نظم معهد التخطيط القومى ، أول أمس، حلقة نقاشية حول الخبرة المستخلصة من تجربة التنمية فى كل من مصر والصين.
أدار نقاش الندوة الدكتور أشرف العربى، رئيس المعهد، ووزير تخطيط السابق، وحضره من المسؤولين السابقين الدكتور سلطان أبوعلى واللواء أبوبكر الجندى. وعدد كبير من الأكاديميين والباحثين والخبراء.
وخلال الندوة.. أكد عدد من الخبراء، أن البلدين مرا بمحطات متشابهة فى أوقات متقاربة فقد انتصرت ثورة التحرير فى الصين فى 1949 وقامت ثورة مصر فى 1952 واتبعت الصين النموذج الشيوعى واتبعت مصر فى الستينيات النموذج الاشتراكى، وسبقت مصر الصين فى اطلاق سياسة الانفتاح الاقتصادى فى 1974 بينما اتجهت الصين إلى الانفتاح فى 1978، مؤكدين أن الصين مضت فى طريقها ولم تغيره حتى الآن مع درجات عالية من المرونة تتيح لها مواجهة التحديات الجديدة ومواصلة الانطلاق بينما حدث تذبذب مستمر فى تجربة مصر حيث تتحسن مؤشرات الاقتصاد من ناحية النمو والناتج وعجز الموازنة والدين وسعر العملة ثم تتراجع وهكذا.
وأرجع الخبراء سبب نجاح الصين فى تحقيق نمو بمعدل 10% لمدة أربعين عامل متصلة بينما لا يزيد النمو فى نفس الفترة فى مصر عن 4% إلى أن الصين حددت طريقها بوضوح ومنحت الفرصة للقطاع الخاص ليقود الاستثمار والتشغيل والصادرات والابتكار تحت مظلة انضباط مالى وإصلاح مؤسسى وجدية شديدة ومتابعة مستمرة من الحزب الشيوعى والسلطة التنفيذية وفى ظل معدل ادخار وبالتالى معدل استثمار غير مسبوق فى التاريخ بلغ فى فترة 40% بينما لم يزد معدل الادخار 17% فى مصر فى أفضل الأحوال، مؤكدين أن الصين طورت التعليم الفنى أولا قبل التعليم الجامعى ومنحت مزايا واضحة للشركات الأجنبية فى المناطق الاقتصادية الخاصة وأقامت شراكات فعالة مع شركات التكنولوجيا المتقدمة الغربية، كما شكلت العمالة الرخيصة والسوق الواسعة عوامل جذب لا تقاوم، داعين إلى تغيير منهج إدارة التنمية والاستثمار فى مصر لجعل التصنيع الحقيقى – أى صناعة المكونات - يقود النهضة الاقتصادية حيث كان ذلك مفتاح نجاح الصين وكان بإمكان مصر فى الستينات لو استمرت تجربتها أن تسبق الصين فى هذا المجال.
وفى هذا الصدد، قال الدكتور مختار خطاب وزير قطاع الأعمال الأسبق، خلال اللقاء إن زيادة معدل الاستثمار لن تأتى بنتيجة فى مصر إلا إذا اقترنت بالتحول إلى تصنيع المكونات والذى يتبعه بالضرورة تطور البحث العلمى، مضيفا أن الاستثمار فى صناعات التجميع يزيد من المشكلة ولا يحلها وطالب بمنح حوافز قوية للمسستثمرين الأجانب والمصريين وبما أن مصر ليس لديها موارد مالية كافية فيمكن تقديم الأرض بأسعار بسيطة لمشاريع التصنيع وتقديم حوافز ضريبية قوية.
بينما أكد الخبير المالى والاقتصادى عبدالفتاح الجبالى أن التضخم فى مصر له أسباب متعددة وليس نابعا من عجز الموازنة وحده، مشيرا إلى أن تحرير سعر الصرف هو حافز كاف للمصدرين ولا حاجة معه إلى حافز آخر فى المرحلة الحالية.
ومن جانبها، قالت الدكتورة شيرين الشواربى إن حسابات الدعم والاستهلاك فى مصر تحتاج إلى إعادة نظر.
فيما أوضحت الدكتورة عالية المهدى أن الشعب والحكومة يتميزان بالانضباط فى الصين منبهة إلى أنه يوجد هدر كبير للموارد فى مصر.
وناقشت الندوة الكتاب الأخير، للدكتور عثمان محمد عثمان، وزير التخطيط الأسبق، والذى حمل عنوان "تفكيك معضلة التنمية فى مصر.. كيف نصنع التنمية ومن يقودها؟".
وأكد الدكتور عثمان أن كتابه ركز على استخلاص العبر من تجربة مصر والصين فى التنمية، وقال إن البيروقراطية التى تقود التنمية فى مصر منذ عقود تعرقل التغيير ويجب تغييرها لأن استمرارها سيعيد إنتاج نفس المشاكل.
ودعا إلى فتح الباب واسعا أمام القطاع الخاص وإعادة هيكلة الدعم وضبط عجز الموازنة الذى يعتبره المصدر الأساسى للتضخم فى مصر وأشار إلى أن سياسة الإنتاج والاستيراد للاستهلاك لا يمكن أن تستمر.
وأشاد الدكتور حلمى سلام بالجهد الضخم الذى بذله الدكتور عثمان فى كتابه وبحرص معهد التخطيط القومى على أن يكون منبرا فكريا رفيعا مصريا وعربيا.
وفى نهاية المناقشات احتفل الحاضرون بعيد ميلاد الدكتور عثمان محمد عثمان.