فى دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.. المرأة عدوة نفسها

فى دراسة للمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.. المرأة عدوة نفسهاالمركز القومي

حوارات وتحقيقات17-10-2023 | 15:47

تتحكم الأطر الثقافية فى تحقيق أهداف استراتيجيات التنمية وجهود الدفع بالمجتمع فى طريق التحديث والمعاصرة، وعبر السنوات يتغير واقع المرأة فى المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومن المفترض أن يصحب هذا التغيير تغيير آخر فى الصورة الذهنية عن المرأة، يتناول هذا التغيير الفكر ومنظومة التصورات والعلاقات حول سماتها وقدراتها، وما تصلح له أو لا تصلح له من أدوار، ومشاركتها بصورة عامة فى مواقع وعمليات صنع القرار سواء كان ذلك فى داخل الأسرة أو فى المجتمع، وعن هذه الصورة وأبعادها وانعكاساتها ينصب اهتمام هذا البحث والذى صدر مؤخرا عن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، على شكل دراسة تحت عنوان « الصورة الذهنية عن المرأة المصرية»، تجيب فيه عن سؤال هل المرأة أسيرة صور سلبية عن ذاتها؟!

الدراسة تتكون من ثمانية فصول تتضمن مناقشة نظرية حول مفهوم صورة المرأة وأبعاده التحليلية، الصورة النمطية لسمات المرأة وأدوارها، رؤية كل من الرجل و المرأة لقضايا ال زواج والإنجاب، وانعكاسات هذه الصورة على العلاقات الأسرية، ولقد أجرى هذا البحث على عينة قومية قوامها ٣٠٠٠ مفردة نصفها من الذكور والنصف الآخر من الإناث.

وتوضح نتائج الدراسة أن ثمة تغير وأيا كان حجمه قد بدأ يغير الوزن النسبى للكثير من القوالب النمطية حول سمات المرأة وخصائصها، وإن كان ذلك بنسب أكبر بين النساء عن الرجال، ومن السمات والصفات التى يقرها الرجل بنسب أعلى من المرأة أنها رغاية ونكدية، وتحتاج إلى من يوجهها ويراقب تصرفاتها، وأن يكون هناك دائما رجل مسئول عنها، ومن غير المقبول أن تكون قوية الشخصية، وهذه الصفات رفضتها المرأة بنسب عالية للتأكيد على قدرة المرأة على اتخاذ القرارات المهمة، وأنها تستطيع الدفاع عن نفسها، والمطالبة بحقوقها، ولا تحتاج إلى رجل ليوجهها، وأن نموذج المرأة قوية الشخصية أصبح أكثر قبولا، لكن ما ينبغى التوقف عنده أن هذا التغير مازال محدودا، ومازالت نسب التأييد للقوالب النمطية القديمة تستدعى إعادة النظر فى جدية ما يبذله المجتمع من جهود.

وتشير نتائج جزئية الأدوار إلى ما يعيشه المجتمع من ازدواجية فكرية، فرغم الوجود الواضح الآن لتفضيل ال زواج من امرأة عاملة لاسيما مع ارتفاع نفقات المعيشة، وارتفاع نسبة النساء العائلات لأسر (15% على مستوى الجمهورية ترتفع إلى ٣٠٪ فى بعض الشرائح والفئات)، فإن الرجل لا يزال يرى أن العمل ليس مهما للمرأة كما للرجل وأن مكانها الطبيعى هو البيت، هذه النتيجة تعبر وبوضوح عن أن الحق فى العمل للمرأة كما للرجل لا يزال غير متفق عليه، ، وهذا ما يجعل المناقشات حول أهمية خروج المرأة للعمل وضرورته تستمر هكذا عبر الزمن عند نقطة الصفر، وطالما استمر إقرار هذا الحق دون حسم فسيظل السؤال مطروحا ولن تحكمه القوانين والتشريعات رغم وجودها.

