العالم يتساءل منذ أن فرضت محكمة العدل الدولية في (لاهاي)، على إسرائيل تدابير إجراءات مؤقتة، خلال الجلسة التي عقدتها للنطق بالحكم الأولي في القضية المرفوعة من جنوب إفريقيا بجرم الإبادة الجماعية، ويثور التساؤل في جميع أنحاء العالم حول ما إذا كان وقف إطلاق النار أصبح شرطاً ضروريا لتنفيذ ما قضت به المحكمة من تدابير مؤقتة تمنع إسرائيل من الإبادة الجماعية لسكان قطاع غزة بفلسطين على الرغم من عدم النطق به؟ أم أنه ليس شرطاً بحجة أن المحكمة لم تنص عليه صراحة؟
يذكر المفكر والمؤرخ القضائي القاضي المصري الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان على هامش دراسته السابقة :(التدابير المؤقتة فى فكر محكمة العدل الدولية عن جرائم الإبادة الجماعية والسيناريوهات المطروحة في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل) أن القراءة المتأنية فى قرار المحكمة بالتدابير والإجراءات المؤقتة التي فرضتها على إسرائيل وألزمتها بها يجد أنه لا يمكن تنفيذها عملاً إلا بوقف إطلاق النار فهي وحدها التي تمنع الإبادة الجماعية وبدونه لا يمكن تنفيذ التدابير فكيف نمنع القتل والدمار في ظل النار.!
ويذكر أن وقف إطلاق النار وإن لم تأمر به المحكمة فهو الشرط اللازم لوضع التدابير المؤقتة موضع التنفيذ وأن التدابير تستلزم من قادة إسرائيل التغيير في سياسة القتال والمساعدات الإنسانية، وأن قرار العدل الدولية مدمرًا ل إسرائيل ومحرجًا لأمريكا وانجلترا ووضع النظام العالمي والقواعد التي استنها منذ الحرب العالمية الثانية على المحك، وأن المحكمة وإن لم تأمر بوقف كامل لإطلاق النار لكنها منحت أوامر الحماية بمنع القتل والدمار فذهبت لأبعد من مجرد وقف إطلاق النار لأنه من مقتضيات منع إبادة شعب فلسطين بقطاع غزة.
ويضيف الدكتور محمد خفاجى، كيف يتحقق اتخاذ الإجراءات لمنع جميع الأفعال بما فيها القتل والتسبب بالضرر البدني وبالظروف التي تؤثر على الحياة والدمار المادى دون وقف إطلاق النار؟ وكيف يتم اتخاذ التدابير اللازمة لتقديم الخدمات والمساعدات الإنسانية فورًا وتحسين الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في غزة دون وقف إطلاق النار؟ وكيف يتم اتخاذ إجراءات فورية للتأكد من منع تدمير الأدلة حول مزاعم ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة دون وقف إطلاق النار؟ وكيف يتم معاقبة التحريض المباشر لارتكاب جرائم الإبادة الجماعية دون وقف إطلاق النار؟ ولماذا تلزم المحكمة إسرائيل بأن تقدم للمحكمة ما اتخذته من تدابير وفقًا للبنود السابقة خلال شهر واحد لترد عليه جنوب إفريقيا لولا أن وقف إطلاق النار هو الشرط اللازم ضمنا لتنفيذ كل تلك التدابير على مسرح الواقع العملى وميدان القتال.
ويشير إلى أنه يجب على إسرائيل أن تمتثل للحكم الرئيسي ل محكمة العدل الدولية الذي يأمرها ببذل كل ما في وسعها لمنع الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة، ويظل وقف إطلاق النار الفوري من جانب جميع الأطراف ضرورياً ولازماً وبدونه تصبح تدابير المحكمة حبراً على ورق! مما تأباه العدالة الدولية، وعلى الرغم من أن المحكمة لم تأمر به فهو الشرط اللازم لتنفيذ التدابير المؤقتة وإنهاء معاناة المدنيين في قطاع غزة.
والرأى عندى أن قرار محكمة العدل الدولية بالتدابير المؤقتة المشار إليها سيظل وصمة عار فى جبين إسرائيل وسيؤثر على مكانتها الدولية فى المستقبل القريب، وأن الزامها بتنفيذ تلك التدبير خلال شهر بما اتخذته من إجراءات سيتطلب تغييرًا كبيرًا في السياسة من جانب جيش الدفاع الإسرائيلي فيما يتعلق بالقتال، وأيضاً من جانب المستوى السياسي فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، لذا سيظل وقف إطلاق النار ضرورياً للقيام بتنفيذ التدابير المؤقتة التى أمرت بها المحكمة وفقاً لمبدأ حسن النية وحتى لا يتم إفراغها من مضمونها وتصبح خواء وهباء وهو ما يتنزه عنه المشرع الدولي.
كما أن قرار محكمة العدل الدولية يعد مدمراً ل إسرائيل ومحرجاً لأمريكا وانجلترا على وجه الخصوص وهما الحليفتان اللتان قللت من أهمية قضية جنوب إفريقيا، وأن قرار المحكمة لم يضع إسرائيل في قفص الاتهام فحسب، بل وضع النظام العالمى والقواعد التى استنها منذ الحرب العالمية الثانية على المحك، فالخطر الوشيك للموت والأذى والدمار الذي يواجهه الفلسطينيون في غزة اقتضى وضع تدابير مؤقتة ملزمة ل إسرائيل والمحكمة وإن لم تأمر بوقف كامل لإطلاق النار، لكنها منحت أوامر الحماية، بما في ذلك إنهاء قتل الفلسطينيين ومنع تدمير غزة، فذهبت إلى أبعد مما توقعه العديد من خبراء القانون الدولى من مجرد وقف إطلاق النار لأنها معنية أساسًا بمنع إبادة شعب فلسطين بقطاع غزة.