​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: «نادي المشروم»

​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: «نادي المشروم»​​لواء دكتور سمير فرج يكتب: «نادي المشروم»

*سلايد رئيسى12-9-2018 | 22:20

كنت طالباً في كلية الحرب العليا، بالأكاديمية العسكرية، عندما تم استدعائي إلى مقر وزارة الدفاع، لمقابلة السيد الفريق صفي الدين أبو شناف، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، رحمه الله، الذي وافته المنية، منذ بضعة أشهر، الذي كان من خيرة رجال، وصفوة قادة القوات المسلحة ... واحداً من أبناء صعيد مصر، الذي حافظ على أصالته، وعلى طباع أهل الصعيد، وحظي باحترام الجميع، عسكريين ومدنيين، لنبل شخصه، ورفعة علمه، فكان من أكفأ من تولى هذا المنصب الرفيع، في تاريخ القوات المسلحة المصرية.

توجهت إلى اللقاء في الموعد المحدد، فأبلغني سيادته بترشيحي لأكون ضمن الوفد العسكري المصري، المُقرر سفره، في الأسبوع التالي، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لعقد اللقاء العسكري السنوي، الذي يتم في ذلك الوقت من كل عام، وتتبادل القاهرة وواشنطن استضافته. يهدف هذا اللقاء السنوي، بين الجانبين المصري والأمريكي، إلى بحث مطالب مصر من الأسلحة والمعدات العسكرية، خصماً من حساب المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، والتي تم إقرارها بواقع 1,3 مليار دولار أمريكي، بعد توقيع مصر على معاهدة السلام في كامب ديفيد، بينما تم إقرار مبلغ 3 مليارات دولاراً أمريكياً لإسرائيل كمعونة عسكرية. وجدير بالذكر، أن تلك المبالغ المقررة في شكل معونات عسكرية، أو حتى الاقتصادية منها، ليست جزءاً أو بنداً من بنود اتفاقية السلام، وإنما هي دعم من الولايات المتحدة الأمريكية، لكل من مصر وإسرائيل، للحفاظ على اتفاقية السلام الموقعة بينهما، برعاية أمريكية.

كان شرف لي أن يتم اختياري عضواً من أعضاء ذلك الوفد، فشاركت بجد واجتهاد، في اللقاءات التحضيرية التي تمت في القاهرة، لمدة أسبوع، قبيل السفر، لتجميع مطالب جميع وحدات القوات المسلحة المطلوبة من الجانب الأمريكي. وللعلم، فإن مبلغ المعونة العسكرية المقرر، لا يتم تحويل دولاراً واحداً منه إلى الخزانة المصرية، وإنما يتم تخصيصه فقط لحساب مصر، ويبقى في حساب الخزانة الأمريكية، للخصم منه لحساب الشركات والمصانع الأمريكية المُصنعة، وفقاً لما يتم اعتماده خلال هذه الاجتماعات، بعد طرح مطالبنا من الأسلحة والمعدات الأمريكية الصنع، والتباحث والتفاوض حولها، وعند إقرار الطلب، تخصم قيمته من إجمالي مبلغ المعونة، حتى نفادها. وهو ما يرد على ادعاءات بعض المضللين، خلال يناير 2011، من أن هناك من يتلقى عمولات من المعونة الأمريكية، في إساءة صريحة للقوات المسلحة المصرية.

