نصر أكتوبر.. سقط سهواً من السينما المصرية

نصر أكتوبر.. سقط سهواً من السينما المصريةإسلام على جعفر

الرأى9-10-2023 | 08:14

حينما تستطيع دولة أن تقلب موازين القوى لصالحها، وتسترجع أرضها من قوى غاشمة يساندها الغرب المتقدم بكل قوته، ورغم هذا تحقق مفاجأة مدوية ونصر كبير، فمن المفترض أن يكون هذا مصدر خام للإلهام لعمل مئات الأفلام، لتسجل تلك البطولات الخارقة والمعارك العنيفة تدافع بها عن الحقيقة وتعزز بها الهوية الوطنية وتوثق بها هذا الانتصار.

لكن من الغريب أن السينما المصرية قدمت أقل عدد من الأفلام وأضعفها فنياً عن حرب أكتوبر بالمقارنة بالحروب الأخرى التى خاضتها مصر مع إسرائيل، ففى حرب 1948 قدمت عددا من الأفلام التى واجهت اعتراضات من الحكومات بصور مباشرة وغير مباشرة ولكنها عبرت عن السخط الشعبى لنتيجة الحرب وعن ارتباط مصير مصر بمصير القضية الفلسطينية ومن هذه الأفلام «فتاة من فلسطين» محمود ذوالفقار عام 1948، «نادية» فطين عبدالوهاب عام 1949 «الإيمان» أحمد بدرخان عام 1952 «أرض الأبطال» نيازى مصطفى عام 1953 «الحياة الحب» سيف الدين شوكت 1954 «الله معنا» أحمد بدرخان عام 1955 «وداع فى الفجر» حسن الإمام عام 1956 «أرض السلام» كمال الشيخ عام 1957 «نهر الحب» عزالدين ذوالفقار عام 1960 «صراع الجبابرة» زهير بكير عام 1961 «طريق الأبطال» محمود إسماعيل عام 1961 «من أحب» ماجدة عام 1965 «الأقدار الدامية» خيرى بشارة 1982 «يا مهلبية يا» شريف عرفة عام 1991 «امرأة هزت عرش مصر» نادر جلال عام 1995.

وعرض فيلم شياطين الجو عام 1956 متناولا العمليات القتالية المتفرقة بين الجيش المصرى والجيش الإسرائيلى خلال تلك الفترة.

وفى العدوان الثلاثى عام 1956 ومع تأجج المشاعر الوطنية عرضت أفلام «بورسعيد» عز الدين ذو الفقار عام 1957 «سجين أبوزعبل» نيازى مصطفى عام 1957 «حب من نار» حسن الإمام عام 1958 «سمراء النيل» نيازى مصطفى عام 1959 «نور الليل» ريمون منصور عام 1959 «عمالقة البحار» سيد بدير عام 1960 «لا تطفئ الشمس» صلاح أبوسيف عام 1961 «غدا يوم آخر» ألبير نجيب عام 1961 «الباب المفتوح» هنرى بركات عام 1963 «نادية» أحمد بدرخان عام 1969 «ليلة القبض على فاطمة» هنرى بركات «ناصر 56» محمد فاضل 1996.

ولم تتجاوز أو تتغافل السينما عن هزيمة 1967 وقدمت عدة أفلام ركزت فى معظمها على تأثير الهزيمة على المجتمع ولكن كان أبرز فيلمين أكدوا على روح الصمود وعدم الاستسلام «أغنية على الممر» على عبدالخالق عام 1972 و«العصفور» يوسف شاهين عام 1974 ومن الأفلام الأخرى «ثرثرة فوق النيل» حسين كمال عام 1971 «الخوف» سعيد مرزوق عام 1972 «الظلال فى الجانب الآخر» غالب شعث عام 1975 «الحب تحت المطر» حسين كمال عام 1975 «زائر الفجر» ممدوح شكرى عام 1975 «عودة الابن الضال» يوسف شاهين عام 1976 «التلاقى» صبحى شفيق عام 1977 «إحنا بتوع الأتوبيس» حسين كمال عام 1978 «وراء الشمس» محمد راضى عام 1978 «العرافة» عاطف سالم عام 1981 «وضاع حبى هناك» على عبدالخالق عام 1982 «ملف سامية شعراوى» نادر جلال عام 1988 «أحلام صغيرة» خالد الحجر عام 1993 «الشطار» نادر جلال عام 1993 «جمال عبدالناصر» أنور قوادرى عام 1999 «الشرف» محمد شعبان عام 2000 «يوم الكرامة» على عبدالخالق عام 2004.

