أصبحت المجتمعات تعانى من العديد من الأزمات الاقتصادية و السياسية والأمنية والغذائية والصحية وأخطر هذه الأزمات هى الأزمات الأخلاقية وذلك لأن الكثيرمن أخلاقنا وعاداتنا وقيمنا بدأت تختفى شيئاً فشيئاً ، فقد قلت مظاهر العفو و التسامح وأصبح الإنسان لا يهتم بمشاكل الآخر وأصبح العنف ظاهرة خطيرة من ظواهر العصر، إن الأمن المجتمعى والإنسانى عامل من أهم العوامل التى ُيقاس من خلالها استقرار وازدهار وتقدم الوطن وذلك لأن الأمن المجتمعى يُعد ضمانة أساسية للحفاظ على سلامة وحقوق الأفراد من كافة الأخطارسواء كانت داخلية أو خارجية ، وذلك ما يؤدى بدوره إلى بناء المجتمعات الحديثة ويُشجع مواطنيها على العمل و الإنتاج والإبداع ويساعد على الإستقرار والحفاظ على الهوية .
ويُعتبر التقدم التكنولوجى أحد أهم أسباب الأزمات الأخلاقية إذ لم يكُن السبب الرئيسى فيها، وذلك لأن أثر التكنولوجيا يختلف حسب تأثيراته وتوافقه وتجانسه مع البيئة الطبيعية وما فيها من ظروف مناخية ، وأيضاً التوافق مع الثقافات والعادات والتقاليد والقيم الاجتماعية ، أما ما يتناقض من تقدم وتكنولوجيا مع البيئة فمردودها سلبياً وله نتائج تضر بالمجتمع أضراراً جسيمة قد تكون مباشرة أو غير مباشرة من الناحية الصحية و الاجتماعية والاقتصادية .
وللتكنولوجيا تأثير كبيرعلى منظومة القيم الأخلاقية يتضح فى أكثر من مشهد و يُعتبر أخطرها هو تفكك الروابط الاجتماعية والأسرية حيث افتقدت الأسرة الحوار الإجتماعى بين أفرادها وأصبحوا يعيشون فى العالم الإفتراضى منشغلين كل منهم عن الآخر فالكل يعيش فى معزل عن ما يدور فى محيط عائلته حيث أصبح الاتصال العائلى أوالإجتماعى بكلمات قليلة بسيطة وأصبحت المقابلات العائلية تتم عن طريق تقنيات الفيديو من خلال شبكات التواصل الاجتماعى وأصبحت الأسر والمجتمعات تعانى أشد المعاناة من ضعف العلاقات الإجتماعية و العائلية وزادت الفجوات بين الأباء والأمهات وأبنائهم وكذا ما بين الأهل والجيران فأصبح المجتمع وكأنه مجتمع من الغرباء وضاعت مفاهيم التواصل والترابط المجتمعى.
وقد تزايدت وبشكل ملحوظ مظاهر اللامبالاة لدى العديد من فئات المجتمع بعدم الإهتمام بما يدور حولهم من مظاهر اجتماعية كانت تتم مراعاتها حيث كان الكل يحزن لحزن الكل ويفرح لفرحه ويتأثر بما يتأثر به من مشكلات ويشاركه فى كافة أزماته ، فأصبحت التكنولوجيا ووسائلها المتعددة تُلهى الناس عن الناس فى الجانب الإجتماعى وبات واضحاً الإنشغال بشكل شبه تام بالهواتف ومواقع التشتت الإجتماعى وعالمها الإفتراضى بل أصبح كل ما يمكن مشاركته مجتمعياً هو تصوير الأزمات وقت حدوثها لتسجيل السبق والنشر مما أدى الى زيادة معدلات نشر الحوادث بشكل سريع ومتلاق وهذا ما جعل الناس لا تبالى بما يحدث حولها من مشكلات .
كما أنه من الإستغلال الخاطئ للتكنولوجيا هو زيادة معدلات العنف المجتمعى كل الفئات العمرية فى المجتمع ، بين الأطفال والكبار، بين الأباء والأبناء ،وذلك لأن المشاهد العنيفة للجرائم فى مواقع النشر الحديثة عبر الأنترنت، والإنتشار السريع للألعاب التى تحتوى على الكثير من مظاهر العنف مما أدى إلى إحداث تغيير سلوكى لأفراد المجتمع ، وكما هو معلوم ان الوسائل التكنولوجية سهلت التواصل بين الجنسين وأن هناك العديد من العلاقات الغير مشروعة تنشأ على مواقع التواصل وذلك ساعد مع العوامل الإقتصادية وغياب الوازع الدينى والأخلاقى على انهيار الأسر وضياع القيم والمبادئ وتسببت بشكل مباشر فى أنهيار وتفكك المجتمعات.
وإن من أخطر مظاهر الإستغلال الخاطئ للتقدم التكنولوجى هو ان الكثير من الأشخاص يُعطون أنفسهم الحق فى التدخل فى حياة الآخرين بطريقة وشكل غير مما أدى الى تلاشى أساسيات الخصوصية والحرية الشخصية ، فأصبح الكل يراقب الكل بكاميرا وتسجيل يحتويهم ذلك الجهاز المحمول بكل يد مما يسمح لهم بتصوير وتسجيل كل شيئ ، وأخطر الأمور على الإطلاق هو استغلال التكنولوجيا فى الإضرار بالخصوم بإختلاق أمورغيرحقيقية لتشويه صورتهم المجتمعية وابتزازهم بذلك مما جعل المشرع يُجرم ذلك بإصدار تشريعات للحد من هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعاتنا وهو ما يسمى ب الجريمة الألكترونية .
ولابد من وضع ضوابط للحد من الآثار السلبية للتكنولوجيا على منظومات القيم الأخلاقية فى المجتمع وذلك بالعمل على ملف إعادة بناء القيم والوعى السليم ليتمكن أفراد المجتمع من مواكبة عوامل التقدم التكنولوجى بالشكل السليم والذى يتماشى مع هذه القيم والمبادئ ، وايضاً القيام بزيادة جرعات التثقيف المجتمعى لكافة الفئات العمرية فى المجتمع و رفع معدلات التنمية المهارية وفتح أفاق ريادة الأعمال ولابد من قيام الدور التنويرى للمنابر التعليمية فى المدارس والجامعات ودور المسجد والكنيسة وذلك بزيادة البرامج اللازمة لرفع الوعى وشحذ همم افراد المجتمع نحو زيادة المعرفة بالاثار السلبية والإيجابية للتكنولوجيا .