قاضٍ مصرى: عدم امتثال إسرائيل لقرار "العدل الدولية" يطيح بشرعية ميثاق الأمم

قاضٍ مصرى: عدم امتثال إسرائيل لقرار "العدل الدولية" يطيح بشرعية ميثاق الأممأطفال غزة

منذ أن أعلنت محكمة العدل الدولية عن حزمة التدابير المؤقتة الستة التى تضمنها قرارها التى تضمنها قرارها 26 يناير 2024 لمنع إبادة شعب فلسطين بقطاع غزة ووقف التدمير ويثور التساؤل حول العالم عن كيفية تنفيذ قرار العدل الدولية ضد إسرائيل ودور مجلس الأمن فى مسألة التنفيذ والعوار الذى تضمنته نص المادة94/2 من ميثاق الأمم المتحدة بالسلطة المطلقة له , خاصة وأن إسرائيل مستمرة فى إبادة شعب فلسطين بقطاع غزة وتدميره وإكراههم على التهجير القسرى وتحقق لديها " عدم الامتثال " لقرار المحكمة و"التحدى" له , وما الفرق بينهما ؟

يستعرض المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة على هامش دراسته السابقة بعنوان :(التدابير المؤقتة فى فكر محكمة العدل الدولية عن جرائم الإبادة الجماعية والسيناريوهات المطروحة فى قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل) لهذه التساؤلات فى ستة نقاط أهمها "عدم امتثال" إسرائيل لقرار العدل الدولية و"التحدى " له يطيح بشرعية ميثاق الأمم منذ إنشائه , ومسؤلية التنفيذ و مجلس الأمن يتخلى عن دور"المنفذ الدولي" لشعب فلسطين من الإبادة , وأتوجه بسؤال ل مجلس الأمن ألم يعد تحدى إسرائيل للتدابير المؤقتة للعدل الدولية بمنع إبادة شعب فلسطين تهديداً وشيكاً للسلام !

أولاً : قرارات العدل الدولية بالتدابير المؤقتة تتمتع بالقوة الملزمة للطرفين وكيفية تنفيذ قراراتها ؟
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الأحكام التي تصدرها محكمة العدل الدولية أو إحدى غرفها في النزاعات بين الدول تكون ملزمة للأطراف المعنية فى القضية , إذ تنص المادة 94 فى فقرتها الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على أن " يتعهد كل عضو من أعضاء "الأمم المتحدة" أن ينزل على حكم محكمة العدل الدولية في أية قضية يكون طرفاً فيها." ومعنى هذا التعهد هو الامتثال لحكم المحكمة الدولية في أية قضية يكون طرفا فيها , أما إذا رفض طرف تنفيذ الحكم فتنص المادة 94 فى فقرتها الثانية على أنه "إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ولهذا المجلس، إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم." ومعنى ذلك أنه إذا فشل أحد أطراف النزاع للامتثال للالتزامات التي يفرضها "الحكم"، يجوز للطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن ليمنح الحماية والامتثال ، ويتمتع مجلس الأمن بناء على طلب الدولة المتضررة، بسلطة اتخاذ تدابير خاصة لإنفاذ الحكم الصادر عن محكمة العدل الدولية " ويشكل عدم الامتثال لهذه التدابير المؤقتة انتهاكاً للالتزامات الدولية للدولة المعنية ويترتب عليه قيام مسئولية قانونية لتلك الدولة.

ويذكر أن الأحكام الصادرة من محكمة العدل الدولية نهائية وباتة وغير قابلة للطعن عليها بأى طريق , حيث تنص المادة 60 من النظام الأساسي ل محكمة العدل الدولية على أن " يعتبر الحكم نهائيا وغير قابل للاستئناف. وفي حالة وجود نزاع حول معنى أو نطق الحكم، يجب على المحكمة تفسيره بناءً على طلب أي طرف. " ومن ثم فى الحالات التى يكون فيها نزاع حول معنى منطوق الحكم أو حيثياته المرتبطة به ارتباطا وثيقاً أو نطاقه ، فإنه يجوز أن يقدم أحد الأطراف طلبًا إلى ذات المحكمة للحصول على تفسير, وفي حالة اكتشاف حقيقة كانت خافية ولم تكن معروفة حتى صدور حكم المحكمة والتي قد تكون عاملا حاسما وتؤثر فى موضوع النزاع ، فإنه يجوز لأي من الطرفين أن يطلب إعادة النظر في الحكم من ذات المحكمة أيضاً .

ثانيا: تنفيذ الأحكام الصادرة من محكمة العدل الدولية مسئولية مجلس الأمن
ويذكر إن المسئولية عن ضمان الامتثال، في إطار الميثاق، لا تقع ضمن صلاحيات محكمة العدل الدولية، بل تقع على عاتق الجهاز السياسي الرئيسي للحفاظ على السلام والأمن وهو مجلس الأمن. وبالتالي وفقا للمادة 94/2 من الميثاق إذا فشل أي طرف في قضية ما في أداء الالتزامات المترتبة عليه بموجب حكم صادر عن المحكمة، يجوز للطرف الآخر اللجوء إلى مجلس الأمن، الذي يجوز له، إذا رأى ذلك ضروريا، تقديم توصيات أو اتخاذ قرار بشأن التدابير لاتخاذها لتنفيذ الحكم, ومن ثم فإن أحكام محكمة العدل الدولية تخضع لتطبيق المادة 94المشار إليها , ويحق للدولة المضرورة اللجوء إلى مجلس الأمن؛ ولم يكن ذلك الأمر على هذا النحو مع عصبة الأمم والمحكمة الدائمة للعدل الدولى.