وتوضح الدراسة، أنه ورغم وجود المرأة فى مجالات العمل المختلفة منذ زمن وازدياد نسبة عمل المرأة ومشاركتها فى القوة العاملة لاسيما فى القطاع غير الرسمي، فإن العمل لا يزال هامشيا فى حياتها، كما أنها تطمئن لأدوارها التقليدية، ولم يغير العمل فى علاقة المرأة بذاتها أو يخلق لديها ولدى المجتمع وعياً بأهميته وترك المرأة فريسة لتحمل الأعباء داخل الأسرة وخارجها جعلها تدفع تكلفة العمل منفردة، ولهذا دوره السلبى فى الانسحاب من العمل والبحث عن رجل يكفيها احتياجاتها، ولهذه الأوضاع علاقة بتكريس الصورة النمطية لأدوار الرجل والمرأة.

وتشير النتائج التى تتناول الدوافع على العمل إلى أن أهم دافع للعمل لدى المرأة وبغض النظر عن النوع، وفئات السن، أو مستوى التعليم هو «المشاركة فى الإنفاق على الأسرة».

وتوضح النتائج أن رأى غالبية الذكور وأكثر من نصف عينة الإناث لازالت ترى عدم صلاحية المرأة لأداء العديد من الأعمال كما ترى ذات النسبة العالية السابقة من الذكور أن هناك فرقًا فى مستوى أداء العمل بين الذكور والإناث، وأن المرأة لا يمكن أن تنافس الرجل وتتفوق عليه فى العمل، غير أن موقف النساء بالنسبة لمستوى الأداء والقدرة على المنافسة فقد حصل على نسب عالية من التأييد.

وفيما يتعلق بمجالات العمل التى لا تصلح لها المرأة فهى الأعمال التى تحتاج إلى قوة عضلية والأعمال الخطرة، والمهن الحرفية (البناء والتشييد، والنجارة، والسباكة) مع الأخذ فى الاعتبار وجود فروق واضحة بين الريف والحضر فى نسب الرفض، وبين الذكور والإناث لاسيما فيما يتعلق بمهن القضاء، والأعمال التى تحتاج إلى سفر والتى كانت نسبة الرفض لها بين النساء أقل كثيرا منها بين الرجال، وإن كانت نسب الموافقة عليها تتسم بأنها قليلة سواء بين الرجال أو النساء، ومن اللافت للنظر أن الوظائف السياسية والقيادية لم تعارضها نسب كبيرة، وإن كانت هذه النسب أكبر بين الإناث عنها بين الذكور.

وتعكس النظرة العامة للنتائج أن المرأة تعطى تقييما أفضل لنفسها من تقييم الذكور لها وأن نظرة المتعلمين إلى المرأة أفضل مما هى لدى الأقل تعليمًا، كما أن نظرة الحضريين إلى المرأة أكثر تقدما من نظرة الريفيين لها، غير أن الصورة العامة مازالت تؤكد ارتفاع قيمة الرجل عن قيمة المرأة مع وجود فروق بين الريف والحضر ساعد التعليم بالتأكيد كلا من الرجل و المرأة على دخول سوق العمل.

ورغم وجود تيار مستنير ومتفهم لدور المرأة فى المجتمع وإمكانياتها وما لديها من صلاحيات، فإن وجود التيار -الآخر – وهو الأكبر عددًا والأكثر تمثيلا، يوضح أن القوالب الفكرية الجامدة عن صورة المرأة وإمكانياتها لازالت تحتل مساحة كبيرة فى المجتمع، ويطرح هذا الموقف مشكلة عدم وجود جهد مخطط ورؤية واضحة وبرامج كافية توجه إلى كل شرائح المجتمع وكل المناطق الجغرافية التى تحتاج إلى ثقافة التغيير.

ومن النتائج التى انتهت إليها الدراسة، فى القضايا المتعلقة بالزواج، أن حرية الفتاة فى اختيار شريك الحياة قد بدأت تأخذ طريقها إلى الثقافة المصرية وإن كانت فى حدود ليست كبيرة حيث ترتبط ارتباطا وثيقا بمشاركة الوالدين فى هذا الاختيار.

