عملية غزة في 7 أكتوبر 2023.. الأهداف والنتائج 2

عملية غزة في 7 أكتوبر 2023.. الأهداف والنتائج 2اللواء دكتور وليد فاروق

الرأى24-10-2023 | 12:17

تعرضنا في مقالنا السابق لعملية غزة في 7 أكتوبر الأهداف والنتائج (الجزء الأول) إلى محاولة إيضاح وتفسير للأسباب التي أدت لهذه العملية وبعض من نتائجها .. ونظرًا لسخونة الأحداث وسرعة تطورها نستكمل معًا تداعيات هذه العملية على كافة الأطراف سواء المشاركة بشكل مباشر في تلك الأحداث أو الغير مشاركة في ما حدث ..

ونؤكد على أن أهم أسباب ما حدث بصرف النظر عن السيناريو الذي تم به، هو وجود أزمة ضخمة يعاني منها الجانب الإسرائيلي سواء على الصعيد الداخلي الملتهب والقابل للتفكك والتحلل بصورة غير مسبوقة .. بالإضافة إلى معاناة الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الأزمة المالية العالمية الحالية وانشغال الغرب بتمويل أوكرانيا في حربها ضد روسيا مما أثر بشكل بالغ على حجم المنح والمساعدات الواردة إلى إسرائيل .. ومن ثم كان من الضرورى البحث عن مخرج يحقق لم شتات الدخل الإسرائيلي المتمزق .. وهو ما حدث مؤقتًا عقب الإعلان عن عمليه غزة وفي نفس الوقت يسمح بحزمة من المساعدات الإقتصادية الضخمة والعاجلة .. وهو أيضًا ما تم ما بين ليلة وضحاها، حيث تم تمرير حزمة ضخمة من المساعدات الإقتصادية الأمريكية لـ إسرائيل (14مليار دولار- مرحلة أولى) وحزمة أخرى من الدول الغربية (غير مُعلن عنها) يدفعها دافع الضرائب الأمريكي والأوروبي صاغرًا في كلًا منهما دون حق السؤال أو النقاش أو الاعتراض .. كأحد صور الديمقراطيات العرجاء التي تمارسها تلك الدول على مواطنيها ..؟ فيكفي أن تعلم أن مصر تخوض مفاوضات مضنية مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض (3 مليار دولار) تُصرف على دفعات !! بشروط اقتصادية قاسية تشمل إطلاق سعر صرف الدولار (المزيد من الخفض لقيمة الجنيه) وتقليل تدخل الدولة في الاقتصاد ؟ وتقليل دور الجيش في الاقتصاد ؟ وحدوث تحسن ملموس في الممارسات المتعلقة بـ حقوق الإنسان في مصر ؟؟ وهي كلها شروط شبه تعجيزية وتعد تدخل سافر في الشأن الداخلي المصري .. رغم أن في النهاية حجم القرض المزمع لا يتجاوز 25% من قيمه ما حصلت عليه إسرائيل في 48 ساعة مع الفارق الضخم في عدد السكان .. !! بالإضافة إلى ما سبق فإن شعور الجانب الإسرائيلي بأن ما يتم في سيناء من تعمير وتنمية حقيقية لأول مرة في التاريخ المعاصر يهدم أحلامهم المؤجلة (بفعل إتفاقيه السلام) في التوسع شرقًا على حساب الأراضي المصرية .. فعملية إعادة تمركز الملايين من المصريين في شبه جزيرة سيناء أصبحت مسألة وقت لا أكثر بعد إستكمال الأنفاق أسفل القناة والدخول الفعلي للسكة الحديد وإنشاء المطار والميناء بمواصفات دولية وتدبير المياه اللازمة لإستصلاح 400 ألف فدان (من محطة معالجة المياه ببحر البقر) وإنشاء عدد من التجمعات السكانية الجديدة في ظل نجاح الجيش في القضاء على الإرهاب الذي تم زرعه أساسًا في سيناء لعرقلة التنمية بها والتمهيد لترحيل الفلسطنيين إليها ومع فشل هذا السيناريو بفضل دماء وتضحيات شهداؤنا من قواتنا المسلحة الباسلة وأهالي سيناء الشرفاء كان لزامًا إيجاد السيناريو البديل وهو ما نراه الأن .. إلا إننا في خضم هذه الأحداث لا نستبعد أيضًا الدافع الاقتصادي لتهجير سكان شمال غزة تحديدًا بغرض إنشاء منطقة عازلة كاملة تؤمن مستوطنات غلاف غزة والأهم تؤمن التوسعات المخططة لميناء أشدود الإسرائيلي (60 كم شمال قطاع غزة) وخط السكة الحديد السريع المزمع إنشاؤه للربط بين مينائي إيلات (على البحر الأحمر) وميناء أشدود (على البحر المتوسط) وهو الخط المقرر له منافسة مسار قناة السويس .. بالحصول على جزء من حركة التجارة الدولية المارة في هذه المنطقة على حساب قناة السويس بالطبع ..

ومن ثم فإن أهداف وتوقيتات تلك العملية التي بدأت في السابع من أكتوبر ولم تنتهي بعد تبدو واضحة تمامًا لمتخذ القرار المصري منذ اللحظات الأولى لها خاصة مع تزامنها مع العديد من الممارسات والسياسات الاقتصادية والعسكرية التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية ضد مصر منها حجب جزء من المعونة العسكرية (300 مليون دولار) من إجمالي (1300 مليار دولار) بحجة وجود تجاوزات للقاهرة في ملف حقوق الإنسان .. !! مما يعني ممارسة ضغوط مباشرة على القوات المسلحة المصرية من حيث تدبير قطع الغيار والذخائر اللازمة للسلاح الأمريكي الموجود في القوات المسلحة المصرية بالإضافة إلى الإعلان المفاجئ عن اتهام السيناتور الديمقراطي روبرت مينينديز رئيس لجنة شئون العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ الأمريكي، بتلقي رشاوي للعمل لصالح مصر .. بالإضافة إلى الضغط الاقتصادي من خلال المؤسسات المالية الدولية سواء بالتباطؤ في الإقراض مع التخفيض المتتالي لتقييم الاقتصاد المصري لافزاع المستثمرين وإيقاف عجلة التنمية المتسارعة في مصر بشتى السبل ..

