بمناسبة طلب جنوب أفريقيا العاجل إلى محكمة العدل الدولية بشأن العمليات العسكرية الإسرائيلية فى مدينة رفح الفلسطينية المكتظة بالنازحين جنوب قطاع غزة، والقتل والدمار على نطاق واسع لتستخدم المحكمة سلطتها لمنع المزيد من الانتهاكات الخطيرة لمنع الإبادة، ثار التساؤل فى جميع أنحاء العالم عن مدى ملاءمة قيام القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي التى شغلت منصب نائب رئيس محكمة العدل الدولية بالمشاركة فى نظر القضية فى ضوء رأيها المخالف الفردى إبان قرار المحكمة بالتدابير المؤقتة فى 26 يناير 2024 بإفصاحها أن القضية سياسية وليست قانونية وتخرج عن اختصاص المحكمة؟، كما ثار التساؤل هل يعد قرارها المخالف مما عناه القانون الدولى أم تسلب لاختصاص المحكمة بما يحقق إنكار العدالة؟، لذا أعد المفكر والمؤرخ القضائى القاضى المصرى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، ورقة عمل قانونية دولية على هامش دراسته المتميزة بعنوان (انهيار المنظومة الأممية واختلال ميزان العدل الدولى ضد الشعوب المسلمة - قراءة فى أحكام العدل الدولية النظيرة).
ونعرض الجزء الأول لدراسة القاضى المصرى الدقيقة ضماناً للعدالة بين إسرائيل و غزة لأخطر ثانى منصب قضائى فى المحكمة الدولية بعد رئيسها من أجل عدالة القضية الفلسطينية، فى ثلاث نقاط هى: ماذا قالت القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي التى تشغل منصب نائب رئيس محكمة العدل الدولة ضد فلسطين إنحيازاً ل إسرائيل (نقطتين تعرف عليهما)، و القاضية الأوغندية نائب رئيس محكمة العدل الدولية تنكر اختصاص المحكمة الدولية وتهدر تطبيق أهم مصادر القانون الدولى لاتفاقية منع الإبادة الجماعية، وأنه يجب عليها التنحى وإذا أصرت يجب على رئيس المحكمة إجبارها، وإذا ثار بينهما نزاع وجب عرضه على المحكمة .
أولاً: ماذا قالت القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي التى تشغل منصب نائب رئيس محكمة العدل الدولة ضد فلسطين إنحيازًا ل إسرائيل (نقطتين تعرف عليهما)
يقول الدكتور محمد خفاجى، إن الرأى المخالف الذى أدلت به القاضية الأوغندية جوليا سيبوتيندي والتى تشغل الاَن منصب نائب رئيس محكمة العدل الدولة ينحصر فى نقطتين إنحيازًا لإسرائيل: الأولى أنها انكرت الولاية والاختصاص للمحكمة بحجة أن القضية سياسية وليست قانونية ! بزعم أن النزاع بين دولة إسرائيل وشعب فلسطين ليس نزاعًا قانونيًا مما تختص به المحكمة، بل نزاع سياسى ليس مكانه المحكمة ! والنقطة الثانية إنحياز ل إسرائيل بقولها إن التدابير المؤقتة لم يتم استيفاؤها وأن جنوب أفريقيا لم تثبت من حيث الظاهر، أن الأفعال التي يُزعم أن إسرائيل ارتكبتها قد ارتكبت مع نية الإبادة الجماعية اللازمة، وارتات سيادتها أن التدابير المؤقتة التي أشارت إليها المحكمة في الأمر ليس لها ما يبررها ! وذلك على الرغم من أن نية الإبادة لدى إسرائيل ثابتة على مرأى ومسمع من العالم .
ويضيف: أما عن النقطة الثانية التى دونتها القاضية الأوغندية فى رأيها المخالف عن عدم ثبوت نية الإبادة الجماعية فى جانب إسرائيل وأن فتات التدابير المؤقتة ليس لها ما يبررها، فقد أجاز لها القانون الدولى أن تقول رأيها المخالف كيفما شاءت حسب قناعتها رغم أن ظاهر نية الإبادة واضح للعالم كله، أما النقطة الأولى الخطيرة التى أركز عليها هى قول القاضية الأوغندية بإنكار اختصاص المحكمة بنظر قضية إبادة إسرائيل لشعب فلسطين بقطاع غزة، فهل يمثل ذلك منها إنكاراً للعدالة بحيث أن رأيها إن تم الأخذ به فيجعل النزاع بلا قاضٍ يفصل فيه ؟ هذا هو السؤال الأخطر عالمياً ونطرحه ليكون محلاً لقول الحق بفكر مستجد يتفق وروح قواعد القانون الدولى .
