"البطة الصفرا".. ثرثرة وكليشيهات وحلقات مفقودة

"البطة الصفرا".. ثرثرة وكليشيهات وحلقات مفقودةمحمود عبدالشكور

الرأى14-10-2023 | 11:19

محمد عبدالرحمن أحد أفضل المواهب الحقيقية التى قدمها أشرف عبد الباقى من خلال تجربة مسرح مصر، وبالإضافة إلى قدراته الكوميدية المعروفة، فإنه ممثل جيد، يمكنه أن يقدم أدوارا جادة، وقد أراد أن يحقق ذلك فى فيلمه "البطة الصفرا"، من تأليف محمود عزت، وإخراج عصام نصار، وهى مغامرة لابد من تقديرها، فى ظل سيادة منطق اللعب فى المضمون، والبقاء فى المنطقة الآمنة، على الأقل فى مرحلة بدايات الممثل، بل إن هناك نجوما لهم سنوات طويلة فى السينما، لا يقدمون إلا ما يتوقعه الجمهور منهم، وبأكثر الطرق التقليدية، ضمانا للنجاح وللاستمرار.

من حق عبد الرحمن أن نشيد برغبته فى تقديم وجه آخر من وجوه موهبته، ولكن من حقه علينا، ومن حق الجمهور، أن نقول إن "البطة الصفرا" فيه الكثير من مشكلات الكتابة، ومن الحلقات الكثيرة المفقودة، التى جعلت الحكاية مفتعلة، وحافلة بالمشاهد الحوارية الطويلة، وبالتحولات الغريبة، كما أنها تجربة حافلة بالكليشيهات والتنميط، خصوصا فيما يتعلق بفريق العصابة التى تخدع أستاذ الجامعة، أى أن التجربة التى أرادت أن تكون مختلفة، سقطت من جديد فى النمطية، فافتقدنا الخيال، مثلما افتقد الجمهور الجانب الكوميدى الذى اشتهر به عبدالرحمن، مع أن المعالجة كان يمكن أن تحتمل الجمع بين الجدية والمواقف الكوميدية الخفيفة، ولذلك جاء الفيلم فاترا، رغم أهمية الفكرة التى يطرحها.
يعالج الفيلم عالمين: عالم مثالى يعيش فيه وفيق مدرس الجامعة (محمد عبد الرحمن)، الذى يدرس علم النفس، ويرفض الدروس الخصوصية، والذى يبدو مسالما، ورافضا لاستخدام العنف، ويفتقد فى نفس الوقت التواصل مع خطيبته الطبيبة رانيا (فرح الزاهد)، وبين عالم واقعى تعيشه ثلاث شخصيات من المسجلين فى سجلات الجرائم الخطرة ، تمثلها رشا (غادة عادل)، التى احترفت سرقة الصيدليات، وابن خالتها خالد الذى يشترك معها فى السرقات ( محمود حافظ)، وزميلهما حمادة ( إبرام سمير فى دور هامشي)، والذى يسرق المارة أيضا، ولكن على الطريق الدائري.
ماذا يحدث عندما يصطدم عالم هذا الرجل المثالى والأخلاقى بعالم هؤلاء الخارجين عن القانون، وذلك بعد أن يكلف أستاذ الجامعة وفيق باستكمال رسالة الدكتوراة عن الشخصيات الإجرامية، فيختار له صديقه ضابط البوليس هذه النماذج لفحص أحوالها؟
تذكرنا هذه الفكرة بتيمات أفلام ومسرحيات عالمية ومصرية، ومحورها دائما مدى التأثير المتبادل، ومن الذى يمكنه أن يغير الآخر، مع ما نتوقعه من حكاية حب مثلا بين الرجل المثالى والفتاة المنحرفة، ولا يخيب "البطة الصفرا" الظن فى هذا الإطار، ولكنه يقدم ما نتوقعه بكثير من السطحية، والثرثرة، والتكرار، وبصورة مفتعلة لكليشيهات العصابات والخارجين عن القانون، مع تحويل مثالية وفيق إلى حالة أقرب للعبط والبلاهة، إلى درجة استغلال العصابة له بأن يكون ستارا للترويج للمخدرات داخل لعبة البطة الصفراء، بينما يظن هو أنه سيشارك معهم فى الترويج لشركة تقوم بالشحن.