وعن سن الفتاة عند الزواج، فعلى الرغم من الانحسار النسبى لظاهرة ال زواج المبكر للفتيات فإنه فى كثير من الأحوال يظهر الدور الفاعل للعادات والتقاليد التى تحبذ زواج البنت قبل سن ١٨ سنة وذلك بفعل ارتفاع معدلات الفقر ولا سيما فى الريف، حيث يرحب الوالدان ب زواج البنات فى سن مبكرة تخلصا من عبئهم الاقتصادى على الأسرة وخوفا من شبح العنوسة وذلك فى إطار انخفاض المستوى التعليمى للفتيات وإحجام بعض الشباب من ال زواج نظرا للتكاليف الباهظة لإعداد سكن الزوجية من ناحية وارتفاع معدلات البطالة من الشباب من ناحية أخرى، والذى يترتب عليه عدم قدرة الشباب على مواجهة متطلبات الحياة اليومية للأسرة، مما يجعل العديد من الأسر ترحب بإتمام زواج بناتها إذا ما أتيحت لهن فرصة ال زواج فى سن مبكرة، هذا بالإضافة إلى سيطرة الخطاب الدينى المتشدد الذى يحث على كثرة الإنجاب على أذهان الكثير من البسطاء فى الريف، كما أوضحت النتائج الدور الذى يلعبه المستوى التعليمى فى قضية ال زواج المبكر حيث تنخفض نسبة الموافقة على ال زواج المبكر كلما ارتفع المستوى التعليمي، كما أشارت النتائج أيضا إلى تأثير الفروق الريفية الحضرية معبرة عن انتشار الظاهرة فى الريف بمعدلات تفوق الحضر.

أما عن أهمية ال زواج للمرأة، مازالت النظرة إلى زواج الفتاة باعتباره حماية وسترة لها تحتل مكانة كبيرة فى الفكر المجتمعى وكذلك اعتبار ال زواج هو سنة الحياة ودرءا لنظرة المجتمع السلبية للمرأة غير المتزوجة.

أما عن الحق فى اتخاذ قرار الإنجاب، فلقد أكدت النتائج أن قرار الإنجاب قرار تشاركى وليس قرارًا فرديًا للزوجة أو الزوج لكنه قرارهما معًا لأنهما الأكثر دراية بظروف حياتهما وإن كان هناك ميل لدى بعض الأ زواج فى الاستنثار بالقرار بمفرده بتأثير النزعة الذكورية على الثقافة الإنجابية، كما أن المسئولية عن عدم الإنجاب وإنجاب الإناث مازال تأثير هيمنة قيم القدرية على الثقافة السائدة بشأن عدم الإنجاب دون محاولة البحث عن الأسباب الطبية وراءه وكذلك فيما يتعلق بتحديد المسئول عن إنجاب الإناث دون الوعى بما انتهى إليه الطب فى هذا الصدد.

وعن أهمية إنجاب الذكور والعدد المفضل للأبناء فى الأسرة، فرغم أن الثقافة التقليدية مازالت تحتفظ ببعض الميل إلى تفضيل إنجاب الذكور فإن هذا الاتجاه قد بدأ فى الانحسار النسبى من منطلق رفض التمييز ما بين الذكور والإناث إلا أن العدد المفضل إنجابه من الأبناء بغض النظر عن النوع لا يزال بعيدا عن المستهدف تحقيقه فى الاستراتيجية القومية للسكان بواقع ٢.٤ طفل لكل سيدة فى من الإنجاب، حيث أوضحت النتائج أنه مازال هناك تفضيل لإنجاب ثلاثة أبناء فأكثر مما يعكس عدم تمثل قيمة الأسرة الصغيرة فى ثقافة الأسرة المصرية بعد، مما يتطلب مزيدا من الجهد من مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى للنهوض بأوضاع المرأة والأسرة باعتبارها السبيل لخفض معدلات الإنجاب.

