حورية عبيدة تكتب: دَجاجٌ كثيرٌ ودِيكٌ واحِدٌ

حورية عبيدة تكتب: دَجاجٌ كثيرٌ ودِيكٌ واحِدٌحورية عبيدة تكتب: دَجاجٌ كثيرٌ ودِيكٌ واحِدٌ

*سلايد رئيسى17-8-2018 | 16:51

جاء جحا لأحد الولاة يعرض قضيته؛ فقال: إنَّ لمولاي فيما أعلمُ ثوراً أحمر؛ فأجابه الوالي: صدقتَ؛ فما باله؟ قال: نطح بقرتي البيضاء؛ فشق بطنها وقتلها على الفور، فقال الوالي: وما شأن الوالي بذلك وأي سلطان لي على الحيوانات؟! أتريد أن أعاقب الثور على فعلته؟! ألا فلتعلم أن دم الحيوان هدر. فقال جحا: صبراً يا سيدي وعفواً؛ فقد دفعتني العَجلة إلى رواية القضية معكوسة، فإن بقرتي هي التي نطحت ثور مولاي فقتلته! فقال الوالي: ويْلك! لقد تغيَّر وجه المسألة؛ أعِدْ عليَّ القصة لأرى فيها رأيي من جديد!.. (الفساد السياسي مرض قديم قِدَم الأساطير!).

في القرن الفائت؛ دقَّ الباب في منزل تاجر عربي، فلمَّا فتح ألفى ضابطاً يقول له: إن وزارة الداخلية عثرَتْ على ما يُثبت أنك عضوٌ في تنظيم إرهابي مذ العام 1930؛ وقد صدر الأمر باعتقالك؛ توقع الضابط أن يجهش التاجر بالبكاء طالباً العفو والسَّماح، لكن التاجر ابتسم ومَد يده لدُرجه؛ وأخرج ورقة تثبت أنه في ذلك الوقت كان عُمره ست سنوات! فلم يهتز للضابط شاربٌ وقال أن ملفات الداخلية لا يأتيها الشَّك من خلف ولا قدام، ولا يجوز الطعن فيها؛ وهي أصدق أنباءً من شهادة الميلاد! وقُبض على التاجر وأُودع السجن!.. (حين يُوسَّد الأمر لمن يملكه لا لمن يُبصره).

منذ أيام زارتْ صديقتي الشاعرة وطنها الذي تغنَّى بجماله فُحول الشُّعراء؛ والذي تركته قسراً وحزناً بعد نشوب حرب طاحنة بين طوائفه المتعددة، عادت لترى الخراب والأطلال، والدُّور التي تهدمت، والشوارع التي تفترش الدماء ما تَبقَّى من أرصفتها، وشعبها الذي انتكثَ شملُه، عاينتْ جوع الفقراء "الكافر" وحقد المحرومين "القاتل" حين تتهيأ لهم الفرصة للانتقام، رأتْ ضياع الحريات؛ ولمستْ تجبر السلطة المستبدة المحاطة بسماسرة مَهرة من أهل الزلفى والتزييف وحملة المباخر، بكتْ أهلها وجدران بيتها ومراتع طفولتها وصباها؛ وفشلتْ في وصل رحمها الذين تقطعوا طرائق قددا؛ كلٌ له وجهته ورؤيته بعد أن أزكتْ السلطة نيران الاختلاف والتمزق بين الرجل وأبيه وأمِّه وأخيه وصاحبته وبنيه! ليحلو لها التسيد؛ والحكم المطلق؛ والقضاء على الحريات؛ وكرامة الإنسان بدعوى محاربة الطائفية، غادرَتْ صديقتي البلاد وهي تستمطر اللعنات على من يتهم المختلفين في الرأي بالخيانة، ويبني مُلكه على أشلاء العباد.. (الحكم الفردي يُهلك الحرْث والنَّسل).

حين استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وولاه؛ فجمع الرجل حطباً وأضرم فيها النيران وأمر أتباعه أن يدخلوها، فرجعوا إلى النبي يسألونه؛ فقال: "لو دخلتموها ما خرجتم منها ابداٌ.. إنما الطاعة في المعروف".. فكان ترهيباً غليظاً يستأصل جذور الطاعة العمياء من نفوس الأتباع، فالفراعنة والأباطرة تألَّهوا لأنهم وجدوا جماهير تطيعهم وتخدمهم بلا وعي، ونسوا أنهم عبيد لله وحده.. (ما أُريكم إلا ما أرى..)!

