عاطف عبد الغنى يكتب: «الحادثة التى جرت» على 3 شاشات (!!)

عاطف عبد الغنى يكتب: «الحادثة التى جرت» على 3 شاشات (!!)عاطف عبد الغنى يكتب: «الحادثة التى جرت» على 3 شاشات (!!)

* عاجل11-8-2018 | 21:12

أرجوك عطل «مشاعرك»، وشغل «عقلك» قليلاً ثم اقرأ الآتى:
كيف يمكن أن تستقبل كلامى إذا قلت لك إن البطل الشعبى الأسطورى صاحب الموال، والفيلم، والتمثيلية و... الشهير بـ أدهم الشرقاوى، لم يكن – هذا البطل – إلا لصًا، وقاطع طريق ؟!
(1)
أنا مثلك أطرب لسماع هذه الأغنية الملحمية التى لا تخلو من شجن، حين تصدر عن حنجرة الرائع المطرب محمد رشدى وهو يشدو: «الحادثة اللى جرت على سبع شرقاوى.. الاسم أدهم لكن النقب (اللقب) شرقاوى».
وظلت صورة أدهم الخيالية فى إطارها الجميل على هذه الحالة سنوات طويلة، إلى أن قرأت ذات ليلة، قصة جميلة تحمل عنوان: «الحادثة التى جرت» فبلبلت أفكارى، والقصة للأديب المبدع الكبير مجيد طوبيا، ومن قصة طوبيا اكتشفت أن بطولة أدهم صنيعة الأسطورة الشعبية، لمجتمع «مأزوم» وقد صنع هذه الأسطورة «الغلابة» الذين كانوا يبحثون فى زمن أدهم عن بطل ينتقم لهم من السلطة الخاضعة الخانعة أمام الاستعمار البريطانى، الجاثم على صدر البلاد والعباد، شانق الفلاحين فى دنشواى ومستعبد المصريين فى مزارع القطن الإقطاعية.
فى هذا الزمن كانت تسلية البائسين وسلواهم فى أمسياتهم الصائفة، وشتاءهم البارد، لا تخرج عن منشد الربابة ومواويله المنسوجة من قماشة السيّر الشعبية، وأبطالها أبو زيد الهلالى، وناعسة ويونس، وشفيقة ومتولى، وأدهم السبع الشرقاوى، كانت الربابة والمنشد أحد أهم أدوات الفن والإعلام، وبمثابة القوة الناعمة التى تؤثر فى مشاعر بسطاء المصريين وتساهم فى تشكيل وجدانهم خلال النصف الأول من القرن العشرين، وقبل اختراع الراديو «الترانزستور»، ثم التليفزيون، ومن بعده الفيديو، والفضائيات، وثورة الإعلام الرقمى.
(2)
وهى القوة الناعمة ذاتها التى صنعت أسطورة «حبيشة» هذه الشخصية الدرامية التى يطلق اسمها الآن على كثير من الشباب المنخرط فى طائفة المعمار، اقتداء ببطل مسلسل «ابن حلال» وقصته المستلهمة من جريمة جرت وقائعها فى أحد «الكمبوندات» وراح ضحيتها ابنة مغنية مشهورة فيما تم إنقاذ صديقتها المصابة بطعنات المجرم القاتلة، وقد تم القبض على نجار وتوجيه الاتهام له فى الواقعة، لكن شاع بين الناس أن المتهم برىء وأن الجانى الحقيقى ابن لمسئول كبير، فلما عرض مسلسل «ابن حلال» وقر فى أذهان الناس أنها الحقيقة، فصنع من مادة درامية، غير وثائقية أسطورة «حبيشة» ووجدت الشخصية فى محمد رمضان خير من يمثلها، فهى تليق به ويليق بها.
(3)
والأسبوع الماضى تابعت صناعة أسطورة جديدة عنوانها: محفوظ دياب محفوظ، والقصة بدأت من جملة قالها الصبى السوهاجى ابن الـ 17 عامًا الذى جاء من أقصى الجنوب إلى بورسعيد فى الشمال ليشارك أقران له فى تهريب البضائع من الجمرك، وفى حوار تليفزيونى لمحطة محلية، أو تابعة للمحافظة، قال محفوظ للمذيعة بلهجة صعيدية متحدية: «أنتى محساش بالناس»، فقامت الدنيا ولم تقعد.