وخاضت القوات المسلحة أطول حروبها زمنيا والتى استمرت حوالى عامين من 1968 وحتى 1970 وهى حرب الاستنزاف والتى أصبحت قاسما مشتركا فى الأفلام التى تتناول هزيمة 1967 والأفلام التى تتناول نصر أكتوبر ولعل هذه الحرب كانت أكبر تأثيرا على المجتمع بسبب غارات العدو على المدن ولطول مدتها وقد تعرضت السينما لتلك الحرب فى أفلام «أبناء الصمت» محمد راضى 1974 «الطريق إلى إيلات» أنعام محمد على 1993 «الممر» شريف عرفة 2019.
المعارك الحربية فى أفلام حرب أكتوبر.

ولن أتعرض بصورة كبيرة للجوانب الفنية لتلك الأفلام ولكن سنركز فى حديثنا عن المعارك الحربية فى تلك الأفلام وكيفية تنفيذها فمن المفروض أنها السمة الرئيسية لذلك النوع من الأفلام ففى العام التالى للحرب وفى شهر أكتوبر 1974عرضت ثلاثة أفلام بطلها ممثل واحد «محمود ياسين» هى:
«الرصاصة لا تزال فى جيبى» لحسام الدين مصطفى عن قصة إحسان عبدالقدوس التى نشرها فى أخبار اليوم بعد النكسة باسم «رصاصة واحدة فى جيبى» ثم بعد حرب أكتوبر أكمل القصة فى نفس الجريدة باسم «الرصاصة لا تزال فى جيبى» وقد اتخذت شكل رسالة يرسلها الجندى محمد لصديقه يروى فيها الأحداث من النكسه إلى النصر.

وقد تميز هذا الفيلم بعدة أشياء وضعته على قمة الأفلام الحربية المصرية فى كل الحروب أهمها على الإطلاق هو تكنيك تصوير ومونتاج المعارك والذى قام به الإيطاليان ماريو مافى خبير المعارك وكلاوديو كوتيفى خبير المؤثرات الصوتية. وقد بلغ زمن المعارك نصف زمن الفيلم تقريبا. وبدأت بعملية إغارة ليلية خلال حرب الاستنزاف لمدة ثلاث دقائق وهى إبرار قوات بالمروحية على الضفة الشرقية للقناة وتدمير مستودع وقود وذخيرة للعدو وتميزت تلك المعركة بروعة الإضاءة التى جاءت طبيعية ومطابقة للواقع ومعتمدة على مصادر الإضاءة الموجودة فى الواقع مثل أضواء الطائرة وإضاءة المعسكر فلا نستطيع أن نقول كما يحدث فى بقية الأفلام من أين يأتى هذا النور فى الصحراء؟ وبلغت معارك حرب أكتوبر وحدها أربعين دقيقة كان أروعها معركة القنطرة شرق، حيث إن قتال المدن يكون أكثر إثارة للمشاهد من قتال الجبهة لما تشكله المبانى والمنشآت من حواجز يتم القتال حولها ومن خلالها فتخدم طبيعة أفلام الحركة ومن خلال القتال المتلاحم والذى يعتمد على جندى المشاة والذى تفتقده ساحات القتال فى الصحراء والذى يعتمد على المدفعية والطيران. ومن أسباب هذا النجاح أيضا الاهتمام بالتفاصيل الدقيقة فى كل شىء وحتى فى اختيار الجنود الذين يقومون بالقتال فقد كانوا متناسقين بدنيا ومدربين جيدا وانخرط الممثلون ضمن صفوفوهم حتى أننا اصبحنا لا نميز بينهم. كذلك استخدام السلاح وحجم تأثيره والاختلاف بين صوت كل سلاح والآخر والأفضل فى هذه المعارك هو الاستخدام الصحيح لسلاح الجانب الإسرائيلى بأسلحته الغربية ومنطقية سقوط القتلى من كلا الجانبين فى المعركة. وكذلك معركة الدبابات والتى جرت يوم الإثنين 8 أكتوبر وأسر العقيد عساف ياجورى والذى قام بدوره محيى إسماعيل دون الإشارة لاسمه وكانت كل عمليات الفيلم فى نطاق الجيش الثانى الميداني. كما كان أهم ما يميز الفيلم أيضا موسيقى عمر خورشيد والتى حفرت فى ذاكرة الأجيال لأنها أصبحت مرتبطة بنصر أكتوبر.

