كتبت: شيماء فاروق
كشفت ثورات الربيع العربي عن العديد من التناقضات بداخل المجتمعات العربية ما جعلها تبرز أمراضًا اجتماعية دفينة بداخلها, ولعل ذلك من الآثار التراتبية التي نتجت عن حملة التغيير والمساحات الواسعة للحرية والتعبير عن الرأي
حصاد ممارسات جماعة الإخوان وتصاعد الإلحاد
فكانت ظاهرة الإلحاد من ضمن الأمراض المجتمعية التي تنامت, ووفقاً لاستطلاع معهد جالوب ، تصدرت مصر مرتبة عالية في التدين وصلت إلى 100% في حين أن دراسة أخرى أجريت في أواخر 2012 وجدت أن نسبة التدين وصلت إلى 77% ومن هنا يلاحظ انخفاض نسبة التدين مع تصاعد حرية التعبير والرأي.
ولكن ثمة ظاهرة تزامنت مع تصاعد نسبة الإلحاد ألا وهي صعود تيارات الإسلام السياسي, فهل هناك علاقة ارتباطية ما بين صعود الإسلام السياسي لسدة الحكم وتصاعد معدلات الإلحاد, العلاقة المنطقية تقول إن وصل الإسلام للحكم يجب معه ارتفاع مستويات التدين وانخفاض معدلات الإلحاد .
ولكن وصول دعاة الدين للحكم كشف زيف المبادئ والشعارات الدعوية التي كانت تدعيها تلك الجماعات فجماعة الإخوان المسلمين أنشأت حزب الحرية والعدالة في يونيه 2011 واستطاعت أن تحصل على الأغلبية البرلمانية(216مقعدًا من 508 مقاعد) في انتخابات مجلس الشعب وبالتالي ساهم ذلك في ظاهرة غير مسبوقة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بتولي القيادي الإخواني "سعد الكتاتني" رئاسة مجلس الشعب وأعقبها ترأس الجماعة للقصر الرئاسي هذه النقلة المفاجئة فى قدرات جماعة الإخوان الحديثة مؤسسياً .
كان ذلك كفيلًا بتوضيح كذب شعاراتها في ادعاء الإصلاح, وتطبيق الديمقراطية, والشريعة الإسلامية ومن ثم أحدث صدمة مجتمعية جعلت الجهر بالإلحاد هو قمة المبادئ والرقي ، لعل ذلك ليس ببعيد ففي العصور الوسطى للقارة الأوروبية مع سطوة رجال الكنيسة واستيلائهم على السلطة تسببت في حروب طويلة دامت ثلاثين عاماً, مما نتج عنها البروستانتينة (حركة احتجاجية) والتي صٌنفت من قبل الكنيسة الكاثوليكية على أنها خارجة عن المسيحية, كما تعالت عقب الحرب الدينية في أوروبا صيحات "فصل الدين عن السياسية" حتى وصلت الفكرة لإنكار وجود الإله ومن هنا حركات التغيير أغلبها سببت ظهور مساحات واسعة للتعبير وإبراز قضايا المجتمع.
أكثر الدول في ارتفاع نسبة الإلحاد في المنطقة العربية الدول الدينية:
ولكن بالنظر إلى تقرير أصدره معهد جالوب الأمريكي في 2012 أن أكثر الدول الإسلامية ارتفاعاً في معدلات الإلحاد كانت السعودية والتي قدرت بحوالي 6%, بالرغم من أن المملكة العربية السعودية هي واحدة من الأعمدة الأساسية للدين الإسلامي وأكثرها حرصاً على تطبيق الشريعة الإسلامية.
وهنا نتساءل لماذا ترتفع نسبة الالحاد في المنطقة العربية؟
إن تفسير تنامي الإلحاد يحتاج إلى دراسة العديد من الجوانب الفلسفية والنفسية والاجتماعية والسياسية ولكن نركز هنا بالأساس على أحد العوامل السياسية وهي "ازدواجية المعايير" التي أصابت المجتمعات الإسلامية وأفقدت المواطنين الثقة في القيم والمبادئ التي ينادي بها رجال الدين ويخالفونها في أفعالهم ومن هنا كانت الصدمة التي خلخلت البناء الاجتماعي والعقائدي.
كيف أصبح صعود التيارات الإسلامية و تصاعد الإرهاب وجهان لعملة واحدة ؟
إن ذلك التساؤل لاتمكن الإجابة عنه في تلك السطور الضئيلة فالإسلام المسيس والإلحاد وجهان لعملة واحدة وهي "الفوضى الفكرية" ولكن العامل الحاسم هو ثورات الربيع العربي حيث كشفت عن مدى الخوف الذي مارسته الأنظمة السياسية وقدرتها على جعل الرأي العام كامناً ، ولكن مع وجود مساحات من الحرية نستطيع القول إنها حولت الرأي العام إلى رأي ظاهري استطاع فيه المواطن التعبير عن رأيه بكل حرية حتى في معتقده الديني والإعلان عن إلحاده بالله وبكل القيم الإسلامية التي أوضحت زيف مبادئها عقب سقوط جماعة الإخوان المسلمين في 30 يونيه 2013 وتصاعد عمليات القتل والتفجيرات, وفي ظل ضعف الخطاب الديني أو على الأرجح غياب الخطاب الديني أصبحت نسبة الإلحاد في تصاعد مستمر, كما صرح مفتي الجمهورية الدكتور شوقي علام بأنه تصاعدت نسبة الإلحاد بعد تولي جماعة الإخوان المسلمين نتيجة رفعها شعار "الإسلام هو الحل" وأن فشل الإخوان هو بمثابة فشل للإسلام وهذه دعاوى خاطئة.
فقد وصل عدد الملحدين في 2014 وفقاً لمعهد جالوب بمصر 866 ملحدًا والعدد في تصاعد نتيجة التشوهات الفكرية لدى الشباب والخلط ما بين الإسلام السياسي( الإخوان المسلمين والسلفية وخطابهم المتطرف وإباحتهم قتل النفس البشرية ورفض الآخر), وبين الدين الإسلامي وتعاليمه السمحة.
ومن هنا لابد من صياغة خطاب ديني معاصر يستخدم الوسائل الحديثة لمخاطبة الشباب وتصحيح المفاهيم الدينية لتواكب متغيرات العصر, والفصل بين الممارسات السياسية لرجال الدين ومبادئ الدين في حد ذاتها لمواجهة الخلل في البناء الاجتماعي المصري بصفة خاصة والعربي بصفة عامة.