دار حوار بين عمر بن الخطاب وسَلمان الفارسي؛ إذ قال له سَلمان: نرى ثوبكَ طويلاً سابغاً وكلنا كميش -قصير-الإزار؛ فمن أين لك هذا؟ قال عمر: قُم يا عبد الله بن عمر فحدِّث الناس، فقال عبد الله: إنَّ نصيب أبي من الثياب لم يكن يغنيه لأنَّه رجل طوال، فمنحته نصيبي ليكمل حلته. فقال سَلمان: الأن قلْ يا عمر نسمع.. (إن رأيتم خيراً فأعينوني؛ وإن رأيتم شراً فقوِّموني).

في الربع الأول من القرن العشرين؛ ولظروفٍ تاريخية معينة كان لدى مصر دستور قوي تم نقله من أوروبا -حَكَمنا بعض الوقت- بمقتضاه تمكَّن النواب من اعتراض نفقات الملك لمَّا أراد أن يُصلح باخرته الخاصة من الموازنة العامة.. (صاحب الحق لا يهاب المواجهة).

كفانا أمثلة من الماضي الذي يمقته البعض؛ فلنأت لكم بما نعايشه، ففي انتخابات حرة قال الشعب الفرنسي للجنرال ديجول الذي حرره من الاحتلال الألماني: لا نريدكَ، فجَمع الجنرال أوراق مكتبه ومضى في هدوءٍ إلى بيته!.. تُراه لو كان من عربياً؛ ماذا سيفعل ويقول لشعبه؟! أبسط الأمور ما كان ليُجرِي أنتخابات قَط، أما أعقدها فلم يدر بخلد بشر حتى لو ادعيتم أنكم تعلمون.. (تكميم الأفواه؛ براءة اختراع عربية).

قال صحفي للرئيس الأميركي الأسبق كيندي: هل رحلة زوجتك إلى أوروبا على نفقتك الخاصة أم مِن مال الدولة؟ لم ينل الصحفي أذى وجاوبه الرئيس الأمريكي بهدوء، وبين شعبه يركب الرئيس النمساوي دراجته ذهاباً وإياباً في أمان وطمانينة ووسط محبة سابغة دون خوفٍ أو وجلٍ، والمستشارة الألمانية ميركل تتسوق بنفسها في سوق الخضار والفاكهة بغير موكب من السيارات ولا حشدٍ من الخدم يساعدونها أو يحملون عنها، وهذا رئيس وزراء بريطانيا ينتظر سيارة تحمل له بضائع تسوقها لبيته؛ فيلقاها بنفسه عند الباب ويحمل مشترياته وحده.. (لا وثنيات سياسية).

وصل الغرب لطريق الحرية بعد ثوراته على الفساد والمفسدين؛ ثم وضع دساتير يحترمها مَن يعترش أمرهم، حتى صار الحُكم خدمة عامة يُختار لها الأكفأ؛ وتتم مراقبته من خلال أجهزة يقظة لا تُجامل ولا تنافق، ولا تتيح الفرصة للطغيان أو الاستبداد أو عبودية لفرد، الكرامة وقيم الحرية والعدل والمساواة أمام القانون أهم حقوق شعوبهم.. فلمَّا حاولتْ شعوبنا الثورة على الطغاة والعُتاة عمَّ الخراب والفساد والانقسام -بفعل قوى معادية ترسم خططها بخبث- حتى احتار الناس مِن أمرهم، فتساءلوا فيما بينهم أشرٌ أريد بمن في البلاد أم أراد بهم ربهم رشداً؟!

لم نعد نسمع أن حاكماً بأوروبا قد اغتصب الحكم، أو أن هناك رئيساً امتلك وحده الحجة والحقيقة وكمَّم الأفواه وفرض وجهة نظره؛ بينما الدول التي تعيش التخلف وحدها تستسلم لجلاديها؛ لأنها لا تفقه معنى أن تكون إنساناً مكرَّماً كما أرادك الخالق، فكانت عبادة القصور ديانةً خسيسة؛ وكما يقولون: البيئات المستبدة بها دجاج كثير وديك واحد، لا حل لشعوبنا لإنقاذها من مستنقع الفقر والجهل والاستبداد الذي تعانيه سوى برفع مستوى التعليم؛ والذي سينعكس بالضرورة على تغييرات فكرية ونفسية عميقة تؤدي لتغييرات اقتصادية وسياسية بالغة، فالراسخون في الجهل وأصحاب الحلول المرتجلة وحدهم يصنعون الطغاة ويهلكون الأمم فتصبح هشيماً تذروها الرياح.

أضف تعليق

إعلان آراك 2