ويؤكد تبدو العلاقة القوية بين محكمة العدل الدولية و مجلس الأمن باعتبارهما مؤسستين لهما اختصاصات مترابطة ولكنها مختلفة بالتأكيد في تسوية النزاعات , ذلك أن محكمة العدل الدولية موكول إليها حسم الحقوق والمسئوليات فى القضايا المتنافسة بين الدول الأطراف , أما مجلس الأمن فموكول إليه القيام بتنفيذ هذا القرار، إذا رفضت الدولة المعتدية الامتثال.

إن إنفاذ أحكام محكمة العدل الدولية يقوم فى الأساس على أعمال سياسية يقوم بها الطرفان و مجلس الأمن ، ولا ينعقد للمحكمة ثمة اختصاص أو ولاية حول مسألة التنفيذ , حيث أن الميثاق يسند مسئولية فرض القانون إلى مجلس الأمن , ويتمتع مجلس الأمن بدوره بسلطة تقديرية واسعة النطاق فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام الصادرة عن محكمة العدل الدولية وتلك هى المشكلة التى سوف أركز عليها .

ثالثا: عدم " امتثال " إسرائيل لقرار العدل الدولية و "التحدى " لقرارها , وما الفرق بينهما ؟
ويطرح تساؤلاً لمفهومين دوليين , ما معنى "الامتثال" لحكم محكمة العدل الدولية ؟ وما الفرق بيه وبين " التحدى " ؟ إن الامتثال يعنى يجب أن يكون قبول الحكم وتنفيذه وفقاً لمبدأ حسن نية , وقد عرفت المحكمة حسن النية أنه واجب "تنفيذ حكم المحكمة"، وليس من بين معانيه التنفيذ الصورى أو محاولات التحايل فى التنفيذ بطبيعة الحال، ويتحقق عدم الامتثال الخادع من جانب إسرائيل للتدابير الستة المؤقتة التى قضت بها المحكمة حينما عندما تدعي إسرائيل أنها امتثلت للحكم بينما هى تخالف الحكم عن علم ووعى وإدراك .

أما "التحدى" من إسرائيل فينطوي على الرفض الشامل للحكم باعتباره غير صالح فى رأيها إلى جانب رفض الامتثال. وحينئذ تخالف إسرائيل الأدبيات المتعلقة بخطورة عدم الامتثال لأحكام محكمة العدل الدولية , ومن ثم تكون إسرائيل قد ارتكبت "عدم الامتثال" لقرار العدل الدولية و "التحدى " لقرارها معاً وهما قمة الاستهانة بالمؤسسة القضائية الأعلى فى المجتمع الدولى .
رابعاً : مجلس الأمن ينظر إلى "الامتثال" من عدمه لتنفيذ أحكام العدل الدولية كمسألة سياسية أكثر من كونها مسألة قانونية

ويذكر أن مجلس الأمن ينظر إلى "الامتثال" لتنفيذ أحكام العدل الدولية مسألة سياسية أكثر من كونها مسألة قانونية , وليس من الانصاف مقارنة آليات التنفيذ لأحكام المحاكم الوطنية بأحكام محكمة العدل الدولية بسبب تعقيد الإطار المؤسسي ل محكمة العدل الدولية , فضلاَ عن السلطة الممنوحة من الميثاق ل مجلس الأمن بموجب ميثاق الأمم المتحدة لإنفاذ قرارات وأحكام المحكمة , حيث أنه بموجب إطار الميثاق، يتم التعامل مع عدم الامتثال لأحكام المحكمة من خلال المادة 94 الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تتيح للدولة المضرورة الدائنة حق اللجوء إلى مجلس الأمن سعياً إلى تنفيذ الحكم. والميثاق ينظر إلى الامتثال باعتباره مسألة سياسية تتعلق بالسلام والأمن الدوليين أكثر من كونه مسألة قانونية محضة , وتلك هى المعضلة فى تنفيذ أحكام محكمة العدل الدولية .

ويضيف التاريخ الدولى الذى يسجل ويرصد يثبت أن مجلس الأمن لم يستخدم مطلقًا صلاحياته المنصوص عليها في المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة حتى في حالات عدم الامتثال نظراً للطبيعة التقديرية للمادة 92 فى فقرتها الثانية, خاصة أن مجلس الأمن لا حول له ولا قوة في الحالات التي تكون فيها الدولة المدينة عضواً دائماً , ومن المثير للحيرة أن الدول الدائنة نفسها نادراً ما تطلب المساعدة من مجلس الأمن بتلك الصفة، حتى في مواجهة استمرار عدم الامتثال لتنفيذ أحكام المحكمة , وهو ما يجعل إنفاذ أحكام محكمة العدل الدولية بموجب المادة 94 فى فقرتها الثانية ليس له الأهمية الواجبة , فتلك المادة فشلت في لعب دور مهم في الممارسة العملية فى مجال عدم الامتثال حيث لا تلجأ الدول الدائنة إلى مجلس الأمن في كثير من الأحيان.