وتجدر الإشارة إلى أنه فى إطار الفروق ما بين الذكور والإناث فيما يتعلق بال زواج والإنجاب فقد أوضحت الدرجة الكلية للمقياس أن تلك الفروق ذات دلالة عند مستوى 0.01 وذلك لصالح الإناث، مما يعنى أن الإناث أكثر ميلا لقبول التغيير فى مجال القيم المرتبطة بال زواج والإنجاب أكثر من الذكور.

وبينت النتائج رؤية النسب الأكبر من المبحوثين؛ ذكورًا وإناثًا، فى الريف والحضر، أن تنشئة الأبناء والقيام عليهم مسئولية يتشارك فيها الزوجان، فلا يجب على الأسرة أن تلقى بهذه المسئولية على عاتق الزوجة بمفردها، لكن رغم ذلك مازالت نسبة تقترب من ربع عينة الدراسة ترى أن مسئوليات رعاية الأبناء تخص الزوجة بمفردها، وفيما يتعلق بمسئوليات الإنفاق على الأسرة، أفاد نحو ثلثى المبحوثين بأن مسئولية القوامة الاقتصادية تقع على الرجل وحده، وهو موقف أجمع عليه الذكور الإناث فى الريف والحضر معا، على اختلاف خصائصهم الديموغرافية، والحقيقة أن هذه النتيجة كاشفة لعدة حقائق أساسية.

أولها استمرار التصورات والقناعات المهيمنة بشأن اعتبار الرجل المتكسب الأساس للدخل بالأسرة، ومنها أيضًا أن هذه المعتقدات إنما تلقى بمسئوليات كبرى على بعض الرجال، بما لا يستطيعون الاستجابة لها ولما تفرضه عليهم من توقعات مجتمعية.

والحقيقة الثانية أن هيمنة القوالب النمطية السلبية حول أدوار النساء ومكانتهن إنما لا تضر النساء فقط بل هى وربما بالقدر نفسه، تضر بالرجال أنفسهم، لأنها تشكل ضغوطا عليهم لأن يمارسوا أدوارًا ويؤدون مهاما قد يعجزون عن القيام بها. فالقوالب النمطية حول الذكر والذكورة، والرجل والرجولة تؤسس لضغوط على الرجال لأن يتسموا دوما بالصلابة النفسية والخشونة، ولأن يؤدوا باستمرار دور المتكسب الرئيسى للدخل، وهذا ربما يدفعهم لأن يعملوا فى ظل ظروف عمل قاسية ومجحفة، مما قد يتضمن بدوره التعرض للعنف والقهر والاستغلال فى مجالات عملهم من رجال آخرين خاصة أن بعض الدراسات الحديثة أثبتت أن الرجال غالبا ما يقعون ضحايا للعنف المؤسسى – الذى تمارسه عليهم الشركات وأصحاب رأس المال - وهم مضطرون لذلك كاستجابة للقوالب النمطية الشائعة حولهم.

هذا فى الوقت الذى جاءت فيه واجبات مساعدتها فى شئون الأسرة والمنزل فى الترتيب الأخير لدى كل المبحوثين على اختلاف خصائصهم الديموغرافية، ما يعنى استمرار التمسك بالنمطية بين أدوار للرجال وأخرى للنساء، وفيما يتعلق بواجبات الزوج تجاه زوجته العاملة كشفت النتائج أن أهم الواجبات تشجيعها فى عملها وتقدير جهدها فى العمل، ولكن الملاحظ أن موقف المبحوثين من وجوب مساعدة الزوج لزوجته العاملة فى شئون المنزل والأعباء الأسرية أتت فى الترتيبين الثانى والثالث لدى المبحوثين فى الريف والحضر على التوالي، فيما كان المتعلمون تعليما عاليا، ذكورًا وإناثًا، جامعى وما بعد الجامعي، أقل أفراد العينة فى إشارة إلى أهمية هذه المسئولية أو هذا الدور.

