تُعدّ تلاوة القرآن الكريم عبادةً كغيرها من العبادات، حيث يُردّ الأمر فيها إلى الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وما ورد عنه في شأنها، وإلى ما مضى عليه الصحابة والتابعون فيها كذلك.
والصورة الواردة المشروعة للقراءة الجماعيّة للقرآن الكريم تكون باجتماع القارئين في مكانٍ واحٍد ليقرأ كُلٍّ منهم بنفسه أو يقرأ أحدهم ويستمع الآخرون، أو يقرأ أحدهم ويُكمل الثاني من حيث انتهى الأول، فتحصل لكُلٍّ منهم عبادة القراءة أو الاستماع، أمّا أن يقرأ كل مسلمٍ جزءاً من القران الكريم لوحده في بيته أو مكانه بحيث يجعلونها ختمةً جماعيّةً للقرآن؛ فلا شكّ أنّها صورةٌ مبتدعةٌ لم يرد مثلها عن النبيّ ولا عن أصحابه، ولو كان فيها خيراً لقاموا بها، ثمّ إنّ قراءة كُلّ واحدٍ من المجموعة لجزئه في مكانه يمنع البقية من مشاركته سواءً في القراءة أو السماع، ممّا يجعلها صورةً مبتدعةً غير مشروعةٍ تصرف همّة القارئ عن ختم القرآن الكريم بنفسه.
قال دار الإفتاء: إن اجتماع المسلمين لعمل ختمة من القرآن الكريم أو قراءة ما تيسر من السور والآيات وهبة أجرها لمن توفي منهم، هو من الأمور المشروعة والعادات المستحسنة وأعمال البر التي توافق الأدلة الصحيحة والنصوص الصريحة، وأطبق على فعلها السلف
الصالح، وجرى عليها عمل المسلمين عبر القرون مِن غير نكير. ومَن ادَّعى أن ذلك بدعةٌ فهو إلى البدعة أقرب.
وأوضحت الإفتاء : أنه قد وردت النصوص من السنة النبوية الشريفة في خصوص استحباب اجتماع المسلمين على قراءة القرآن الكريم، وبيان ما أعد الله لهم على ذلك من جزيل الثواب؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: «مَا مِنْ قَوْمٍ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، يَقْرَءُونَ وَيَتَعَلَّمُونَ كِتَابَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ يَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ» أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه".
وأكدت الإفتاء: جاء الشرع الشريف بالدعوة إلى الاجتماع والتعاون بين المسلمين في أعمال الخير والبر؛ فقال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾، ومن حثه على ذلك كان الأمر بالاجتماع على ذكر الله، حيث إن الاجتماع على ذكره تعالى من أفضل العبادات؛ قال تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ﴾.