حكاية بطل

حكاية بطلحسين خيرى

الرأى8-10-2023 | 09:23

كان من بين أوائل من عبروا القناة، وتسلقوا خط بارليف الشاهق بواسطة الحبال، وحين كنت صغيرا كلما أذاع التلفزيون مشاهد العبور أتفقد بين وجوه الأبطال وجه عمي، حتى أصبحت عيني ترى وجوههم صورة كربونية لوجه عمي، كان عمي يحيى صائما، ومع باكورة الصباح أصدر قائدهم بكتيبة المشاة الأمر بالتحرك هو ورفاقه تجاه القناة، واصل صيام يومه برغم أن فتوى الشيخ على جبهة القتال بجواز الإفطار، وحمل عمي "الشدة" وسلاحه الآر بي جيه على كتفيه، ونزل إلى الزورق بصحبة شرفاء مصر، ليكتبوا سيمفونية العبور الرائعة بصوت الله أكبر.

جاءت الأوامر أنهم فور أن تطأ أقدامهم أرض سيناء لا يجلسون للاستراحة، وعليهم التقدم بسرعة للسيطرة على أكبر مسافة ممكنة على الأرض، وما لبث وأن بدأ عمي يحفر حفرة لكي يتحصن فيها، وهكذا كان يفعل رفقاؤه، وبعد الانتهاء من الحفر جلس لالتقاط أنفاسه، وما لبثت أن تتطاير قذائف العدو تجاهه وعلى المحيطين به، وأخذ بالضرب نحو أهداف العدو.

لم يمهل القدر عمي يحيى أن يتحصن داخل حفرته، وتخترق داخل رأسه طلقة، لتحفر اسمه فى سجل من النور، ولترفعه عند ذي العرش المجيد، ويلقى ربه شهيدا صائما، وليلحق بالرسول والصحابة وشهداء الوطن، وذلك فى مساء يوم السادس من أكتوبر، وجاءت تفاصيل رواية استشهاده على لسان زملائه ممن جاوروه فى المعركة، وقالوا لوالدي إن حفرته التي حفرها فى سيناء كانت قبره، ومنذ هذا الوقت نشعر وكأن يتوج على رؤوس عائلتنا تاج من نور، وكان العزاء الوحيد لوالدي والأعمام على فراق شقيقهم الأصغر ابن الـ 29 عاما والحاصل على ليسانس الآداب فى الفلسفة، وأخذت قصة عمي الشهيد ينقلها جيل إلى جيل إلى أن تشاء الأقدار، إنها حكاية بطل لن تكتب نهايتها.

رأيت صورة عمي البطل فى وفاء الضابط مهندس باقي زكي يوسف، صاحب فكرة تصميم مدفع مائي فائق القوة لدفع المياه من أجل تحطيم وإزالة أي عائق أو ساتر ترابي فى زمن قياسي قصير وبأقل تكلفة، وسرعان ما وافقت القيادة على تنفيذها، واستطاعت قواتنا المصرية العبور بمدرعاتها إلى سيناء من خلال فتح الثغرات بخط بارليف، وقد وصفت وقتها وكالة اليونايتدبرس سقوط خط بارليف بأنه أسوأ نكسة عسكرية تمر بها إسرائيل فى تاريخها، وقال عنه دافيد بن اليعازر إن خط بارليف سيكون مقبرة للجيش المصري، وتجلت صورة عمي فى فداء الشهيد عقيد طيار فاروق حمادة أول من أسقط طائرة ميراج فى حرب 67، وفى حرب 73 أسقط 6 طائرات وفى آخر طلقاته أصيبت طائرته، وكان الهدف المحدد له ضرب خزانات الوقود للعدو فى أبو رديس لفك الثغرة، فما كان منه إلا أن أبلغ قيادته بالعطل وأنه سيقتحم الخزانات بطائرته وحدث الانفجار ومات شهيدا، ويمر 50 عاما وذكراهم لا تفارق عقولنا.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2