وفيما يخص واجبات الزوجة عموما تجاه زوجها أوضحت النتائج تأكيد المبحوثين أن الطاعة أهم هذه الواجبات، أجمع على هذا الأمر أقل قليلا من ثلثى عينة الدراسة، وينسب أكبر لدى الذكور عنها بين الإناث، كذلك كان الاهتمام بالزوج والحفاظ على سمعته واحترامه، فيما كانت رعاية شئون البيت والأولاد من الواجبات المهمة، وبشأن واجبات الزوجة العاملة أشار المبحوثون إلى أن أهمها التوفيق بين أعباء المنزل والأسرة ومتطلبات الوظيفة.

وهو الموقف الذى أكده أكثر قليلا من ثلاثة أرباع المبحوثين على اختلاف خصالهم الديموغرافية ومن ثم فمازالت المرأة بمفردها هى من يتحمل عبء التوترات الشديدة الناجمة عن تصارع الأدوار الإنجابية والإنتاجية. يؤيد ذلك أن نسبة تتراوح بين (٤٠) إلى ٤٢٪ من العينة رأت أن على المرأة التضحية بالعمل إذا ما تعارض مع مسئوليات الأسرة.

ولقد أوضحت الدراسة، أن القوالب النمطية للنوع من أكبر التحديات والعوائق التى تواجه الأفراد فى المجتمع الحديث، فمنذ الطفولة المبكرة ينشئ المجتمع أعضاءه وفق قوالب محددة بشأن النساء؛ فمكانهن المنزل والحياة الخاصة وشئون الرعاية، أما الرجل فخارجه حيث تكسب الدخل والمجال العام والأدوار المهنية المتنوعة، هذه التوجهات؛ وإن كانت سالبة للنوع الاجتماعى بشكل عام إلا أن تداعياتها أشد على النساء بشكل خاص، فهى تؤدى إلى إضعاف وتقويض أدائهن فى مجالات مختلفة تعتبر تقليديا حكرا على الرجال وتحت سيطرتهم، بل الحد من مساحات الحرية والحقوق المجتمعية والأسرية الواجبة لهن.

وبالنسبة للعوامل الدافعة إلى الطلاق فقد أجمع المبحوثون على اختلاف خصائصهم الديموغرافية على أن قسوة الزوج وسوء عشرته ومعاملته السيئة لزوجته تأتى على قائمة العوامل التى تدفع الزوجة إلى طلب الطلاق، هذا فى حين أشار المبحوثون إلى أن الخلافات العائلية المستمرة بين الزوجين وما تخلفه من احتقان مستمر فى العلاقات الأسرية من أهم العوامل التى تدفع الزوج إلى الانفصال عن زوجته.

أما عن المشكلات التى تصطدم بها المرأة عقب الطلاق فكانت الشك فى سلوكها وما يتبعه من فرض مزيد من القيود على حركتها وعلاقاتها مع الآخرين فضلا عن اعتبارها مطمعا للآخرين ليتدخلوا فى شئونها الخاصة.

ولقد رأت نسب كبيرة، وصلت إلى ثلاثة أرباع العينة، أن من حق الزوج معاقبة زوجته إن عصت أوامره وكان الهجر والتجاهل، ثم الضرب، والسب والإهانة، أما الإناث فقد أشارت إلى إمكانية الاكتفاء بالهجر والتجاهل ثم الحرمان من المصروف، والمنع من الخروج من المنزل فيما جاء الضرب فى مرتبة متأخرة نسبيًا.