«بدور» قصة وسيناريو وحوار وإخراج نادر جلال وجاءت معارك حرب أكتوبر فى نهاية الفيلم منقسمة بين دقيقة و25 ثانية لقطات أرشيفية للحرب ومعركة اقتحام نقطة حصينة فى خط بارليف استمرت دقيقتين و40 ثانية والمعركة الثانية تعامل أفراد المشاة مع دباباتين للعدو استغرقت دقيقة و40 ثانية وقد اختار المخرج التركيز على البطل فقط حتى يتجنب تصوير معارك بنطاق كبير فتناول الحرب فى مشهدين فقط أعطى فيهما البطل الفضل فى تحقيق الانتصار ولكن يأخذ على تلك المعارك السذاجة الشديدة فى تنفيذها وبعدها تماما عن الواقع حتى أن صابر «محمود ياسين» يدمر دبابة شرقى تى 55 على أنها إحدى دبابات العدو ومن الغريب أن جسم الدبابة لم يحدث له شيء واشتعلت النار بجوارها والمفروض أن المشاهد يقنع نفسه بتدميرها. ونجد أحد المقاتلين يرتدى رتبة ضابط مع أن فى الحرب لا يسمح بارتداء الرتب حتى لا يكون هدفا للقناصة والجندى المصاب فى قدمه لا توجد به أى آثار دماء. وفى الفيلم الذى بلغ مدته حوالى ساعتين عرضت فيه معارك مصورة مدتها حوالى خمس دقائق فقط. وكانت كل عمليات الفيلم فى نطاق الجيش الثالث الميدانى ويتضح هذا من الخوزة التى يرتديها الجنود.

«الوفاء العظيم» لحلمى رفلة وسيناريو وحوار فيصل ندا ومقتبس من فيلم خلود ١٩٤٨ بطولة عز الدين ذو الفقار وفاتن حمامة وكمال الشناوى، وهو مقتبس من الفيلم الأمريكى Smilin’ Through عام 1941 بطولة جانيت ماكدونالد، بريان أهيرنى وجين رايموند، والذى سبق إنتاجه عام ١٩٣٢ تحت نفس الاسم، بطولة نورما شيرر، فريدريك مارش وليزلى هوارد.