ثانياً: القاضية الأوغندية تنكر اختصاص المحكمة الدولية وتهدر تطبيق أهم مصادر القانون الدولى لاتفاقية منع الإبادة الجماعية
يذكر الدكتور محمد خفاجى أن القاضية الأوغندية تهدر تطبيق مصادرالقانون الدولى فى القضايا المعروضة على محكمة العدل الدولية على قمتها اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وتفصيل ذلك أنه يوجد مصادر رئيسية لتطبيق القانون الدولى فى القضايا المعروضة على محكمة العدل الدولية على قمتها الاتفاقيات الدولية وأخرى احتياطية، وﻟﻠﻘﺎﻋدة اﻟﻘﺎﻧوﻧﯾﺔ اﻟدوﻟﯾﺔ ﻋدد ﻣن اﻟﻣﺻﺎدر اﻟرﺳﻣﯾﺔ وأخرى احتياطية أوﺿﺣتها اﻟﻣﺎدة ٣٨ ﻣن اﻟﻧظﺎم اﻷﺳﺎﺳﻲ ﻟﻣﺣﻛﻣﺔ اﻟﻌدل اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟذي ﯾﻌﺗﺑر ﺟزءاً ﻻ ﯾﺗﺟزأ ﻣن ﻣﯾﺛﺎق الأﻣم اﻟﻣﺗﺣدة، وﻗد ﺟﺎء ﻓﯾﮭﺎ: "١-وظﯾﻔﺔ اﻟﻣﺣﻛﻣﺔ أن ﺗﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﻣﻧﺎزﻋﺎت اﻟﺗﻲ ﺗرﻓﻊ إﻟﯾﮭﺎ وﻓﻘﺎً ﻟﺣﻛﺎم اﻟﻘﺎﻧون اﻟدوﻟﻲ، وھﻲ ﺗطﺑق ﻓﻲ ھذا اﻟﺷﺄن: (أ) اﻻﺗﻔﺎﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ واﻟﺧﺎﺻﺔ اﻟﺗﻲ ﺗﺿﻊ ﻗواﻋد ﻣﻌﺗرﻓﺎً ﺑﮭﺎ ﺻراﺣﺔ ﻣن ﺟﺎﻧب اﻟدول اﻟﻣﺗﻧﺎزﻋﺔ (ب) العرف الدولي، كدليل على ممارسة عامة مقبولة كقانون، أى العادات الدولية المرعية المعتبرة ﺑﻣﺛﺎﺑﺔ ﻗﺎﻧون دل عليه تواتر الاستعمال (ج) ﻣﺑﺎدئ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎﻣﺔ اﻟﺗﻲ أﻗرﺗﮭﺎ اﻷﻣم اﻟﻣﺗﻣدينة (د) أﺣﻛﺎم اﻟﻣﺣﺎﻛم وﻣذاھب ﻛﺑﺎر اﻟﻣؤﻟﻔﯾن ﻓﻲ اﻟﻘﺎﻧون اﻟﻌﺎم ﻓﻲ ﻣﺧﺗﻠف اﻷﻣم. وﯾﻌﺗﺑر ھذا أو ذاك ﻣﺻدرًا اﺣﺗﯾﺎطﯾًﺎ ﻟﻘواﻋد اﻟﻘﺎﻧون وذﻟك ﻣﻊ ﻣراﻋﺎة أﺣﻛﺎم اﻟﻣﺎدة (٥٩) التى تتعلق بمبدأ نسبية أثر الأحكام فلا يكون للحكم قوة الإلزام إلا بالنسبة لمن صدر بينهم وفى خصوص النزاع الذى فصل فيه، وﻻ ﯾﺗرﺗب ﻋﻠﻰ اﻟﻧص اﻟﻣﺗﻘدم ذﻛره أي إﺧﻼل ﺑﻣﺎ ﻟﻠﻣﺣﻛﻣﺔ ﻣن ﺳﻠطﺔ اﻟﻔﺻل ﻓﻲ اﻟﻘﺿﯾﺔ وﻓﻘﺎً ﻟﻣﺑﺎدئ اﻟﻌدل واﻹﻧﺻﺎف ﻣﺗﻰ واﻓق أطراف اﻟدﻋوى ﻋﻠﻰ ذﻟك"
فكيف يتنسى للقاضية الأوغندية كنائبة رئيس محكمة العدل الدولية أن تهدر أهم مصادر القانون الدولى وهو اﻻﺗﻔﺎﻗﺎت اﻟدوﻟﯾﺔ اﻟﻌﺎﻣﺔ المتمثلة فى اتفاقية منع الإبادة الجماعية ! وتتملص من خضوع قضية إبادة إسرائيل للشعب الفسطينى بقطاع غزة من اختصاص المحكمة الدولية ! وتمتنع عن تطبيق الاتفاقية التى تمنع الإبادة الجماعية وهى على قمة مصادر القانون الدولى كمعاهدة دولية بحجة أنها قضية سياسية لا تخضع لاختصاص المحكمة! مما باتت معه غير صالحة لنظر القضية ووجدانها منحاز ل إسرائيل بحجة السياسة !