ولقد بينت الدراسة، أنه على المستوى الرسمى شاركت مصر فى المؤتمرات الدولية المعنية بالمرأة، وعمدت إلى تناول قضية التنمية البشرية من منظور متكامل قوامه المساواة بين الرجل و المرأة فى الحقوق والواجبات وإصدار عدد من التشريعات الرامية إلى إصلاح الوضع الاجتماعى للمرأة مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية، وتعديل قانون الجنية. وقانون إنشاء محاكم الأسرة، وقانون إنشاء صندوق تأمين الأسرة، وقانون تعديل أحكام النفقة، ودعم توجه المرأة لتولى المناصب القيادية وخوض المعارك الانتخابية جبال جنب مع دعم قدرتها على تربية النشء، كما نجحت مصر فى وضع إطار مؤسـسى يخدم قضايا المرأة ويضعها فى قالبها الحضارى على المكاسب التى تحققت ويضيف إليها من خلال المجالس القومية، والمجلس القومى للمرأة، فضلا عن أن هناك إنجازات مهمة فى أوضاع النساء على مستويات التعليم والعمل.

ميدانيا، تعكس استجابات عينة الدراسة قدرا من الثبات والتغير فى الصور النمطية حول المرأة، كما تشير نتائج البحث إلى أن هناك حاجة إلى تغيير الصورة النمطية حول المرأة لدى المرأة والرجل على حد سواء، فيلاحظ أن مواقف الذكور والإناث من فكرة اشتغال المرأة بالسياسة متقاربة من حيث الرفض فلازالت النتائج تعكس عدم تقبل المجتمع تعيين المرأة فى المراكز القيادية والسياسية العليا؛ فمثلا جاء حق المرأة فى تولى منصب رئيس الدولة أو رئيس وزراء بالرفض من قبل قطاع كبير من العينة بشقيها الذكور والإناث أو العمل كمحافظات فهذه المناصب محل جدال مجتمعي؛ والأسباب المطروحة تعكس الصورة النمطية المشوهة عن أدوار المرأة وسماتها.

وفى الدراسة، حظى حق المرأة أن تحصل على نفس فرص الرجل فى الترقى فى العمل بتأييد ثلثى العينة، لكن رفض قطاع كبير أن تترأس المرأة زوجها فى العمل، كما رأى قطاع كبير من الذكور أن فرصة العمل الواحدة أحق بها الرجل، مقابل نسبة غير صغيرة من النساء، كذلك كانت أغلب العينة مع فكرة أنه إذا عجزت الأسرة عن تعليم الأبناء تعطى الأولوية لتعليم الذكور.

فيما عدا ذلك كانت العينة مع كثير من الحقوق التى لها بعد شرعى كحق المرأة فى اختيار الزوج وطلب الطلاق والتصرف بحرية فى دخلها ومهرها والحصول على ميراثها.

وتشير نتائج البحث إلى قدر من التغير فى الصورة النمطية للمرأة عن ذاتها ولدى الرجل، لكنه تغير لا يمس سوى الأبعاد التى لا تغير موازين القوى فى العلاقة بين الرجل المرأة، فحقوق التعليم والعمل والحقوق السياسية التى يمكن أن تحدث نقلة نوعية فى وضع المرأة لا يزال التمتع بها على قدم المساواة مع الرجل يواجه بالرفض والمقاومة، ليس فقط من قبل الرجل لكن من جانب المرأة ذاتها، مما ينذر باستمرار توريث ذات القيم والاتجاهات من جيل إلى آخر.

ولا تزال الصورة النمطية حول المرأة التى ترتبط بالثقافة السائدة تقيدها فى التمتع بالكثير من الحقوق، وتعمق ما تعانيه من مشكلات والفقر والبطالة، وتجبرها على التماهى مع الصور النمطية السلبية عنها التى شكلها المجتمع، بل نقلها خلال عملية التنشئة من جيل إلى جيل. - عدم تمتع المرأة بحقوقها كاملة يعود فى جزء منه لاعتبارات اقتصادية ترتبط بندرة الموارد التى تدفع الأسرة والمجتمع للتمييز ضدها، وفى ظل برامج التكيف الهيكلى وما تستتبعه من خفض الإنفاق العام على الخدمات كالصحة والتعليم والغذاء والتوظيف الحكومى يتوقع أن يؤثر هذا الخفض على نوعية الحياة لعامة السكان ولا سيما الجماعات الضعيفة كالنساء، مما يعمق بدوره من ظاهرة تأنيث الفقر.