وقد اختص الفيلم قوات الصاعقة بالتناول من خلال عرض تعايش البطلين قائد الكتيبة «محمود ياسين» والضابط الجديد «سمير صبرى» فى مدرسة الصاعقة بأنشاص فنرى التدريبات المعتادة لقوات الصاعقة مثل الزحف تحت النيران وقفزة الثقة بالهرنس ومن البرج واستخدام السلم الحبل وقد استمرت تلك الفترة حوالى 11 دقيقه ثم لقطات أرشيفية للحرب على أغنية بلادى لمدة دقيقة ونصف. وعرض الفيلم لدور قوات الصاعقة فى إيقاف تقدم القوات الإسرائيلية غرب القناة فى اتجاه الإسماعيلية أثناء عملية الثغرة وذلك بتدمير كوبرى لمنع تقدم دبابات العدو وتظهر سذاجة العملية من بدايتها فهى تتم فى أرض زراعية والقوات ترتدى الأفرول الصحراوى الأصفر للتمويه مما يفقد غرضه الأساسى وهو تحقيق الإخفاء والتمويه فكان يجب ارتداء الأفرول الزراعى الأخضر للتمويه. ثم إن عمليات الصاعقة يجب أن تتم فى جنح الظلام حتى لا يتم كشفها وتتحقق المفاجأة وليس نهارا كما جاء بالفيلم وأعتقد أن اختيار المخرج للنهار راجع لصعوبة التصوير الليلى لمساحات كبيرة أو لتكلفته المرتفعة. والعملية تتم بالهجوم من البر والمياه أسفل الجسر المراد تفجيره ونرى المهاجمين من المياه يرتدون سترات نجاه ترفعهم عن المياه وذلك يتعدى السذاجة إلى العبث فهم يظهرون بوضوح لحراس الجسر فكيف لا يرونهم كذلك يعطى لنا مفهوما واحدا وهو أن جنود الصاعقة لا يستطيعون السباحة ويخشون الغرق وهم فى مشهد التدريبات كانوا يقفزون فى المياه من ارتفاع شاهق. ثم يحدث تفجير الجسر بصورة مضحكة لا نرى فيها أى جسر بل ماكيت يختفى فى الدخان ثم يبدأ التعامل مع العربات النصف جنزير والغريب أن بعض إصابتها بالـ «آر بى جى» لا تنفجر بل دخان فقط ولا يقفز جنود العدو من العربات رغم انفجار الجسر. ونجد تقدم قوات الصاعقة فى مجاميع وهو عكس الواقع الذى يحتم الانتشار حتى لا تحدث خسائر عند تصويب النار عليهم. واستمرت تلك العملية حوالى 6 دقائق من مدة الفيلم التى بلغت ساعة و52 دقيقة.

