جعل الله سبحانه وتعالى بين مرحلتي الحياة الدنيا والآخرة مرحلة حياة البرزخ التي تعتبر أوّل منازل الآخرة، حيث تبدأ تلك المرحلة من حياة الخلائق بعد انتهاء أجل الإنسان في الحياة الدنيا بمفارقة روحه لجسده، ثم ارتقائها إلى السماء، ثم عودتها مرة أخرى إلى الجسد حيث تبقى في قبرها إلى أن يبعث الله الخلائق يوم القيامة للحساب والجزاء.
وإنّ عذاب القبر ثابت في القرآن والسنة والإجماع، فقد قال -تعالى-: (سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ)، قال ابن جريج: عذاب في الدنيا، وعذاب في القبر ثم يردون إلى عذاب النار.
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من عذاب القبر بعد كل صلاة فيقول: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِن عَذَابِ القَبْرِ، ومِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ).
وضح الشيخ محمد متولي الشعراوي في خواطره، ما إذا كان الميت يشعر بالزمن مثلنا أم لا، وما هو عذاب القبر وكيف يكون.
وقال الشيخ الشعراوي: إننا نصنع للموت عمرًا بالقياس إلى ذواتنا، ولكنه لا عمر له بالنسبة لمن مات، ف الميت لا يشعر بالزمن أبدا، فالإنسان حين ينام ثم يستيقظ، لو سأله شخص كم نمت لا يعرف، لأن حساب الزمن إنما يأتي بتتبع الوعي للأحداث في الزمن، وعندما يكون الإنسان نائمًا فلا أحداث، فبالتالي لا يوجد زمن.
وتابع الشيخ الشعراوي: ولذلك الذين طال نومهم، قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم، مع أنهم لبثوا 300 عام وازدادوا تسعا، فحدث هذا لأنه لا يوجد أحداث تكوِّن زمنًا.
واستشهد الشيخ بقول الله تعالى في سورة النازعات: «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا».
وأكمل الشيخ الشعراوي: فماذا عن كل هذه المدة التي توفي فيها الخلق من أول آدم إلى الآن؟ فأجاب أن هذه المدة طويلة بالنسبة للأحياء إنما الموتى لا يشعرون بطول هذا الزمن.
وأكد الشعراوي: إذن فعذاب الحياة الدنيا شيء، وبعد ذلك يأتي عذاب القبر، ف عذاب القبر هو لون من عرض ما يُعذب به الكافر، كما في قول الحق سبحانه وتعالى عن قوم فرعون في سورة غافر: «النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ».
وأضاف الشيخ الشعراوي: إذن فلا زمن للإنسان إلا الحياة الدنيا و الموت والآخرة، ففي قوله تعالى (ويوم تقوم الساعة) أي زمن الآخرة، وقوله (يُعرضون) فلم يبقَ لها إلا زمنين اثنين، وهما الدنيا والموت، وهم لم يُعرضوا على النار في الحياة الدنيا، إذن العرض في زمن الموت فقط.
وأوضح الشيخ الشعراوي: إذن فالآخرة محل الإدخال لا محل العرض، والدنيا لم يحدث فيها عرض، فالعرض يكون في زمن الموت، فالعذاب قسمان: (عرض ما يُعذب به، ودخول فيما يُعذب به)، فالدخول في الآخرة والعرض في القبر.