كما بين البحث أن أهم المبررات التى تطرح لحرمان المرأة من بعض الوظائف والمهام من جهة نظر قطاع من العينة تعود لأسباب مرتبطة بالصورة النمطية المشوهة حول سمات المرأة وأدوارها فى المجتمع، وعدم كفاءتها على القيام بها لكونها سريعة التأثر، وبالتالى لا تصلح لاتخاذ قرارات مصيرية، بينما يشير آخرون إلى معوقات اجتماعية تركز على دورها فى المجال الخاص دونا عن العام، أو أن الأولوية الأولى لها هى البيت على اعتبار أنها المسئول الأول عن تلبية احتياجات الأسرة مما يستنزف وقتها، ولم يستند الكثيرون إلى مبررات دينية.

ورغم إقرار واسع النطاق لحق المرأة فى الميراث، فإن هذا الاتفاق يقل كثيرا من فى الريف عن الحضر. ودعاوى حرمان المرأة من الميراث تستند إلى دعاوى اجتماعية وعادات وتقاليد وليست أسبابًا شرعية من أسباب الحرمان حماية الميراث أن يذهب إلى الغير، والادعاء بأن المرأة دائما هناك رجل مسئول عنها، ولم يعدم الموقف من اتهام المرأة بأنها لا تستطيع إدارة هذا الميراث وهذه الأخيرة هى جزء من مكون هذه الصورة النمطية عن سمات المرأة وصلاحياتها.

أما مشكلة المرأة وعلاقتها بالسياسة لا تكمن فقط فى دفعها إلى الوصول للمواقع السياسية والقيادية، لأن هذا الوصول فى كثير من الأحيان وصول خادع كما يراه البعض، إذا لم يتزامن مع تغيير فى صورة المرأة، ولا يعدو كونه نوعا من الديكور السياسى إلى مواقع هامشية بلا فعالية، خاصة لو لم يتم طرح أفضل العناصر التولى هذه المناصب.

وكشفت الدراسة أنه يستدعى هذا البعد المرتبط بالحقوق العمل على: - تغيير التشريعات بما يحافظ على حقوق المرأة بالفعل، ويحميها من كل أشكال العنف الجسدى والمعنوى والأكثر أهمية هو تفعيل تلك التشريعات، ووضع سیاسات عامة تدعمها، مراعاة خصوصية المرأة المصرية فيما يتعلق بالمشكلات والمعوقات أمام مشاركتها والإمكانيات التى يمكن أن تساعدها فى المشاركة الفعالة فى الحياة العامة، فلابد أن تتاح لها فرص تراعى مبادئ العدالة وتتوافق مع الأدوار المركبة المفروضة على المرأة، وذلك حتى يتسنى لها المشاركة فى الحياة السياسية والاقتصادية، والتمتع بحقوقها، البعد الآخر يعتمد على تغيير الصور النمطية والبنية الثقافية حول المرأة ونظرة المجتمع إلى السياسة بوصفها ميداناً للرجال فقط، وتفضيل الرجال، وهى نظرة ثابتة فى المجتمعات الذكورية، وتفكيك الصور يحتاج إلى جهد مكثف من قبل حركة نسائية تعى أهدافها، وتعمل على دمج المرأة فى جميع مجالات المجتمع، وبوصفها عضوًا مساويًا للرجل فى الحقوق والواجبات، كما أن مكانة المرأة لا تتعلق بموقعها فى البنى الاجتماعية المفروضة عليها، بل بوعى المرأة وصورتها عن ذاتها ودورها كفرد وكعضو فى جماعة، وهذا قد يكون غائبا عندما نجد المرأة أسيرة صور سلبية عن ذاتها.

أضف تعليق

إعلان آراك 2