كتب: فتحى السايح
يقدم الدكتور ابراهيم البحراوى استاذ الدرسات العبرية وخبير الشئون الإسرائيلية بآداب عين شمس عقب مشاهدته فيلم (تراب الماس) تأليف أحمد مراد، رسالة لمحبى التاريخ مكونة من لمحتين تاريخيتين، عن دور جهاز المخابرات الإسرائيلى (الموساد) فى تجنيد اليهود المصريين عام ١٩٥٤ وعن دور بعضهم فى مساندة العدوان الثلاثى (البريطانى والفرنسى والإسرائيلى) على مصر عام ١٩٥٦. الأهم عند الدكتور البحراوى لمحة عام ١٩٥٦ التى ظهرت فى الفيلم فى لقطة سريعة يقوم فيها صانع وجواهرجى الماس اليهودى المصرى بالصعود إلى سطح بيته فى حارة اليهود بالقاهرة ليعطى إشارات ضوئية إرشادية فى الظلام الدامس أثناء الغارات الجوية على القاهرة لطائرات العدوان.هذه اللقطة أكملتها لقطة أخرى لصورة إحدى صحف القاهرة آنذاك بها خبر عن اكتشاف وضبط هذا النوع من الخيانة للوطن.
ويشير الدكتور البحراوى إلى أن هذه اللمحة جاءت بعد لمحة أخرى شهيرة ومعروفة- مؤكدة وموثقة تاريخيا- سبقتها فى الزمن بعامين وقعت عام ١٩٥٤ عن شبكة التخريب التى كونها اثنان من ضباط الموساد فى مصر من بعض الشبان والرجال اليهود المصريين مع شابة يهودية.
ويشير الى انه جاء تكوين الشبكة نتيجة للخوف الإسرائيلى من نجاح الضباط الأحرار فى النهوض بمصر وبالتالى استهدفت الشبكة إجهاض تجربة النهضة المصرية عن طريق إحداث الفوضى وذلك بتنفيذ سلسلة تفجيرات لمنشآت بريطانية وأمريكية وأخرى حيوية لمصر مثل هيئة البريد ومحطات السكة الحديد ودور السينما بالإسكندرية والقاهرة. كان مخطط الشبكة يعتمد على إلقاء تهمة التفجيرات على القوى الداخلية من ناحية والإساءة لعلاقات نظام ثورة يوليو مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا من ناحية أخرى أملا فى إقناع بريطانيا بعدم سحب قواتها من مصر وبقاء احتلالها للبلاد مستمرا. هذه الشبكة كشفها البوليس المصرى بعد نجاحها فى إحداث تفجيرين بالإسكندرية وعرفت القضية دوليا باسم فضيحة لاڤون وهو وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك وأصبحت تاريخا موثقا ومؤكدا فى المصادر المصرية والإسرائيلية والبريطانية والأمريكية.
أما لمحة جريمة الخيانة عام ١٩٥٦ التى تبدو جديدة على المشاهدين والقراء فقد سبق له أن سمعها فى الحياة الواقعية عن مثل هذا الجرم الذى قام به جواهرجى الماس فى الفيلم عندما كان صبيا فى الثانية عشرة فى بورسعيد مسقط رأسه عام ١٩٥٦ ويوضح الدكتور ابراهيم البحراوى انه يجب أن يقول قبل أن يسجل شهادته هنا إنه لم يتسن له التأكد من هذا الجرم بالبراهين التاريخية كما حدث مع فضيحة لاڤون.
وقال انه سمع كثيرا من الناس فى بورسعيد؛ بعد نجاح قوات العدوان فى اقتحام المدينة فى شهر أكتوبر من ذلك العام؛ وهم يقولون إن الفدائيين قبضوا أثناء المعركة على عدد من يهود المدينة من سكان عمارة قطاوى باشا المليونير اليهودى وهم يقومون بتوجيه الطائرات المغيرة بالكشافات الضوئية أثناء الليل. كانت العمارة تقع فى تقاطع شارعى محمد على وأوچينى قريبا من المسجد العباسى.
ويطالب الدكتور البحراوى نظرا لاهتمامه بالبحث والتحقق التاريخى القائم على جمع الأدلة والبراهين لإثبات أو نفى الروايات الشفوية، من أصدقائه أساتذة التاريخ المصرى الحديث مثل الدكتور محمد صابر عرب والدكتور محمد عفيفى والدكتور أحمد الشربينى أن يكلفوا بعض طلابهم فى مرحلة الدكتوراة بإعداد بحث موثق ومؤصل عن تلك الفترة من تاريخ مصر الحديث ليكشفوا لنا الحقائق عن هذا الموضوع.
ويسجل الدكتور البحراوى ملاحظة لنفسه ولأصحابه عندما كان صبيا كلما كنا يمر على أطلال عمارة قطاوى المذكورة، فلقد كانت العمارة مدمرة من الداخل وطوابقها مهدمة ولكن حوائطها الخارجية كانت منتصبة تماما مثل سائر العمارات المملوكة للمسلمين والمسيحيين التى أحرقتها قنابل النابالم على امتداد شارع عبادى القريب منها وتركت حوائطها الخارجية قائمة. كان يسأل أصحابه ويتساءل: لماذا دمرت طائرات العدوان الثلاثى عمارة قطاوى المليونير اليهودى إذا كان بعض سكانها اليهود يستخدمون سطحها لإرشاد وتوجيه هذه الطائرات نحو مواقع الجيش المصرى.. ترى هل تم تدمير العمارة بطريق الخطأ بنيران صديقة أم أن هناك احتمالات أخرى؟. هذا ما أتوقع أن يجيب عنه باحثونا التاريخيون.