عاطف عبد الغنى يكتب: الثعلب.. والحوت.. وثقافة الفساد!

عاطف عبد الغنى يكتب: الثعلب.. والحوت.. وثقافة الفساد!عاطف عبد الغنى يكتب: الثعلب.. والحوت.. وثقافة الفساد!

* عاجل12-10-2018 | 14:14

«اللؤم» فى الثعالب غريزة، والتهام الأسماك الصغيرة، عن جوع، عند الحيتان – أيضًا – غريزة لسد الجوع وليس طمعًا أو عن شبع، أما اللؤم والطمع عند البشر فهما خصلتان مذمومتان ويؤديان إلى الفساد والإفساد.
وهما فى الغالب من الصفات المكتسبة التى يزيدها انعدام الضمير والوازع الدينى والأخلاقى وغياب المحاسبة المجتمعية، لعيوب فى منظومة التشريع أو تطبيقها.
وفى ثقافة المصريين المرتبطة بعمل الموظف العام يتم تشبيه الفاسد الصغير من الموظفين بالثعلب، وحين يصعد هذا الثعلب فى الدرجة الوظيفية ويتضخم «كرشه» من الحرام يشبهه العوام بـ «الحوت الكبير».
وفى دهاليز الإدارة المصرية العتيقة، تضيع كثير من حقوق الناس بين الثعالب والحيتان، كما يضيع حق الدولة الذى هو فى النهاية حق المواطن، وتهدر الموارد وفرص التنمية وتتعطل مشاريع، واستثمارات بالمليارات لأن المسئولين عنها لم يُطعِموا فم الثعلب، أو يسدوا شره «كرش» الحوت.
(1)
وفى حكايات الفساد والمفسدين من السادة الموظفين العموميين، ما يشيب له الولدان، وقد كشف بعضها أحدث تقارير الرقابة الإدارية الصادر الأسبوع الماضى، (الأسبوع الثانى من شهر أكتوبر 2018)، والذى مر عليه الإعلام مرور الكرام مكتفيًا بالإشارة لما يحويه البيان وهو يحوى الكثير.
.. لن أتوقف كثيرًا عند ضبطيات الرشوة المالية، أو الجنسية، والتى تم فيها القبض على 16 «حوتًا» مسئولاً فى وظائف قيادية فى خمس وقائع رشوة يسعى فيها الراشى (من القطاع الخاص) العبث فى مستندات رسمية عن طرق موظف، ليجنى الأول من وراء ذلك أرباحًا لا حق له فيها.
وأخطر مما سبق هو التأثير على سير العدالة، والقضاء العادل هو الحائط الذى يسند إليه المواطن ظهره، والملاذ والحصن الأخير له.
وفى ضبطيات الرقابة الإدارية التى تمت خلال شهر سبتمبر الماضى، سقط محامٍ شهير وأربعة من العاملين فى مكتبه فى قبضة الرقابة وتهمتهم تقديم مبالغ مالية وهدايا عينية على سبيل الرشوة لأمينى سر، و4 آخرين من موظفى السكرتارية فى بعض نيابات القاهرة والمحاكم المختلفة، والهدف المباشر هو أن يتلاعب الموظفون الثعالب فى ملفات القضايا (أحراز، مستندات) لتضليل القاضى وتوجيهه لإصدار أحكام على خلاف الحقيقة، أحكام يشوبها الظلم، ولك أن تتخيل وقوع هذا الظلم على صاحب الحق، ليس هو وحده ولكن الدائرة المحيطة به، ولك - أيضا - أن تتخيل ما سوف يقر فى أذهان ومشاعر السابقين، والصورة التى سوف تستقر فى أذهانهم وضمائرهم عن حصن العدالة، وعن مؤسسات الدولة، والقائمين علي هذه المؤسسات جراء فساد موظف صغير مرتشى.
(2)
