​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: «أنا لك على طول»

​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: «أنا لك على طول»​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: «أنا لك على طول»

*سلايد رئيسى29-8-2018 | 20:48

كلما استمعت للأغنية الرومانسية الشهيرة، "أنا لك على طول"، للراحل عبد الحليم حافظ، يرد إلى ذهني صورة تلك الفتاه السمراء، التي تسللت إلى قلبه في فيلم "أيام وليالي" ... الفنانة المصرية إيمان، التي اعتزلت الفن مبكراً، عندما تزوجت من رجل أعمال ألماني، بعدما أشهر إسلامه، وسافرت معه للخارج.

أذكر عندما اتصل بي صديقي العزيز مفيد فوزي، وأنا محافظاً للأقصر، ليبلغني أن صديقته الفنانة إيمان، تخطط لزيارة الأقصر للاحتفال بعيد ميلاد زوجها، بصحبة أصدقائه من عدد من البلاد الأوروبية، ورأيت ضرورة الاهتمام بهذه الزيارة. وبالفعل اتصلت بي الفنانة إيمان، لتبلغني بنيتها مفاجأة زوجها بالاحتفال بعيد ميلاده في الأقصر، ودعوة عدد من أصدقاءه من مختلف أنحاء أوروبا. ووفقاً للموعد المحدد، وصل للأقصر 4 طائرات خاصة، من عدة دول أوروبية، تحمل مجموعة من أثرياء أوروبا، بعائلاتهم، وتم حجز فندقين عائمين لرحلة نيلية بين الأقصر وأسوان، ذهاباً وإياباً.

كانت الأقصر، في ذلك الوقت من العام، على درجة عالية من الاستعداد، كعادتها، في الموسم الشتوي. وما أن وصل الضيوف إلى مقر إقامتهم، حتى أبلغني مندوب المحافظة، أنه بعد ساعة واحدة، قد تم بيع كل ما هو موجود في بازارات الفنادق، وما حولها، حتى أن أصحابها ذهبوا لإعادة شراء أصناف جديدة، من الذهب والكليم والسجاد والمقتنيات الفرعونية والجلاليب والفضة والألباستر، وغيرها. وتكرر ذلك الموقف مرتين خلال الرحلة النيلية.

وفي أول ليلة لهم بالأقصر، كنت حريصاً على لقائهم، والترحيب بهم، فحضرت حفل العشاء، وطبقاً للبروتوكول، تحدثت للحضور مرحباً بهم، ولاحظت انبهارهم بالحضارة الفرعونية، ونهر النيل، ودفئ جو الأقصر الساحر، وعرضت باختصار خطه تطوير الأقصر، لأني شعرت بشغفهم لسماعها، بعد جولتهم الصباحية في المعابد والمتاحف والمقابر الفرعونية. وشرحت لهم فكرة بناء البيت النوبي، ليكون مزاراً للسائحين، للتعرف على تلك الحضارة المصرية القديمة؛ فقد كنت قد أنشأت لأهالي النوبة، المقيمين في الأقصر، أول كيان خاص بهم، هي منشية النوبة، بعد تهجيرهم أثناء بناء السد العالي. وهذا البيت النوبي الجديد، كان عبارة عن منزل كبير على الطراز النوبي، بألوانه الزاهية، ومعماره المتميز، يوجد في دوره الأرضي ورش عمل للصناعات النوبية، مثل السجاد، والكليم، والمشغولات الفضية، والأواني الفخارية، والملابس والإكسسوار الذي يميز المرأة النوبية. أما الدور الثاني، ففيه معارض لبيع هذه المنتجات، وتخصيص أرباحها لصالح أهالي النوبة، في الأقصر. وإحقاقاً للحق، يرجع الفضل في تدبير تمويل هذا البيت للوزيرة العظيمة / فايزة أبو النجا.

وبعد كلمتي، تحدث رجل الأعمال المهندس ماكس شيلدين، زوج الفنانة إيمان، المقيم حالياً في النمسا، شاكراً زوجته وأصدقاءه على تنظيم هذا الاحتفال، الذي لن ينساه طوال حياته، بجوار الآثار الفرعونية، على ضفاف النيل الخالد، ثم قرر أن تٌجمع هدايا عيد ميلاده، هذا العام، وتخصص قيمتها لصالح تطوير البيت النوبي في الأقصر. وبالفعل قامت الفنانة إيمان بجمع كل هذه المبالغ، من اصدقائهم، فور عودتها إلى النمسا، وأرسلتها لي بشيك إلى الأقصر، بعدما حصلت على موافقة السيد الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء آنذاك ، لقبول التبرع لصالح البيت النوبي. وأعتقد أن القصر، الذي تعيش فيه، حالياً، سمراء النيل، إيمان، في النمسا يحتوي العديد من الصور الجميلة للبيت النوبي، في الأقصر.

من تلك القصة الصغيرة، نتعرف على مفاهيم جميلة وبسيطة، فقد تأكدت أن من شرب من مياه النيل، يظل يدين بحب مصر، مهما ابتعد عنها لمسافات أو لسنوات، وهو ما أثبتته الفنانة إيمان، باختيارها الأقصر للاحتفال بزوجها. أما النقطة الثانية، فتؤكد أن السياحة لا تعتمد على الكم، ولكن تعتمد على الكيف، أي بنوعية السائح. ويكفي أن أشير إلى أن منظم هذه الرحلة، لتلك المجموعة، أكد لي أن أرباحه من تلك الرحلة، فاق كل ما حققه من أرباح في الموسم الشتوي بأكمله. والآن، ونحن نتباكى على السياحة الروسية، يجب أن نلفت الانتباه إلى أن السياحة الروسية تقوم على الأعداد الكبيرة، بنظام “All Inclusive”، أي أن السائح يحصل على إقامته وجميع وجباته ومشروباته مدفوعة مقدماً، فلا يضيف إليها قرشاً واحداً إضافياً، علماً بأن من يأتي من الروس إلى مصر هم الطبقات الأقل دخلاً في روسيا، بأسعار زهيدة، مما قلل من قيمة المنتج السياحي المصري.

بينما يعتمد العالم على نوعية السائح، فتقوم السياحة في دول العالم على نظام جديد هو "البوتيك أوتيل"، أي الفنادق الفخمة، ذات أعداد الغرف القليلة، التي تجذب الأثرياء حول العالم. هذا هو التوجه الحديث في السياحة العالمية، التي أتمنى أن نتبناه في قطاع السياحة المصرية مستقبلاً، بالاعتماد على النوعية في اختيار السائح، خاصة من الدول التي تحترم المقاصد السياحية المصرية، مع فتح أسواق جديدة مثل السياحة الهندية إلى مصر، واستعادة السائح الياباني والصيني، التي تعتبر دول واعدة لنا. وأعود لأكرر بأن السياحة هي مستقبل هذا البلد، وأهم مصادر دخله، فنحن نمتلك منتج ومزيج لا مثيل له بالعالم إلا في مصر؛ الماء والهواء والآثار، وينقصنا الاستراتيجية التسويقية المتطورة.

أضف تعليق

إعلان آراك 2