ثم فى العام التالى فى أكتوبر 1975 تم عرض فيلم «حتى آخر العمر» لـ «أشرف فهمى» وعن قصة قصيرة لنينا رحبانى أعدها للسينما وكتب لها السيناريو والحوار يوسف السباعى وتناول الفيلم موضوع مصابى العمليات الحربية وصعوبة تعايشهم مع الإصابة وقد اختار الفيلم القوات الجوية والتركيز على دورها فى الحرب. ويبدأ الفيلم قبل التتر بمشهد غريب غير مفهوم على الإطلاق بهبوط طائرة مروحية ناقلة جنود ومقاتلة من نوع مى 8 فى أرض المطار فى الفجر قادمة من مهمة قتالية فى حرب الاستنزاف وينزل الجنود منها ونجد صفارات المطافئ والإسعاف واستخدام خراطيم المياه ولكننا لا نرى أى حريق بالطائرة أو أى جندى مصاب رغم حديث قائد الطائرة النقيب أحمد «محمود عبدالعزيز» عن المصابين فى العملية. واختيار الطائرة المروحية بدل الطائرة المقاتلة اختيار موفق من المؤلف والمخرج لسهولة التصوير داخلها لاتساع المساحة وسهولة الحركة ولكن المقاتلة تحتاج تجهيزات حديثة جدا وإمكانيات كبيرة للتصوير. ثم نجد مشهدا مدته ثلاث دقائق و20 ثانية عن رجوع أحمد بطائرته بعد عملية فى شرق القناه لا نعرف عنها شيئا ويتلقى استغاثة من طائرة من نفس سربه أصيبت فيهبط ليقل طاقمها وأثناء هبوطه نرى قصفا مدفعيا من مدفع هاوتزر من مدافع العدو محاولا إصابته ولكن عملية الإنقاذ تتم بنجاح ويلوم زملاء أحمد على تهوره ولا نعلم أو نرى أو نفهم ماذا قام به من تهور. ومن غير المنطقى عبور مروحيات للضفة الغربية نهارا لأنها ستكون أهدافا سهلة جدا للعدو ثم إذا كان أسقط العدو طائرة من طائرتنا فكان سيدفع قوات جوية لاستكمال تدميرها ولن يستخدم المدفعية لأنه لا يرى الهدف وإذا كان يراه فإنه سيدفع قوات مشاة لأسر طاقم الطائرة. ثم تأتى معارك حرب أكتوبر بلقطات أرشيفية لمدة 6 دقائق ثم مشاهد عملية إبرار للقوات خلف خطوط العدو بالمروحيات المى 8 والتى يقودها بطل الفيلم بصورة مفصلة أشبه بالتسجيلية تستمر لمدة حوالى 7 دقائق من لحظة تحميل القوات فى المطار وحتى إبرارهم ونجد القوات ترتدى الأفرول الزراعى الأخضر مع إن إبرارهم فى الصحراء حيث تجرى المعارك فى سيناء فكان يجب أن يرتدوا الأفرول الأصفر. وأثناء عودة النقيب أحمد ضمن السرب يتلقى أوامر بالاشتباك مع مجنزرات للعدو وبعد تبادل لإطلاق النار يقوم مدفع مضاد للطائرات بإسقاط طائرته ويصاب. ولكن نرى فى هذه المعركة استخفافا آخر بعقلية المشاهد، فالمدفع الذى أسقط الطائرة هو zsu-57-2 وهو مدفع شرقى لم يكن ضمن تسليح الجيش الإسرائيلى ولكن ضمن تسليح الجيش المصرى قوات الدفاع الجوى وهى سقطة كبيرة فى الفيلم. ثم تعود اللقطات الأرشيفية للحرب بعد ذلك لمدة نصف دقيقة وهى نفس اللقطات من فيلم «رصاصة لاتزال فى جيبى».
وبعد الحرب بخمس سنوات عرض فيلم «العمر لحظة» لمحمد راضى وعن قصة ليوسف السباعى وكان من المفروض أن يستفيد من أخطاء الأفلام السابقة وأن تسمح له الفرصة بعد فك الاشتباك وهدوء الموقف على الجبهة أن تخرج المعارك بصورة أفضل من الأفلام السابقة، خاصة أن تكلفة إنتاج الفيلم بلغت 650 ألف جنيه، وهو مبلغٌ ضخمٌ جدًا آنذاك ولكن يبدأ الفيلم بمعركة شدوان وهى التى انتهت بها الرواية التى كتبت قبل الحرب ولكن الفيلم أراد أن يتناول حرب اكتوبر فبدأت أحداثه من موقعة