ثالثاً: يجب على القاضية الأوغندية التنحى وإذا أصرت يجب على رئيس المحكمة إجبارها، وإذا ثار بينهما نزاع وجب عرضه على المحكمة
يذكر الدكتور محمد خفاجى: ألم تعلم القاضية الأوغندية ما تنص عليه المادة 24 من النظام الأساسى ل محكمة العدل الدولية فى فقرتها الأولى "إذا رأى أحد أعضاء المحكمة، لسبب خاص، أنه لا ينبغي أن يشارك في الفصل في قضية معينة فعليه إبلاغ الرئيس بذلك." فإذا هى أفصحت بالفعل عن رأيها المخالف – والرأى المخالف مكنة يمنحها القانون الدولى شريطة ألا تتسلب المحكمة من ولايتها - بأن قضية إبادة إسرائيل لشعب فلسطين بقطاع غزة هى قضية سياسية وليست قانونية ! وبالتالى ينبغي عليها ألا تشارك في الفصل فيها , فى ضوء قناعتها بعدم ولاية المحكمة لها ! ويجب عليها إبلاغ رئيس المحكمة بذلك، فلماذا تصر على نظر قضية غير قانونية من وجهة نظرها وتعتبرها عملا من أعمال السياسة ؟!
ويضيف: إذا تمادت القاضية الأوغندية نائب رئيس محكمة العدل الدولية فى الإصرار على نظر قضية إبادة شعب فلسطين وهى غير صالحة لنظرها لإفصاحها الجهير أمام العالم أن القضية سياسية، لا يجب على المحكمة نظرها ! فإنه ينبغى على رئيس محكمة العدل الدولية القاضي اللبناني نواف سلام إجبارها على التنحى، ولا ينبغي أن يسمح لها بأن تحضر فى جلسات قضية جنوب إفريقيا وإسرائيل، وعليه أن يخبرها بذلك، نزولاً على ما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 24 من النظام الأساسى لمحكمة العدل الدولية والتى بموجبها "إذا رأى الرئيس، لسبب خاص، أن أحد أعضاء المحكمة لا ينبغي أن يحضر قضية معينة فعليه أن يخبره بذلك"، بل واجب على رئيس المحكمة فى حالة إذا ما ثار خلاف بينه وبينها أن يعرض الأمر برمته على المحكمة لتصدر قراراً بشأن إجبارها على التنحى إعمالاً للفقرة الثالثة من المادة 24 المشار إليها التى نصت على أن "إذا اختلف عضو المحكمة والرئيس في أي حالة من هذا القبيل، يتم الفصل في الأمر بقرار من المحكمة".
ويختتم بأن إجبار القاضية الأوغندية لن يؤثر على صحة تشكيل المحكمة وفقاً للمادة 25 من النظام الأساسى ل محكمة العدل الدولية فى فقراتها الثلاث بأن "تنعقد المحكمة بكامل هيئتها ما لم يُنص صراحة على خلاف ذلك في هذا النظام الأساسى رهنا بشرط ألا ينخفض بذلك عدد القضاة المتاحين لتشكيل المحكمة إلى ما دون أحد عشر، ويجوز أن تنص لوائح المحكمة على السماح لقاض أو أكثر، حسب الظروف وبالتناوب، بالاستغناء عن الجلسة. ويكفي وجود تسعة قضاة نصاب المحكمة لتشكيل المحكمة".