى ھزیمته ھزیمة ساحقة ولكنه ترك من خلفھ حركة محافظة جدیدة، ویقول الكاتبان أن الھزیمة المدویة لجولدواتر مثلت نقطة بدایة العودة للیمین الأمریكي، والتي امتدت خلال السبعینات والثمانینات لتظھر واضحة في عام 1994 حین تمكن الحزب الجمھوري من استعادة سیطرته على مجلس النواب الأمریكي وھي المؤسسة الأكثر تعبیرا عن إرادة الجماھیر المباشرة من بین المؤسسات الفیدرالیة الأمریكیة.

أما أسباب قوة الیمین الأمریكي في الفترة الحالیة فیشرحھا إدریان ولدریدج وجون مایكلثویت في الجزء الثاني من الكتاب، وھنا یشير المؤلفان لثلاثة أسباب رئیسیة ….

أولھا وأقلھا أھمیة ھي وجود الرئیس الأمریكي في الحكم ونجاحه ھو ومساعده كارل روف في بناء توازن محكم وصعب بین قوي الیمین الأمریكي المختلفة.

أما السببین الأھم ھما عقل وعضلات الیمین الأمریكي.

وھنا یرى مؤلفا الكتاب أن سر صعود الیمین الأمریكي خلال السنوات الأخیرة یكمن في نجاح الیمین في بناء شبكة مھولة من المؤسسات الداعمة لأھدافه بشكل یفوق اللیبرالیین بدرجة كبیرة في الوقت الراھن.

الجزء الأول من ھذه المؤسسات یطلق علیھ المؤلفان اسم عقل الیمین وھو یتمثل في مراكز أبحاثة ووسائل الإعلام المعبرة عنه ، وھدف ھذه المؤسسات الأساسي یكمن في البحث في حلول وأفكار سیاسیة جدیدة وإقناع واشنطن بتبنیھا ، وھنا یستعرض المؤلفان عدد كبیر من مراكز الأبحاث الیمینیة من حیث حجمھا وحجم نفوذھا السیاسي وطبیعة المؤسسات التي تمولھا.

أما الجزء الثاني فیتمثل في المؤسسات الجماھیریة التي تركز على حشد قوى الیمین الأمریكي الجماھیریة عبر الولایات المتحدة، ویقسم الكتاب ھذا الفریق إلى مجموعتین أساسیتین، حیث تضم المجموعة الأولى الجماعات الأمریكیة التي تنادي بالحد من دور الدولة عن طریق الحد من الضرائب ورفض تدخل الدولة لفرض قیود على استخدام الأسلحة الخاصة. أما الجماعة الثانیة فھي تضم المحافظین المعنیین القضایا الأخلاقیة والدینیة، وھنا عبر المؤلفان عن اعتقادیھما بأن الیمین المسیحي الأمریكي على الرغم من نفوذه الكبیر خلال السنوات الأخیرة بدأ یعاني من مشاكل سیاسیة متزایدة مؤخرا بسبب سیطرة قیادات كبیرة في السن غیر محبوبة جماھیریا علیه مثل بات روبرتسون وفرانكلین جرام وغیرھم مما دفع بعض الوجود الجدیدة والذكیة سیاسیا إلى ترك التیار والانخراط في مؤسسات یمینیة أخرى كما حدث في حالة رالف رید الذي قاد التحالف المسیحي – والذي یرأسه بات روبتسون – لانتصارات سیاسیة كبیرة، ولكنه قرر ترك الإتحاد للعمل كرئیس للحزب الجمھوري بجورجیا.

الیمین الأمریكي ھو التھدید الرئیسي لنفسه …

فیما یتعلق بمستقبل الیمین الأمریكي یرى إدریان ولدریدج وجون مایكلثویت أن الیمین الأمریكي یمثل التھدید الرئیسي لنفسه خلال الفترة الحالیة، وذلك لعدة أسباب فھما یریان أولا أن الیسار الأمریكي في حاجة لمراجعة أفكاره وسیاساته بعد أن أصبح یعیش حالة إفلاس سیاسي راھنة، وبعد أن أصبحت مواقفه السیاسیة لا تختلف كثیرا عن سیاسات الیمین، كما أنھ یفتقد للوحدة والحماس الذي یشعر بھ أنصار الیمین في الفترة الحالیة. أما السبب الثاني فھو كون الیمین الأمریكي یضم جماعات متناقضة عدیدة، فالیمین الأمریكي یضم الأثریاء والذین یتبنون أجندات ثقافیة لیبرالیة، كما یضم الیمین المسیحي الذي یرفض أخلاق الأثریاء، كما یضم الیمین الأمریكي المنادین بالحد من تضخم الدولة ولكن بوش قاد أكبر تضخم لمشاریع ومؤسسات الدولة منذ عقود، كما یضم الیمین بین جوانبه جماعات معادیة للأقلیات وللمھاجرین مما یمثل خطرا على قدرة الحزب على اجتذاب المھاجرین الجدد إلیه خاصة الأمریكیین اللاتینیین…

أخیرا یعتقد المؤلفان أن سیطرة الحزب الجمھوري على البیت الأبیض قد تستمر أو تختفي خلال السنوات المقبلة، ولكن ذلك لن یضعف سیطرة الیمین داخل الولایات المتحدة، لأن أمریكا كما یرى مؤلفا الكتاب سوف تبقى بلدا محافظا لسنوات أو ربما عقود عدیدة قادمة، والآن وأنا أعيد قراءة هذا الكتاب من جديد أستطيع أن أقول إن هذا الملياردير القادم من خارج الدوائر السياسية الأميركية سيذكره التاريخ أنه من أكثر المعبرين عن القيم الأميركية.

أضف تعليق

المنصات الرقمية و حرب تدمير الهوية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
إعلان آراك 2