" أبو نسب ".. كوميكس المجرم وطبيب الأطفال !

" أبو نسب ".. كوميكس المجرم وطبيب الأطفال !محمود عبد الشكور

الرأى7-1-2024 | 15:42

هذا الفيلم الذي عرض فى الأيام الأخيرة من العام 2023، هو أفضل أفلام الثنائي محمد عادل إمام ، و ياسمين صبري ، وكانا قد ظهرا معا من قبل فى فيلمين هما " جحيم فى الهند "، و" ليلة هنا وسرور "، وهذا هو فيلمهما الثالث بعنوان " أبو نسب " من تأليف أيمن وتّار، وإخراج رامي إمام.

ورغم أن بداية الفيلم تذكرنا بفيلم " ليلة هنا وسرور "، ولكن بشكل معكوس، حيث تخفي الزوجة سرا خطيرا يؤدي إلى هجوم على حفل زفافها ، فإن " أبو نسب " يقترب جدا من مفهوم سينما الكوميكس، التي تتيح خيالا واسعا فى السرد، إن كانت هناك بعض الملاحظات، إلا أنه بالتأكيد أكثر إحكاما وإضحاكا ، كما أنه لم يفلت الخط الإنساني، فى علاقة الأب المجرم بابنته، بل إن دور الأب أتاح ل ماجد الكدواني أن يقدم أحد أفضل أدواره فى السنوات الأخيرة، هو عامود الحكاية، وأبرز عناصرها، وكان يقدم أداء منضبطا طوال الوقت، يضحكنا ويجعلنا نتأمل تلك العلاقة الإنسانية الغريبة، لزعيم عصابة، نقطة ضعفه ابنته الوحيدة.

من ناحية أخرى، فإن الثنائي محمد إمام، و ياسمين صبري مقبول ولطيف، ومحمد إمام نفسه نراه هنا أفضل وأكثر ثقة فى نفسه، كما أن المخرج رامي إمام قدم عملا جيدا، مع عناصر مميزة أبرزها موسيقى خالد حماد، التي كانت تقدم معادلا لألعاب الحكاية المرحة، وتعبّر أيضا عن بعض اللحظات الإنسانية المؤثرة.

قبل أن أحدثك عن الفيلم، لا بد من الكلام عن هذا المصطلح "سينما الكوميكس"، والذي كتبت عنه من قبل، فقد تأثرت أفلام الحركة والكوميديا المصرية بالأفلام الأمريكية المأخوذة من القصص المصورة، وسواء كان هذا التأثر مقصودا، أو بشكل غير مباشر، فإنه واضح وملموس.

القصص المصورة، كما نعرف، قد تنطلق من الواقع، ولكنها تصنع عالما موازيا فيه كثير من الخيال، مما يتيح حرية فى التعبير، وكثير من المبالغة، وربما الفانتازيا أيضا، مع تنميط فى الشخصيات، وتبسيط كامل لصفاتها، بما يشبه حكايات الطفولة، ولكن بطريقة أكثر تعقيدا، مع تحميل القصة أفكارا أكثر أهمية وعمقا.

فى "أبو نسب" ملامح كثيرة مما ذكرناه، فبينما تتكرر فكرة التورط بين شاب وزوجته دون معرفة أن والد الزوجة مجرم خطير، وبينما يمتليء الفيلم بالمطاردات، والمشاهد الكوميدية المرحة، فإن مغزى الحدوتة التي تشبه بلعبة القط والفار، يرتبط أكثر بعلاقة الفتاة داليا ياسمين صبري ، بوالدها داود ماجد الكدواني ، الذي خرج من السجن يوم زفافها، على عريسها علي محمد إمام ، طبيب الأطفال الساذج، وهي كما ذكرت معكوس لعبة "ليلة هنا وسرور"، فقد كان محمد إمام فى "ليلة هنا وسرور"، هو النصاب، الذي أخفى سر نشاطه عن زوجته ياسمين صبري، وفي الفيلمين تنطلق المواقف الكوميدية من فكرة التناقض الكامل بين عالم بريء، وعالم إجرامي.

لكن أيمن وتار، وهو كاتب مميز جدا فى الكتابة الكوميديا مع تفاوت مستوى أعماله، لم يتوقف عند كتابة مشاهد كوميديا موقف جيدة، ولكن جاء مصدر التميز فى دراسة شخصية الأب بشكل أعمق.
هناك بالطبع قسوة الأب كمجرم ووجود معاونين له يقدمهم الفيلم بشكل كارتوني ضاحك، مثل كيلاني (محمد لطفي)، وعفارم (علاء مرسي)، كما يقدم أسماء رجال العصابات بشكل ضاحك، مثل متناوي وأبو طرية والناشف، ويقدم أيضا عالم العصابة فى المزرعة بشكل فيه الكثير من الخيال والابتكار، وخصوصا فيما يتعلق بمراقبة داود لزوج ابنته.

بالإضافة إلى كل ذلك، فإن شخصية الأب تقدّم أيضا بكل نقاط ضعفها، فهو يشعر بأن ابنته ملكه، ولا يجب أن يلمسها أحد، حتى لو كان عريسها، وهناك غيرة خفية من الأب لأن ابنته تحب زوجها علي، بينما يراه داود غير جدير بالزواج من ابنة مجرم محترف، الزوج علي من ناحيته يقرر أن يتراجع عن الزواج، عندما يعرف أن والد زوجته مجرم كبير، ولكنه أيضا يحب داليا، ويريد أن يساندها، ولو من باب التحدي، وكل ذلك منح الحبكة ثقلا أفضل رغم الإطار الخفيف، كما أنه جعل الصراع متعدد المستويات، ليصل إلى ذروته فى النهاية، عندما تصبح داليا فى مواجهة الاختيار بين التخلص من الأب، أو من الزوج، وخصوصا أنها صارت مرتبطة بهما معا.

توازنت أيضا متطلبات النوع (أكشن كوميدي) فى سبيكة واحدة، فالتناقض الحاد بين طبيب أطفال، وبين مجرم وقاتل محترف، أطلق كثيرا من الضحكات، ومطاردات رجال العصابات المستمرة، حققت مشاهد أكشن كثيرة فى مكانها، وصولا إلى مشهد المواجهة الأخير، أما محاولات داليا تحقيق التوافق بين زوجها ووالدها، فقد أثمرت مواقف أقرب إلى المسخرة، أفضلها مشهد دخول الزوج على اجتماع رجال العصابات مع داود، حاملا معه أكواب السحلب، فى محاولة لاسترضاء حماه، وبينما يبدو داود شرسا وقاسيا مع خصومه، إلا أنه يتحول إلى كائن ضعيف للغاية فى مواجهة ابنته، بل وتظهر دموعه أخيرا، ويخرج الطفل من داخله فى النهاية، وأعتقد أن شخصية داود التي لعبها الكدواني من أفضل شخصيات مجرمي أفلام الكوميكس المصرية، ومن أكثرها ثراء وظرفا، إنسانيا وكوميديا، وخصوصا مع أداء ماجد البديع للشخصية.

يمكن قراءة قصة الكوميكس هذه عموما من زاوية اكتشاف الطفل داخل الشخصيات الكبيرة، بل إن الفيلم يبدأ وعلي نفسه يتأرجح مثل طفل فى الهواء، ويقدم دبلة الزواج لداليا، بينما يقذفه الأطفال فى الأسفل بالحجارة، فتسقط الدبلة، لتدخل فى فم طفل يفتح فمه، وهو مشهد كوميكس بامتياز، كما يتكرر بكاء الرجال طوال الفيلم، مثلما فعل رجل عصابة يلعب دوره حاتم صلاح فى عيادة علي، بل ويقول المجرم إنه كان يريد أن يصبح راقص باليه، ويبكي داود نفسه كطفل على صدر علي، ولا ننسى أن أزمة داود مع منافسه (ماجد المصري) سببها رفض داود قتل عدة أطفال.

هي لعبة إذن عن الطفل الذي لم يمت داخل تلك الشخصيات، قدمت بكثير من الخيال والخفة واللعب، وبتعاطف كبير مع الشخصيات الثلاث : داليا وعلي وداود، الى درجة أن المشاهد كان سيحزن بالتأكيد لو ماتت إحدى الشخصيات.

هناك مع ذلك ملاحظات كان يمكن أن تجعل الفيلم أكثر إحكاما، فالأفضل أن يرغم داود علي على الزواج، لا أن يقتنع الزوج بذلك، والأفضل ألا يدخل البوليس على الخط، لأننا أمام عالم موازي كامل ومغلق، وظهور البوليس هو أضعف ما فى الفيلم، وخصوصا أنه ظهر فقط مع وجود جثة فى عيادة علي، بينما لم يحرك ساكنا أمام معارك بالرصاص فى حفل الزفاف، أو فى الشارع، وبالمناسبة، فإن مشهد إطلاق العصابات الرصاص فى حفلات الزفاف صار متكررا، كما رأينا من قبل فى " ليلة هنا وسرور "، وفي فيلم "تسليم أهالي"، والآن نراه فى "أبو نسب"، كما بدا رجل البوليس أقرب إلى الشكل الواقعي المعروف، بينما يفترض أن يأخذ أيضا الشكل الخيالي الكاريكاتوري، لو كان من الضروري أن يكون جزءا من لعبة الكوميكس المرئية هذه.

من المهم أن يدرك صناع الأفلام مستلزمات هذا الشكل الخيالي، وأعتقد أن صناع " أبو نسب "، كانوا واعين بذلك، سواء من المشهد الافتتاحي، أو من رسومات الشخصيات فى العناوين، أو عبر موسيقى خالد حماد، فقدموا عملا مرحا وخفيفا ومسليا، يحرك الشخصيات مثل الكارتون، فيها بعض التنميط، ولكن الفيلم يبرز أيضا مشاعرها وإنسانيتها، ببساطة آسرة، وبكثير من الخيال والخفة.

أضف تعليق