أنت تعرف أن رشا فتاة العصابة ستحب وفيق أستاذ الجامعة، ورغم ذلك لن تتوقف عن تهريب المخدرات، وتعلم أن رجل العصابات الأكبر سيطارد عصابة الثلاثة لأنهم ينافسونه، وهذا ما سيحدث بالضبط، مع ظهور خاص لصلاح عبد الله فى دور راتب الرجل الكبير، ومع تورط وفيق فى اللعبة، واكتشاف غفلته، يبدأ فى التحول عن سلوكه المثالي، بل ويبدو ذكيا فى اللعب مع الرجل الكبير، وهو أمر عجيب يناقض غفلة رجل لا علاقة له بالواقع، وهكذا يحدث تحول غير منطقى فى شخصيته، يقوده إلى إدارة معركة، يخرج فيها منتصرا، بل ويوقع بعصابة المخدرات، بينما يفترض أن تتعثر الشخصية فى مواجهة واقعها الجديد، مثلما تعثرت مثلا علاقة وفيق بخطيبته رانيا، والتى انتهت إلى الانفصال.
لم يكن مقنعا أيضا أن يتأرجح موقف فتاة العصابة بين حبها لأستاذ الجامعة، ومواصلتها لعبة الشركة لترويج المخدرات فى البطة الصفراء، ولا مجال لتبرير ذلك بأن الأستاذ لن يشارك مباشرة فى الترويج، لأنه أصبح من شركاء العصابة، وسيقبض البوليس على الجميع، وهذا ما حدث بالفعل.
هذه الخفة فى بناء العلاقات والدوافع، وتلك الثرثرة الحوارية الطويلة، وسذاجة فكرة البطة الصفراء المحشوة بالمخدرات، وسذاجة ضابط البوليس، الذى يعرف المسجلين خطر جيدا، ولكنه لا يعرف شيئا عن ترويجهم للمخدرات، وتكرار التأكيد على انعدام التواصل بين وفيق وخطيبته الطبيبة، مع أن مشهدا واحدا يكفى لكى نعرف ذلك، وكليشيهات عصابات السينما ومطارداتها، وفشل غادة عادل فى الإقناع بدورها كفتاة شعبية تروج للمخدرات، كل ذلك كان من أسباب الفتور الذى شعر به الجمهور أثناء المشاهدة، فكأنه يشاهد فيلما شاهده من قبل، وهذا من أخطر وأسوأ ما يمكن أن يحدث لفيلم سينمائي.
خرجت حزينا من الفيلم، لأن صناعه كانوا جادين فى عمل فيلم مختلف، ولأننى أحبه محمد عبد الرحمن، وأقدر موهبته، وأقدر أكثر مغامرته فى التغيير والإختلاف، ولأن المخرج عصام نصار حاول أن يكسر هذا "اللت والعجن" بتقطيع المشاهد، وببعض جماليات الصورة والإضاءة، وباختيار مواقع تصوير جيدة، ولكن إيقاع الفيلم يتحدد كما يعرف نصار من السيناريو، وليس لدى الكتابة الكثير مما يساعد على تقديم عمل سينمائى جيد.
اجتهد عبد الرحمن فى أداء الكثير من المشاهد، ويحسب له، بتوجيه المخرج بالتأكيد، عدم المبالغة، وعدم الخروج عن الشخصية بإفيهات وحركات لا علاقة لها بشيء، ولكن هذا الالتزام نفسه أوقع الأداء فى بعض الرتابة، فلما حدث التحول الصارم والقوى فى الشخصية، عندما اكتشفت خداع الآخرين لها، بدا الأمر مفتعلا ومفاجئا، لأن من ينفتح على العالم الواقعي، ويسقط فى ورطة، يبدو مضطربا وحائرا ومشوشا، بعكس ما رأينا من سلوك وفيق.
فإذا أضفت إلى ذلك سذاجة تحويل علاقة وفيق بالعصابة إلى دراسة علمية من أى نوع، ناهيك عن أن يحصل بها على درجة الدكتوراة، وإذا أضفت مشاهد "ضد الذروة" الكثيرة، بعد أن انتهت الحكاية، فإن "البطة الصفرا" دليل جديد على أن الأفلام الجيدة لا تتحقق بالرغبة فى التغيير، ولكن بإتقان عناصر الفيلم كلها، وبالأساس عنصر الكتابة.
لا أعرف حقا ماذا كتب وفيق فى رسالة الدكتوراة عن الشخصية الإجرامية؟ أتحدى أن يكون قد كتب شيئا مفيدا، لأن فهمه للبطة الصفرا أكثر وأعمق بالتأكيد، من فهمه لشخصيات هذه العصابة العجيبة!

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2