وسافر الوفد العسكري إلى واشنطن، حاملين معنا كافة مطالب القوات المسلحة المصرية من الأسلحة والمعدات وقطع الغيار والتدريب. كنا، أعضاء الوفد المصري، نلتقي في تمام السادسة من صباح كل يوم للإفطار، قبل الانطلاق إلى مبنى البنتاجون في السابعة صباحاً، لبدء المباحثات في تمام الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساءً. يعود بعدها أعضاء الوفد إلى الفندق، وأبقى أنا ومعي أحد الزملاء من أعضاء الوفد المصري، لتجميع كل ما تم الاتفاق عليه خلال اليوم، ولا نعود إلى الفندق قبل العاشرة مساءً، استعداداً لبدء يوم جديد، وموضوعات جديدة، في صباح الغد. واستمرينا على ذلك المنوال، لمدة أسبوع، إلا في اليوم الأخير من المفاوضات، فقد عاد الوفد في الخامسة مساءً، وبقيت أنا مع الجانب الأمريكي، لتجهيز أوراق الاتفاق، في نسختين، الإنجليزية والعربية، التي واجهنا فيها بعض المشكلات، لوجود اختلافات في المصطلحات العسكرية، بين اللهجة العربية المصرية، ونظيرتها الأردنية، التي تمثل لغة معظم العرب في البنتاجون. انتهينا من تجميع وثائق الاتفاقية، التي تعدت 1000 صفحة، في الرابعة من صباح اليوم التالي. كنا على موعد مع توقيع تلك الاتفاقية، بعد ساعات قليلة، فاقترح أعضاء الجانب الأمريكي، أن نتوجه إلى أحد المطاعم القريبة من البنتاجون، لتناول الإفطار، بدلاً من عودتي إلى الفندق، وهتف أحدهم "ولنحتفل بانضمام سمير فرج إلى نادي المشروم" (Mushroom Club)، وتحمس الآخر، وطلب المطعم لتجهيز "تورتة المشروم"!

تساءلت بالطبع عن معنى مصطلح "نادي المشروم"، فعلمت أنه من أغنى النباتات قيمة، لاحتوائه نسبة عالية من البروتين، تتفوق على النسبة الموجودة باللحوم الحمراء، وبالرغم من ارتفاع القيمة الغذائية لذلك النبات، إلا أنه تتم زراعته في الظلام ليلاً، فلا يراه أحد عند الزراعة، ويزرع في أرض طينية جداً، تتطلب ارتداء الأحذية البلاستيكية الطويلة، للتحرك على الأرض الطينية، وكذلك عند حصد النبات، فإنه يتم ليلاً، أيضاً، قبل سطوع الشمس التي قد تقضي على فوائد النبات ... وهو ما يشير إلى أن أعضاء هذا النادي، أشخاص رائعون، يعملون في ظروف صعبة، ولا يراهم أحد، وينهون عملهم بعيداً عن الأضواء، تماماً مثلما لا ترى أي ممن ساهم في زراعة المشروم، عند تقديم طبق منه على المائدة. وصاح زميل آخر، من الجانب الأمريكي، قائلاً، أن العظماء هم من يصنعون النجاح، بعيداً عن الأضواء، ثم هنأني بانضمامي إليهم في "نادي المشروم"، مثنياً على دوري في الأيام الماضية، ثم أهدوني شعار المشروم لتثبيته على الجاكيت، قبل أن نعود إلى البنتاجون، لنبدأ مراسم توقيع الاتفاق.

وقبل البدء همس أحد الضباط الأمريكان في أذن رئيس الأركان الأمريكي، يبلغه بانضمامي إلى "نادي المشروم"، فتقدم لي مهنئاً، وتعجب الفريق صفي الدين أبو شناف من هذا المصطلح، فشرح له السيد رئيس الأركان الأمريكي المقصود به، وأنه نادي اعتباري، يجمع العاملين باجتهاد وإخلاص، بعيداً عن الأضواء.

وبالرغم من أن عملي ضمن هذا الوفد العسكري القدير، كان دوراً مكملاً لمجهوداتهم، ومباحثاتهم، ومفاوضاتهم البناءة، إلا أنني قصصت تلك القصة، لأقول إن أماكن أخرى كثيرة تعج بأعضاء "نادي المشروم"، العاملون بجد، متوارين عن الأنظار، ولا يعلم أحد عنهم شيئاً، وما أن تضاء الأنوار احتفالاً بعملهم، حتى يظهر أناس آخرين، ألقبهم أنا شخصياً، بأعضاء "نادي البراويز"، وهم كثر في هذه الأيام.

Email: [email protected]
أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2