خامساً : مجلس الأمن يتخلى عن دور "المنفذ الدولي" لشعب فلسطين من الإبادة , وأتوجه بسؤال ل مجلس الأمن ألم يعد عدم امتثال إسرائيل للتدابير المؤقتة للعدل الدولية تهديداً وشيكاً للسلام !
ويوضح الدكتور محمد خفاجى أنه لا يخفى الصعوبات المفروضة على الدول التي تسعى إلى اتخاذ إجراء من جانب مجلس الأمن, ولأن إجراء الإنفاذ بموجب المادة 94 الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة هو مجرد سلطة تقديرية مطلقة لمجلس الأمن، لذا فإن الحقيقة الدولية المؤلمة التى صيغت بها نصوص الميثاق والقواعد التى استنهتها التجارب الدولية منذ الحرب العالمية الثانية تعنى أنه حتى التوصل إلى " تحدى" حكم محكمة العدل الدولية لا يؤدي في حد ذاته إلى اتخاذ إجراء فوري من جانب مجلس الأمن ؛ مما يضعف الثقة فى جدوى وفاعلية سلطة مجلس الأمن المطاطة فى الغلو والتعسف فى حالات ضد بعض الشعوب واستنهاض همتها فى حالات أقل ضرراً لشعوب أخرى فى تمييز غير مبرر ,مما يؤدى بنا فى النهاية إلى أن مجلس الأمن لم يعد يقوم بدور "المنفذ الدولي" لشعب فلسطين المحتل من الغاصب إسرائيل وحقه المشروع فى تقرير المصير .

وفضلاً عما تقدم , فإن العلاقة بين المادة 94 الفقرة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة وسلطة التنفيذ العامة ل مجلس الأمن غير واضحة المعالم وغير متجانسة مع نصوص الميثاق , والرأى عندى أن الغموض الأساسي لا يتسم به صياغة المادة 94 في حد ذاتها ، بل في علاقتها بسائر نصوص الميثاق, وحتى أوضح الفكرة بصورة مبسطة لا يجوز لقرارات مجلس الأمن أن تأمر باستخدام القوة المسلحة أو بإتخاذ تدابير أقل من هذه القوة إلا إذا كان السلام مهدداً, ومن الواضح أن كل عمل من أعمال عدم الامتثال خاصة عدم امتثال إسرائيل للتدابير المؤقتة التى قضت بها محكمة العدل الدولية لا يشكل تهديداً وشيكاً للسلام من وجهة نظر هذا المجلس ! لو كانت صياغة المادة 94 الفقرة الثانية كانت ترتب بقوة القانون أن عدم الامتثال بمثابة تهديد للسلام، لكان لها أهمية دولية تنفيذية هائلة للشعوب بما يجعل الأمم المتحدة جهة إنفاذ دولية حقيقية لا صورية أو مستترة حسبما هو حاصل فى إبادة شعب فلسطين بقطاع غزة .

سادساً : استخدام أمريكا لسلاح الفيتو لصالح إسرائيل سيثبت عليها التواطؤ فى الإبادة , وربما ستمتنع عن التصويت
ويذكر فى الحالة التى لم تلتزم فيها إسرائيل بالإجراءات المؤقتة التى قضت بها محكمة العدل الدولية ، فيمكن تقديم طلب إلى مجلس الأمن بالأمم المتحدة بقصد حملها على تنفيذ القرار القضائى ، وهناك احتمال أن تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الفيتو - حق النقض – ضد القرار القضائى لصالح إسرائيل بقصد حمايتها ورعاية مصالحها فى العدوان وإبادة شعب فلسطين بقطاع غزة , لكن أمريكا لو استخدمت الفيتو - حق النقض - ضد إسرائيل سوف يثبت عليها تهمة التواطؤ مع إسرائيل فى الإبادة الجماعية ضد سكان قطاع غزة , وربما ستمتنع عن التصويت فى مرة هى الأولى من نوعها بما لا يحقق مصالح الكيان المحتل وهو ما سوف يكشف عنه الحياء الدولى.

ويشير أما إذا عجز مجلس الأمن عن إلزام إسرائيل على الامتثال للقرار القضائى ل محكمة العدل الدولية ، فقد يحال ملف القضية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى قد توصى الدول باتخاذ إجراءات دبلوماسية ضد إسرائيل قد تصل إلى سحب السفراء أو فرض عقوبات اقتصادية أو الامتناع عن التعامل مع تل أبيب ولتذهب قضية شعب عربى فى تقرير مصيره وتحرير أرضه إلى الجحيم.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2