وهذا الحوار الأول الذى أجرته المذيعة المجهولة مع الصبى المتحفظ عليه بمعرفة الأمن، بدا وكأنه يكشف شيئًا جديد مثل غياب التنمية عن محافظات الصعيد، أو ندرة فرص العمل فيها، والتى تدفع بمثل محفوظ وأقرانه للهجرة إلى المدن الكبيرة، القاهرة والإسكندرية وبورسعيد، بحثًا عن فرصة عمل أو الدخول فى مغامرة (مثل مغامرة التهريب).
وللحقيقة فأنا اتفق مع المذيعة (التى طالتها سهام الهجوم بشدة) فمن يريد الحصول على عمل شريف من الأشقاء الصعايدة، - والبحاروة أيضا - فى المدن الكبيرة يجده بسهولة ويمكن أن يربح مبلغ الـ 150 جنيها التى يربحها محفوظ من التهريب، وإذا سألتنى أين: لن أقول لك يفعل كما فعل الشباب السورى، ولكن أقول: كما يفعل المصريون، الذين نصادفهم على شواطئ الإسكندرية، وجمصة، ورأس البر، وكل شواطئ المصايف، المجانية، والشعبية، آلاف الشباب مثل محفوظ تبيع للمصطافين كل شىء من «الفريسكا» إلى الملابس والهدايا، والأجهزة المنزلية البسيطة، والذرة، والترمس، والشاى، والسمك، والآيس كريم.
وفى المحافظات الحضرية والمدن الكبيرة، حاول أن تبحث عن صنايعى شاب، أو فواعلى واسأله عن يوميته، وسوف تفاجأ بأرقام لن تخطر لك على بال، أو أحصى كم مليون الآن مثل محفوظ يعملون على «التكاتك» التى وصل أجر توصيلة الزبون بها لمسافة لا تزيد على كيلو مترين أو ثلاثة إلى 5 جنيهات، ولا يدفع صاحب «التوك توك» أى أعباء مالية للدولة كرسوم تراخيص أو غيرها، أو راقب عربات «التروسكل» التى تحمل الفاكهة وتجوب الشوارع و تسكن النواصى والشوارع الرئيسية، واسأل كم تصفى ربحًا لمن هو مثل محفوظ ؟!
القصد أن من يريد أن يتحصل على عمل شريف سوف يجده، وسوف يربح أكثر من مائة جنيه وربما مائتين فى اليوم من الحلال، حتى ولو حمل «فوطة زفرة» ومسح بها زجاج السيارات فى الإشارات، أو احتكر رصيف وجعل منه «بارك» وحدد تسعيرة لمن «يركن» سيارته تبدأ بـ 5 جنيهات وتصل أحيانا إلى 20 يدفعها صاغرا الباشوات أمثالى وأمثالك، حتى لا يتعرضوا لأذى.
(4)
الحدوتة «ماسخة» وأمسخ منها هذا الاستغلال الإعلامى من صاحب البرنامج سريع الاشتعال الذى استضاف  محفوظ وعمل مداخلة مع  نجيب ساويرس، وحنان شوقى، الذى دخل قلبها محفوظ – كما قالت – ونصّبت من نفسها محللة سيكولوجية واستراتيجية ورأت فى محفوظ رجل أعمال المستقبل!
أما مصيبة المصائب فجاءت على شاشة الإخوان ومذيعها محمد ناصر الذى جعل من محفوظ أدهم الشرقاوى الجديد، وأفاض فى «الإنترو» الذى قدم به حلقته النارية عن محفوظ، وأخرج فيها كل السواد والشر الذى يضمره هو وجماعة الإخوان الإرهابية التى تستخدمه، وأهال فى الحلقة السخام والهباب على حياة المصريين، وأيامهم، والدولة، والنظام، قال هذا، لكنه لم ينتبه فقال أيضًا إن محفوظ ومن معه من رفاقه المقبوض عليهم كانوا يضحكون أمام الكاميرا، مواصلا: «وظهر هذا بوضوح فى الفيديو إدراكًا منهم أن الموضوع بسيط».. نعم الموضوع بسيط بالفعل فبعد ساعات ظهر محفوظ على شاشة برنامج «العاشرة مساء» مع وائل الإبراشى يعنى الحدوتة خلصت.. لكنى أعتقد أنه بعد استهلاكها إعلاميا على شاشات إعلامنا الـ .........(ضع الوصف الذى تراه صحيحا مكان النقط).
أضف تعليق

رسائل الرئيس للمصريين

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2