شدوان قبل التتر والتى استمرت حوالى دقيقتين وهنا نرى تبادلا لإطلاق النار بين الفريقين على مسافة أمتار وتمركز غريب للقوتين وكأنه شجار فى أحد الشوارع والمفروض أن تكون هناك مسافات تصل على الأقل عشرة أمتار بين كل مقاتل وآخر حتى لا تسهل مهمة الجانب الآخر فى تحقيق إصابات ثم نرى فى تلك المشاهد سقوط بعض المصابين والقتلى دون أن نرى قطرة دم واحدة. والغريب أيضا أن أحداث موقعة شدوان مختلفة عما جاء فى الفيلم فقد كانت بها سرية صاعقة ونجد بطل الفيلم برتبة مقدم والمفروض أن يكون نقيب هذا بالإضافة إلى أن كان للنشات البحرية الدور الأكبر فى تحركها من قاعدة الغردقة لإنقاذ الجزيرة. ومن المفروض أن المعركة فى جزيرة شدوان من أهم معالمها البحر والفنار والمراكب إلا أننا نشاهد المعركة فى الصحراء والتى من الممكن أن تكون فى أى مكان.
حينما تذهب نعمت «ماجدة» إلى السويس لتغطية أخبار الحرب، وتحدث غارة تنزل إلى المخبأ مع عدد كبير من أهالى المدينة من النساء والأطفال، وهو شىء غير منطقى، فقد تم تهجير أهالى مدن القناة بعد حرب 1967 ولم يتبق فى المدينة سوى الرجال العاملين فى المنشآت الحكومية أو بعض الأعمال الخاصة. ثم يحدث قذف جوى آخر وهى مع المقدم محمود «محمد خيرى» ونجد اختلافا كبيرا فى اللون بين لقطات الطائرات ولقطات باقى الفيلم فهى لقطات أرشيفية أضعفت الأحداث بشدة. ونرى القائد يستقبل نعمت فى مكتبه وخلفه خرائط العمليات وهو أمر غير منطقى حفاظاً على السرية. وفى الفيلم نشاهد القائد يضع خطة الهجوم على موقع حصين على بعد 20 كم فى عمق العدو ولكن ما يصدمنا هنا هو استخدام القوات القوارب للعبور، فهل يعقل أنه بعد عبورهم سيسيرون على أقدامهم 20 كم ثم يعودون نفس المسافة بعد العملية دون أن يتنبه العدو فأى عمليات فى هذا العمق تحتاج الى إبرار للقوات أو إسقاط مظلى، ثم نجد القائد و(نعمت) فى الخندق يترقبون وصول القوات ويستمعون أصوات الطلقات داخل الخندق مما يعنى أن العملية قريبة منهم جداً على خط بارليف وليست على بعد 20 كم. وفى تلك العملية التى تستمر على الشاشة لمدة 5 دقائق ونصف الدقيقة نشعر بعدم الواقعية فى الاشتباكات بين الجانبين والقتال المتلاحم فهناك بطء وضعف فى الأداء وعدم إدراك لطبيعة القتال الحقيقى.
وفى معركة العبور التى استمرت حوالى 7 دقائق يحاول المخرج أن يمزج لقطات مصورة لأبطال الفيلم مع لقطات أرشيفية للحرب لكن اختلاف الألوان بين الاثنين يخرج المشاهد من الموضوع.
فيلم «أسود سيناء» قصة وسيناريو وحوار وإخراج فريد فتح الله عام 1984 فى أول 11 دقيقة فى الفيلم نرى تدريبات لقوات المشاة داخل وحدة عسكرية خلال حرب الاستنزاف وتتمحور الأحداث حول ضابط الصف فهد «شكرى سرحان» والذى يريد أن ينقل للجبهة ليحارب وابنه النقيب منصور «منصور خاكى» (ممثل إيرانى) معه فى نفس الوحدة ولكن يغلب على الحوار الخطابة والمباشرة فيبتعد عن الدراما ويتحول السيناريو لخطاب طويل عن الوطنية واسترجاع الأرض وهناك دوبلاج باللغة العربية لصوت الممثل الإيرانى يقضى تماما على روح الفيلم. ويذهب فهد متخفيا فى زى بدو سيناء لإحدى الواحات ليجمع معلومات ولم نفهم ما هو سلاحه الرئيسى هل هو جاسوس أم مقاتل؟ ثم نفاجئ بمنصور يقوم بعملية قتالية فى سيناء فى صورة أقرب للكوميديا منها للدراما ونرى فهد بالزى العسكرى مرة أخرى ضمن العملية دون أن نعرف كيف عبروا القناة أو كيف سيرجعون ثم نرى هجوما من البدو على نقطة حصينة إسرائيلة انتقاما لقتلهم طفلا ساعد فهد ويستمر هذا الفيلم المتقطع الأوصال فى أحداثه الخيالية حينما يكتب فهد خطابا لزوجته وتقرأه ولا نعرف كيف يصل الخطاب وهو فى الضفة الشرقية فى عملية قتالية ثم يدخل منصور وفهد الواحة فى مظاهرة مع الجنود بعد تدمير الموقع الإسرائيلى وهتاف الله أكبر ويقتلوا جنديا إسرائيليا يحاول أن يغتصب امرأة بدوية ثم يبدأون فى مطاردة القائد الإسرائيلى وكأن الضفة الشرقية تحت سيطرة الجيش المصرى دون أى رد فعل إسرائيلى ثم فى مشهد عبثى يقيم أهل الواحة حفلة راقصة للقوات المصرية تحاول فيه ريم «رغدة» وهى فتاة بدوية إغراء منصور وهو يرفض ونجد بعد ذلك منصور فى مركز القيادة فى مصر دون أن نعرف كيف وصل هناك ثم يرجع لقواته التى تركها محتلة الواحة ويقوم القائد الإسرائيلى بأسر فهد ويحاصره منصور ويهدده بقتل فهد إن هاجمه ولكن منصور يهاجم الموقع ويموت والده فهد ثم نشاهد قيام حرب أكتوبر فى لقطات أرشيفية ومتداخل معها لقطات من الفيلم ونظل فى حالة حيرة وعدم فهم هذه المعارك الكاريكاتورية كيف حدثت بهذا الأسلوب المضحك قبل الحرب على الضفة الشرقية وينال هذا الفيلم جائزة أضعف أفلام حرب أكتوبر على الإطلاق.
ثم يأتى فيلم «حكايات الغريب» لأنعام محمد على عام 1992 ليشير إلى أن البطل والجندى المجهول فى النصر هو كل مصرى حارب وشارك فى الحرب من خلال قصة الفيلم التى تدور أغلب أحداثها فى السويس التى اختفى فيها البطل أى كان اسمه دون أن نرى أى معارك للحرب . ويحذو حذوه فيلم «أيام السادات» لمحمد خان عام 2001 الذى يتعرض لعملية الإعداد للحرب من موقع القائد الأعلى والذى قام بدوره «أحمد زكى» ونرى لقطات أرشيفية للحرب دون أى تصوير للقطات جديدة.
فيلم «حائط البطولات» لمحمد راضى عام 2014 والذى يختص بقوات الدفاع الجوى ودورها فى حرب أكتوبر وقد قام «محمود ياسين» بدور المشير محمد على فهمى قائد قوات الدفاع الجوي. ونرى فى التتر إشارة إلى أن اللقطات الأرشيفية للحرب فى الفيلم هى من فيلم «أبناء الصمت» لنفس المخرج ويتميز هذا الفيلم عن سابقيه أنه تناول طوال الفيلم الجانب الإسرائيلى خلال الأحداث من حرب 1967 وحتى حرب أكتوبر متمثل فى رئيسة الوزراء ووزير الدفاع وقيادات الجيش. وفى المشهد الأول للفيلم واحتفال الجانب الإسرائيلى بنصر 1967 نجد جولدا مائير على رأس مائدة القيادة فى حين أنها تولت رئاسة الوزراء فى 1969. وقد تناول الفيلم حربى الاستنزاف وأكتوبر فى كلا الجانبين على مستوين، مستوى القيادة ومستوى الكتيبة المقاتلة ويتعرض لعملية بناء حائط الصواريخ ولكننا نرى فى المعركة الأولى والتى استمرت حوالى دقيقتين ونصف بين المضادات الأرضية المصرية والطائرات الإسرائيلية تداخل بين الصور الأرشيفية للحرب ولقطات مصورة منفردة لتلك المضادات ولقطات منفردة للممثلين بعيدا عن المضادات ويظهر اختلاف الألوان بين كلاهما بالإضافة إلى أن تأثير قصف الطائرات ضعيف جدا مما أفقد المشهد الواقعية تماما. وجاءت لغة الحوار بين القيادات فى كلا الجانبين متكلفة جدا وأبعد ما تكون