حورية عبيدة تكتب: «حنظلة في غزة»

حورية عبيدة تكتب: «حنظلة في غزة»حورية عبيدة تكتب: «حنظلة في غزة»

*سلايد رئيسى31-8-2018 | 00:33

هناك في غزة؛ وجدتُه مكتف اليدين، ومع ذلك يحمل الحجارة في مواجهة الخسة والجبن الصهيوني، صَبي غض مازال في العاشرة من عمره رغم أنه ولد منذ نحو 47 عاما! رث الثياب، حافي القدمين، يدير لي ظهره.. أسأله متى أرى وجهك؟ يجيب بتحدٍ ومرارة: عندما تصبح الكرامة العربية غير مهددة، وعندما يسترد العربي شعوره بحريته وإنسانيته، وقتها أدركتُ أنّي لن أرى وجهه في المستقبل القريب؛ فمازال الضمير الكظيم يعيش خيبات الحلم العربي، غير قادر على تجاوز أزمنة الغباء التي نحياها.

إنه حنظلة، تلك الشخصية الخيالية التي رسمها الصحفي ورسام الكاريكاتور الفلسطيني "ناجي العلي" الذي تحل ذكرى وفاته بعد أيام، حيث اغتاله الموساد في لندن والذي لم يترك إرثاً سوى الكرامة العربية.. فهل ترانا ورثناها؟!

وُلد ناجي العلي بقرية الشجرة بين طبريا والناصرة بفلسطين عام 1937، وحينما وصل العاشرة من عمره؛ دك الصهيوني الغاشم بلدته، واعتقله بتهمة معاداة الاحتلال، فكتب على جدران زنزانته "لفلسطين طريق واحد وحيد هو البندقية"، هاجر مع أسرته إلى مخيم "عين الحلوة" بلبنان، فاعتقله الجيش اللبناني، تلقفته حواضن المدن في طرابلس والكويت وبغداد والقاهرة ولندن، وأصبح ضمن أشهر 10 رسامين لفن الكاريكاتور في العالم.. وبفضله صعد هذا الفن لأعلى مراتب العمل الصحفي، رسم أكثرمن 40 ألف كاريكاتور لم يهادن أو ينافق فيها أحداً، لذا حمل على كاهله رقماً قياسياً في عدد التهديدات التي وصلته.

ابتكر ناجي شخصية حنظلة عام 1969 كرمزٍ للصمود والاعتراض والتحدي والضمير الذي لايجب أن يغيب، المعجون بالفقر والحرمان والاضطهاد والبؤس الذي تعاني منه المخيمات الفلسطينية، إنه التاريخ الحي الشاهد، نبض الحجارة، الحلم والأمل واليأس الذي يعيشه عالمنا العربي، كان يقول عن نَفْسه: "أنا إنسان عربي فقط، اسمي حنظلة، لايهم اسم أبي، أمي اسمها النكبة، ومقاس رجلي لاأعرف لأني دائما حافي، ولدت في حزيران / يونيو 1967".

كان حنظلة بمثابة التوقيع على رسوماته، والأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف العربي، قال ذات مرة: "حنظلة هو أيقونة روحي التي تمنعني مِن السقوط، إنه البوصلة التي تشير دائماً لفلسطين ولن ينتهي من بعدي، سأستمر به بعد موتي".

ابتكر شخصية فاطمة؛ تلك الأم الفلسطينية التي لاتهادن، وشخصية "السمين" الذي يزحف بمؤخرته العالية مشيراً للقيادات الفلسطينية والعربية المرفهة والخونة والانتهازيين، كما رسم الجندي الصهيوني المرتبك أمام الحجارة.

منأقواله: "أنا متهم بالانحياز، تلك تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم تحت"، "اللي بِدّو يكتب ويرسم عن فلسطين بِدّو يعرف حاله ميت"، "الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة".. وحين سُئل عن حنظلة قال: "سيظل دائماً في العاشرة؛ تلك السن التي غادر فيها فلسطين، وحين يعود سيكون في العاشرة، ثم يبدأ يكبر، لذلك فهو استثناء، كما أن فقد الوطن استثناء".

وعن سبب تكتيف يديه قال: "كتفتُ يده بعد حرب أكتوبر؛ بسبب التطبيع مع التسوية الأمريكية، فليس من حق أكبر رأس أن يوقع وثيقة اعتراف واستسلام لإسرائيل فذلك خط أحمر".

ناصبَ بعض الأنظمة العربية العداء؛ خاصة تلك التي رأها تبيع القضية، فكان يقول لهم: "لكم فلسطينكم؛ ولي فلسطين".

عنه قال الأبنودي: يا قبر ناجي العلي يادي الضريح.. كان ميّتك للأسف وطني صريح.. ورثاه أحمد مطر قائلا: اصعد؛ فموطنك السماء، إن الأرض للجبناء.. وعنه يضيف محمود درويش: ناجي يقطر؛ يدمّر؛ يفجّر؛ دائما يتصبب أعداءً.. وله ألّف الكاتب الفلسطيني شاكر النابلسي كتابه: "أكله الذئب".

ماتابنا لأكرمين المتيقظ دائماً، السّاهر على حراسة القضية والأمة، مات وهو يغرد خارج سرب السقوط، مات تاركاً حنظلة في غزة الآن وحده؛ يواجه عدونا الصهيوني، متسلحاً بحجارته المقدسة، يحاول أن يلبس الأمة لبوس العزة.. فهل ترانا نستحقك يا حنظلة ونحن جلوس في مقاعد المتفرجين في سينما الخزي والبلادة العربية لا نحمل في أيدينا سوى أكياس الدموع نتجرعها على ما يحدث في غزة الآن؟!

أضف تعليق

إعلان آراك 2