ومن القضايا التى استوقفتنى أيضًا، تدخل الرقابة الإدارية لحل مشكلات واجهت شركة استثمار عالمية، وضَعَ الثعالب والحيتان العقبات أمام إنشاء واستصدار تراخيص مصنعها فى السادس من أكتوبر.. استثمارات الشركة فى مصنعها هذا، تبلغ مليار جنيه، والمشروع يفتح بيوت ألفى شخص من خلال توفير فرص عمل لهم، كان يمكن أن يضيع كل هذا لولا تحرك الجهة الرقابية، فى غياب الجهة الأصلية المسئولة عن الاستثمار والمستثمرين، وفى وقت نحن  فيه أحوج ما يكون لاقتناص فرصة استثمارية، فيأتى ثعلب أوحوت فيضيعها لأن المستثمر لم «يفتّح مخه» .
(3)
الرقابة الإدارية باتت عنوانًا لمحاربة الفساد، وخِلناها قبضة الدولة الحديدية التى تضرب المفسدين، وهى فى الحقيقة مثل الجراح الذى يتدخل لاستئصال الورم بعد استفحاله فى أغلب الحالات، والأصل أن نحافظ على الجسد صحيحا، ولا نتركه حتى يصيبه المرض، بمعنى أنه كلما زادت ضبطيات الرقابة الإدارية وأجهزة الأمن كشف هذا عن زيادة فى الخلل المجتمعى.. والخلل ليس وليد اليوم ولكنه نتيجة لتراكمات كثيرة وطويلة فى الجهاز الإدارى للدولة، هذا الجهاز الذى صار أداؤه فى وقت من الأوقات مثارًا للسخرية والتندر وصار معه الموظف المصرى أمثولة وأعجوبة من أعاجيب البشر، وفى وقت سابق كانت الحكومة تغمض عين من عينيها عن الفساد الصغير، (رشوة الإكرامية، والشاى، وتفتيح المخ) واستمر هذا لسنوات، كعرف سائد لتعويض الموظف عما لا تستطيع الحكومة أن تدفعه له، ونتج عن هذا السلوك من الطرفين (الحكومة وموظفها) تدنٍ كبير فى الخدمات المقدمة للمواطن، وعلى الإجمال اتسمت المنظومة بالخلل.
(4)
فلما استفاقت الدولة خلال السنوات الأخيرة، جدت نحو الإصلاح، وبدأت بالبنية التشريعية، وهناك قوانين كان تاريخ صلاحياتها قد انتهى منذ أمد، وبدت أجندة الإصلاح التشريعى فى البرلمان الحالى، متخمة بمشاريع قوانين الإصلاح الإدارى، والعلاقات المتشابكة فى دولاب العمل، والقوانين التى تمنع الفساد من المنبع، وتوفر الشفافية، وتفرض قيم النزاهة، والحوكمة والانضباط.
وفى الأسبوع الماضى الذى أعلنت فيه الرقابة الإدارية عن ضبطياتها، وتدخلاتها المسبقة لمنع الفساد والإفساد، كانت الجريدة الرسمية تنشر عدد من القوانين التى تم إصدارها، وتتعلق بالاتفاقات التجارية والمزايدات والمناقصات التى تكون الحكومة طرفا فيها، والجمارك، وإزالة العقبات أمام الصادرات، وكان قد سبقها، وسوف يلحقها قوانين أخرى لتشجيع الاستثمار فى القطاع الخاص، وتشجيع المشروعات الصغيرة، وغيرها مما يصب فى صالح الاقتصاد ونموه، وهذا كله جيد، لكننا نلفت النظر إلى أن العبرة ليست بصدور التشريعات، ولكن العبرة بأن تتحول هذه التشريعات إلى منهج عمل وسلوك.. بالتنفيذ على أرض الواقع.. والمتابعة.. والإصرار على خلق وطن أجمل لا يعيث فيه الثعالب ولا يلتهم فيه الحيتان السمك الصغير.
أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2