عن الحوار السينمائى فهم يتحدثون بالفصحى وكأنهم يقرأون من كتاب كتب عن الحرب أو تقارير ضمن الأرشيف العسكري. وجاءت المعركة الثانية والتى استمرت لمدة دقيقة بنفس تفاصيل المعركة الأولى وبنفس الضعف. وفى المعركة الثالثة التى استمرت حوالى 10 دقائق والمعركة الرابعة التى استمرت 5 دقائق وتعبران عن نجاح حائط الصواريخ فى صد طائرات العدو تشابهتا مع المعارك السابقة ولكن كانت الإضافة فى استخدام صور أرشيفية لتدمير طائرات لم تكن تمتلكها إسرائيل وفى أماكن مختلفة عن طبيعة منطقة العمليات. ثم تأتى حرب أكتوبر فى الفيلم بلقطات أرشيفية قديمة للحرب لمدة 14 دقيقة قبل نهاية الفيلم.
- ضعف المعارك الحربية سواء من حيث التنفيذ أو الواقعية أو الأدوات المستخدمة لخلق جو المعركة مثل المفرقعات أو الطلقات كذلك عدم تطابق أصواتهم وأشكالهم مع الأسلحة والذخيرة الحقيقية.
- عدم تطابق الأسلحة فى الأفلام مع الأسلحة الحقيقية فى المعارك فخلال الصراع العربى الإسرائيلى اعتمدت إسرائيل على السلاح الغربى فى حين اعتمدت مصر على السلاح الشرقي.
- عدم مراعاة التفاصيل الدقيقة الخاصة بطبيعة المقاتلين فى المعارك فنجد اهتمام الممثلين بصورتهم على الشاشة يجعلهم يظهرون بشعرهم طويل وهو مخالف للتقاليد العسكرية كذلك نجدهم فى أناقة تامة وسط المعركة ويرتدون ملابس مخالفة لملابس المقاتلين والتى من المفروض أن يرتدوها طبقا لطبيعة كل مكان.
- الاعتماد فى الأفلام على شهرة البطل دون الأخذ فى الاعتبار ما إذا كان مناسبا للدور عمرياً وبدنياً.
- تحول الحوار فى تلك الأفلام إلى خطاب يوجهه الممثل للجمهور بصورة مباشرة عن الوطنية بعيدا عن الأسلوب الدرامى.
- معظم هذه الأفلام لم تكن عن الحرب بل قصص أضيف لها الحرب وتم إنتاجها بسبب ذكرى الحرب ولم تكن الحرب موضعها الرئيسي.
- استخدام كل الأفلام لمادة فيلمية أرشيفية واحدة عن الحرب فجعلها كلها متشابهة وأفقدها تميزها.
ويرجع هذا الضعف إلى عدة عوامل منها:
- إنتاج الأفلام الحربية يحتاج إلى إمكانيات كبيرة مما يجعل المنتجين يترددون فى إنتاجها.
- عدم وجود خبرات بين العاملين فى السينما المصرية فى تنفيذ المعارك الحربية.
- الاعتماد على مادة أرشيفية صورت بعد الحرب فلم يصل إحساس المعركة بصورة واقعية إلى مخرجى الأفلام.
- قله عدد الأفلام يرجع لمعاهدة السلام مع إسرائيل فلم يكن هناك الاهتمام الكافى لعملها ولكن كسرت هذه الحالة بعد فيلم الممر.
- منعت هذه الأفلام من التوزيع فى البلاد العربية بعد معاهدة السلام فخسر المنتجون خسارة كبيرة أحجمتهم عن تكرار التجربة مثل فيلم العمر لحظة.
- تدخل السياسة فى توجيه الحقائق داخل السيناريو فهناك من يرجع الفضل فى النصر لجمال عبدالناصر وآخر يرجع الفضل فى النصر للسادات.
ويظهر تراجع التجربة المصرية فى سينما أكتوبر رغم عظمة الانتصار بالمقارنة مع التجربة الأمريكية فى الحروب التى خاضتها ورغم اعتماد الولايات المتحدة على التكنولوجيا المتطورة لأسلحتها فى الحروب فهى حروب من جانب واحد النصر فيها مضمون نجد مئات الأفلام تمجد فى المقاتل الأمريكى فى حين أن حرب أكتوبر التى حوت مئات البطولات والأبطال سقطت سهوا من ذاكرة السينما.

أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2