عرفتُ فوائد البكاء بعد إصابة عيني بالجفاف من جراء عملية جراحية لإزالة المياه البيضاء، والكلام عن الدموع يحتاج إلي أيام وليالٍ، فهناك دموع أزلَّت أعناقا وأخري رفعت رؤوسا، ودموع ثالثة سرقت قلوبا وعقولا، والفراعنة هم أول من أبدعوا في أساطيرهم عن الدموع، وأشهر موروثاتهم تحكي عن فيضان النيل أنه كان مجرد انسياب لدموع إيزيس علي مقتل قرة عينها أوزوريس علي يد شقيقه ست.
لكن الباكي تتهمه الثقافة العربية بالخزي، مثل من يرتكب فعلا مشينا، ويزجر أغلب العرب أطفالهم الذكور وقتما تذرف عيونهم الدموع بقولهم: "عيب أنت راجل لا تبكي".
وفي المجتمعات الغربية من حق الرجال البكاء، ولا تواجههم أي نظرة دونية، يبد أن الحقيقة العلمية تؤكد أن النساء تفوقن علي الرجال في البكاء بنسبة 60%، وعلة كثرة بكائهن لا تزال عصية علي العلم، وأرجع بعض العلماء ارتباطه بإنتاج لبن الأم.
ولابد أن يقترن مع ذكر الدموع عبارة دموع التماسيح، ويرجع أصلها إلي تقديس قدماء المصريين للحيوانات، وحازت التماسيح احترام المصري القديم، وسجل دموع التماسيح في رسوماتهم علي الجدران، وتوارثتها عنهم أجيال ورا أجيال، وأطلقوها علي الدموع المزيفة، التي تخفي شرورًا خلفها، غير أن العلم حديثا قال كلمته الفاصلة عنها، ووضح أن الدموع يذرفها التمساح عندما يكون بعيدًا عن الماء وقتا طويلا حتي يحمي عينيه من الجفاف، وفي قول آخر قال العلماء إن دموع التماسيح تنهمر أثناء مهاجمته لفريسته، وفسّروا ذلك بمثابة حيلة منهم لجذب فرائسهم، أو قد يكون بسبب تضرعهم من الجوع، ويتأسي المجرمون بهم في خداع ضحاياهم.
ويخبرنا موقع منظمة "كيفلاند كلينك" الطبية العالمية أن الدموع تساعد علي الرؤية الواضحة، وتغسل العين من الأتربة، وتكافح الالتهابات، وعند تحليل الدموع يظهر احتواؤها علي ثلاث مكونات من مخاط وماء وزيت، أما المخاط يغطي سطح العين، والماء عبارة عن محلول ملحي بداخله بروتينات ومعادن، والزيت واق للعين، و الدموع بصفة عامة توصل الأكسجين للعين.
وأنصح الجميع: ابكوا حفاظا علي سلامة أعينكم، ولذا ابكوا من وقت لآخر؛ لأن في البكاء سبع فوائد، والبكاء العاطفي يعيد التوازن بشكل سريع، بشرط ألا يستغرق الشخص في البكاء، خشية إصابته باضطراب عصبي، ورسولنا الحبيب ذرف دموعه الشريفة علي فراق إبنه إبراهيم، وقال صلي الله عليه وسلم: "اقرأوا القرآن وابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا"، وقال عز وجل واصفا عباده الصالحين: "وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً".