طفولة معذبة وشباب مضطرب كان هذا ملخص حياة الملك لويس السادس عشر، ملك فرنسا، الذي لم تكن حياته وردية بالرغم من أنه ترعرع في القصور وبين الحدائق الغنّاء حتى انتهت بمأساة إعدامه بالمقصلة في مثل هذا اليوم في 21 يناير 1793
حياته ونشأته
عندما توفي والده بمرض السل في 20 ديسمبر عام 1765، أصبح لويس أغسطس دوفان فرنسا مع أن عمره 11 عاما. لم تشف والدته من فقدان زوجها إطلاقًا، وتوفيت في 13 مارس عام 1767 بعد إصابتها أيضًا بالسل الرئوي. تلقى لويس تعليما صارما ومحافظا من دوق فوغويون (أو حاكم أطفال فرنسا مثلما يكنى)، منذ عام 1760 وحتى زواجه في عام 1770، لكن دوق فوغويون لم يحضره لاستلام العرش الذي ورثه في عام 1774 بعد وفاة جده لويس الخامس عشر. تلّقى لويس أغسطس أثناء تعليمه مزيجا من الدراسات التي تركز على الدين والفضيلة والإنسانيات. قد يكون لمدرّسيه دورٌ مساعد في تكوين شخصيته التي تميزت بكونه ملكا مترددا. علّمه مدرّسه الراهب برتير أن الحياء من القيم التي يتميّز بها الملوك الأقوياء، وعلّمه الراهب سولديني، وهو كاهن لويس المختص بالاعتراف، ألا يدع الناس تقرأ ما يدور في ذهنه.
في 16 مايو 1770، ولتكريس التحالف القائم آنذاك بين فرنسا والنمسا، تزوّج من الأرشيدوقة النمساوية ماري أنطوانيت ابنة ماريا تيريزا وإمبراطور رومانيا فرانسيس الأول، غير أن هذا الزواج لاقى معارضة كبيرة في المجتمع.
حكمه
تولى عرش فرنسا في العاشر من مايو 1774 بعد وفاة جده لويس الـ15، ولم يكن مهيئا لتولي الحكم بعد، فوُصف بأنه لم يكن قوي الشخصية ولا حازما في قراراته، مما لم يساعده في التصدي للفاسدين داخل البلاط، أو حتى في دعم الوزراء الإصلاحيين.
ومما روي عنه أنه يوم انتشر في القصر خبر وفاة جده وتوليه هو العرش، وجد هو وزوجته في مصلاهما يتضرعان لله، وهو يقول "اللهم أعنا فنحن أصغر من أن نحكم".
نهاية عام 1774 ألغى لويس الـ16 قرار جده في الحد من صلاحيات البرلمان، وأبطل العبودية وألغى ضرائب، بينها الضريبة على الأرض وضريبة العمل، وأوقف حكم الإعدام بحق الفارين من الخدمة العسكرية، وأمر بتعزيز التسامح مع المسيحيين غير الكاثوليك.
كانت هذه الخطوات بمثابة إعلان للعداوة مع طبقة النبلاء الفرنسيين، وفعلا تصدوا لهذه الإصلاحات ومنعوا تطبيقها، وأوقفوا ميل لويس الـ16 إلى تحويل الملكية الفرنسية إلى ملكية دستورية.
في تلك الفترة انتشر الجوع بين عامة الشعب الفرنسي (أطلق عليهم الطبقة الثالثة) بسبب شح المواد الأساسية كالخبز وارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية.
ممهدات الثورة
وافق لويس الـ16 على الدعم العسكري الفرنسي للمستوطنين الأميركيين في الشمال للاستقلال عن بريطانيا، وتم ذلك في معاهدة باريس عام 1789، لكنْ النفقات والدين الكبير اللذان ترتبا على الدعم كادا أن يفلسا البلاد.
وفي عام 1789 اقتحمت الجماهير الغاضبة سجن الباستيل في العاصمة باريس، واضطر الملك تحت تأثير تصاعد أعمال الشغب في الشارع إلى الاعتراف بالسلطة التشريعية للجمعية الوطنية (البرلمان).
فقرر لويس الـ16 فرض المزيد من الضرائب، وتم اعتقال نخبة كبيرة من المفكرين، غير أن طبقة النبلاء الإقطاعيين وطبقة الإكليروس احتكروا المال وهمشوا عامة الشعب وممثليهم في الجمعية الوطنية.
انتصار الثورة
أعلنت الجمعية الوطنية رفضها قرار الملك، ومنعت تنفيذ أي مراسيم يفرضها من دون أن تقرها الجمعية، فأصدر قرارا بحظر دخول النواب إلى مقر البرلمان.
في تلك الفترة زادت حالة السخط الشعبي على الحكم والنبلاء، فأشعلت شرارة الثورة لإنهاء النظام الإقطاعي، طلبا للتوزيع العادل لملكية الأرض وإلغاء امتيازات النبلاء.
تصاعدت الأزمة السياسية في البلاد، وعمت المظاهرات جميع أنحاء فرنسا، وأصبحت قصور الإقطاعيين هدفا للثوار من الفلاحين، فهرب معظم النبلاء خارج فرنسا خوفا على حياتهم.
شتت انتباه الملك مرض ابنه الأكبر ثم وفاته في الرابع من يونيو 1789، فلم يكن قريبا من الأحداث التي تدور حوله، ولم يضع في ذهنه الحاجة للتواصل مع النواب في الجمعية الوطنية لكسب تأييدهم لأنه اعتبرها إهانة لكرامة الملك.
في 14 يوليو 1789 اقتحم الثوار سجن قلعة الباستيل التي كان ينظر إليها بوصفها رمزا للسلطة الملكية في البلاد، وسيطروا على مخازن السلاح والذخيرة الموجودة داخل القلعة، وقتلوا محافظ السجن ماركيز دي برنارد، وقطعوا رأسه ووضعوه على رمح، وساروا به في شوارع المدينة.
أصدرت بعدها الجمعية الوطنية "إعلان حقوق الإنسان والمواطن"، الذي نص على الحق في الحرية والأمن والمساواة بين الجميع أمام القانون وتكافؤ الفرص، في وقت فشل فيه الملك في محاولة تأسيس مَلكية دستورية.
نص الإعلان أيضا على مبدأ الحكومة التمثيلية والسيادة الشعبية، أي أن السيادة للشعب وليست للملك، كما عملت الجمعية على إلغاء الامتيازات الإقطاعية، وأقرّت توزيع الضرائب بين أفراد الشعب بالتساوي دون تمييز طبقي وأمّمت أموال الكنيسة وأراضيها باعتبارها ملكا للشعب.
وفي عام 1791 أصدرت الجمعية الوطنية دستورا جديدا، يضمن الحريات العامة، ويوزع السلطات توزيعا عادلا، ويؤكد على مبدأ فصل السلطات، والإبقاء على النظام الملكي مع تحديد سلطات الملك لويس الـ16.
مصير لويس السادس عشر
حاول لويس السادس عشر الهرب ولكنه لم يستطع وتم القبض عليه ومحاكمته، و في عام 1792 أعلن النظام الجمهوري إلغاء الملكية بالتزامن مع تصاعد التيار الثوري، وتمت محاكمة لويس الـ16 وإدانته بتهمة التآمر ضد الحرية والسلامة العامة، وحكم عليه بالإعدام.
نفذ الحكم يوم 21 يناير 1793 في ساحة الثورة (ساحة الكونكورد حاليا)، وتم دفنه في كاتدرائية سان دوني، في حين أعدمت ماري أنطوانيت يوم 16 أكتوبر من العام ذاته.