أما عن النتائج المحتملة لهذه العملية فعلى الجانب الإسرائيلي أصبح "نتنياهو" يعاني على المستوى الشخصي من انخفاض حاد في شعبيته أصبح معها غير مرغوب فيه كرئيس للوزراء ومن ثم فمن المتوقع عدم استكمال فترته كرئيس للوزراء وسيتم الدعوة لانتخابات مبكرة كما هو معتاد في إسرائيل في مثل هذه الأحوال للإطاحة بـ"نتنياهو" والذي اعتبر إنه انتهى سياسيًا إلى الأبد بعد هذه العملية .. كذلك سيتم عزل أو استبعاد كلًا من وزير الدفاع الإسرائيلي ورئيس الأركان وعدد من كبار القادة في جيش الدفاع الإسرائيلي ومن غير المستبعد محاكمة البعض منهم على التقصير الحادث في يوم السابع من أكتوبر .. وعلى مستوى الداخل الإسرائيلي ستزداد حالي عدم الرضا عن أوضاع الدولة اليهودية (أمنيًا واقتصاديًا واجتماعيًا) في البلاد بالإضافة إلى حالة عدم الثقة في المؤسسة العسكرية وبالتالي من المرجح بدء موجة من الهجرة العكسية (الهجرة إلى خارج إسرائيل) قد تستمر لسنوات خاصة لمزدوجي الجنسية ومن هم من أصول أوروبية وأمريكية تحديدًا .. وعلى الجانب الأمريكي فإن أداء "بايدن" خلال الأزمة قد شابه العديد من الأخطاء الفادحة سواء في الصورة السلبية التي صدرها عن الولايات المتحدة بإعتبارها الراعي الرسمي لمبدأ عدم إحترام حقوق الإنسان في العالم .. وتوجهه إلى المنطقة بنفسه وزيارته لـ إسرائيل لإظهار دعمه وتأييده لإباده شعب محتل أعزل ..!! بما لا يتناسب مع قيمة الولايات المتحدة كقوة عظمى وكانت الإهانة الكبرى برفض كلًا من الرئيس السيسي والملك عبدالله مقابلته بعد ان تم الاعلان عن قمة تجمعهم في سابقه أظن إنها تحدث للمرة الاولى لرئيس الولايات المتحدة .. !! وكان الأغرب إنه أعلن للرأي العام الداخلي في أمريكا وهو في طريق العودة إنه حقق كل ما أتى من أجله إلى المنطقة ..؟؟ ولا نعلم ما الذي حققه إلا إذا كان تبادل العناق مع "نتينياهو" سبب كاف للسفر 20 ساعة ذهاب وعودة في نفس اليوم ..؟ وبالتالي فإن فرص نجاحه في الانتخابات القادمة (9/2024) تتضائل بشدة ليلحق برفيقه "نتينياهو" خارج العمل السياسي نهائيًا كأحد أبرز الرؤساء الأمريكيين اخفاقًا.

أما على الجانب العربي، فقد أصبحت سياسات الهرولة نحو التطبيع المجاني مع إسرائيل والتي تمارسها بعض الأنظمة العربية وخاصة الدول الخليجية تحتاج إلى إعادة نظر وهو ما حذرت منه مصر مرارًا وتكرارًا، وأعتقد أن الأمور تستحق مزيد من الدراسة والتأني في هذا الملف الشائك والذي قد يطيح بمستقبل تلك الأنظمة ويزج بها في صراعات داخلية غير مستبعدة .. بالإضافة إلى ضرورة مكاشفة تلك الأنظمة في جدوى وجود قواعد عسكرية أمريكية على أراضيها (الملف المسكوت عنه) .. وتأثير ذلك على قراراتها وسيادتها وهو ما وضح جليًا خلال هذه الأزمة .. وظهر واضحًا في مؤتمر القاهرة للسلام والذي تحاشى البعض منهم الحضور وتجنب من حضر الكلام ..؟؟

وقبل أن أنهي مقالي، لابد وأن نتوجه بالشكر للسيد "نتينياهو" على ما قدمه من خدمة جليلة لنا رغم الألم الذىي يعتصرنا من ما يحدث لسكان غزة من إبادة وتهجير قصري، حيث ساهم عن دون قصد في خلق أجيال جديدة من الصبية والشباب المصري الذي أضحى يكره كل ما هو إسرائيلي .. ويعلم تمامًا مدى ما تتمتع به هذه الدولة من صلف وغرور ونازية وأنهم لا يأمن لهم جانب وهو أمر لو تعلمون عظيم .. أما الشكر الآخر فمن نصيب "بايدن" الذي أوضح الصورة الحقيقية للولايات المتحدة لأبنائنا وإنها دولة شعارات جوفاء وتتصرف طبقًا لمصالحها وليس انتصارًا لأي مبادئ أو قيم عكس ما تردده الميديا الأمريكية ليل نهار وعكس ما يردده عملائها في الداخل المصري أو خارجه من إنها واحة الديمقراطية والحرية و حقوق الإنسان .. فرُب ضارة نافعة.

أضف تعليق