مصطلحات دخيلة على المجتمع غيرت الثوابت وصارت لغة العصر

مصطلحات دخيلة على المجتمع غيرت الثوابت وصارت لغة العصرمصطلحات دخيلة على المجتمع غيرت الثوابت وصارت لغة العصر

في زمن ما كنا نتداول مصطلحات راقية في التعامل مثل "من فضلك"، "يا هانم"، "يا استاذ"، "اعتذر"، "اذا سمحت لي" وغيرها من الاساليب المهذبة في طريقة التعامل مع الغير من صاحب او معلم او جار..
وفي التسعينات بدأت تظهر علينا مجموعة من المصطلحات الجديدة مثل "روش"، "طحن"، "موزة"، وهذه الالفاظ دخلت على المجتمع ربما من الاغاني او من الاعمال الفنية ولكن كانت غريبة نوعا ما..
اما الان فالاطفال والشباب ومع الانفتاح وانتشار جيل السوشيال ميديا بدأوا يتداولون مصطلحات اغرب بل ألفاظ قد يعتبرها الجيل السابق لهم غير لائقة مثل "يسطا"، "اكس"، "كراش"، "شوجر دادي"، وغيرها من الالفاظ الاخرى التي نتحفظ عن ذكرها..
فلماذا انتشرت مثل هذه المصطلحات التي لا معنى لها؟ وهل هي دليل الحداثة والتقدم؟ ولماذا لا نعود للزمن الجميل والالفاظ الراقية في التعامل؟ كل هذه التساؤلات واكثر نجيب عنها في السطور التالية...

في البداية تقول الدكتورة منى شاكر، استشاري نفسي وعلاقات اسرية، ان الاطفال الذين يتداولون تلك الالفاظ والمصطلحات الغريبة على مجتمعنا المصري لابد ان يلقوا الرفض من جانب الكبار، لافتة الي ان تلك الالفاظ يسمعها الطفل في الاعمال الدرامية والسينمائية، او من خلال اغاني اصحابها يقولونها ويوظفوها داخل هذا العمل وليس في الحياة لكننا ننقلها الي الحياة الاجتماعية، والسوشيال ميديا.
فالحياة العامة لها ضوابط وعادات وتقاليد وقد تربت الاجيال السابقة على ذلك ان كلام الرجال يختلف عن كلام النساء وكلاهما له ضوابط لا يمكن الاقلاع عنها او تخطيها بأي شكل، وكذلك طريقة الهزار مع الكبار لها ضوابط، فنحن لا نعقد طريقة التربية او التعامل ولكن نضع لها ضوابط، فالانضباط هو الطريق الاوحد للنجاح.


واكدت الدكتورة منى شاكر ان الحل الاوحد لتداول مثل هذه الالفاظ التي للاسف قد تعممت على مختلف الاعمار والمستويات المتعددة هي ان نقابلها بالرفض وعدم القبول، فانا لا اقبل ان ينادي ابني معلمه "ياسطا" حتى وان وافق المعلم على ذلك.
فالمعايير اختلت للاسف واصبح الطفل ينادي الاب والام والمعلم بألفاظ وعبارات غير لائقة تماما ولا نقبلها في مجتمعنا فلابد من تقنين هذا الامر بالرفض اولا ثم التحذير من تكرار هذا الامر.
حتى ان كلمة بابا وماما اصبحت لا تستخدم واصبح الابن ينادي ابوه بـ "ياباشا" ، "صاحبي" وحتى ان كان المقصود بالمعنى اللفظي مقبول الا ان الاب والام لهم احترامهم مهما تقرب الابناء منهم وتوددوا اليهم، وكلمة "بابا" و"ماما" من الاساسيات التي لا يمكن ان نحيد عنها، لافتة اليانه يجب على الاطفال والشباب ان يفهموا اننا نفعل ذلك من اجلهم ومن اجل مظهرهم وصورتهم عندما ينضجوا ويكبروا.
المصنفات الفنية والرقابة
اما عن الالفاظ التي يتم تداولها عبر الأعمال الفنية التي تعرض على المنصات فيقول الدكتور خالد عبد الجليل رئيس الرقابة على المصنفات الفنية ان ما يعرض من اعمال فنية على المنصات الرقمية ليس للرقابة اي سلطه عليها، وكثيرون يرفعون العديد من القضايا بشأن ما يعرض من اعمال على هذه المنصات واحتواء بعضها على ألفاظ خارجة وغيره، لكننا ليس لدينا عليها اي رقابة، فتلك هي منصات عربية وعالمية، فالافلام الغير مصرية او المسلسلات التركية والهندية او الخليجية ليس للرقابة شأن بها، فعلى سبيل المثال مسلسلات الفنان عمرو سعد يتم تصويرها في بيروت وتعرض على منصة شاهد و رغم انها مصرية الا اننا ليس لدينا اي سلطة عليها، ولا على القنوات التي تبثها مثل "ام بي سي"، لافتا الي ان كثيرون لا يعرفون هذا الامر للاسف لذا وجب التوضيح.
التعدي على الذوق العام.



وتقول الدكتورة ريهام أحمد عبدالرحمن، باحثة في الإرشاد النفسي والتربوي جامعة القاهرة، ان هناك الكثير من المصطلحات السلبية التي اقتحمت لغتنا العربية والمصرية الأصيلة والتي كان الهدف منها هو التعدي على الذوق العام والنيل من تراث الكلمات الراقية التي تحترم الآخر وتعبر عن التمسك بالأخلاق والقيم.
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى ذلك انتشار ثقافة التيك اواي حتى في استخدام الألفاظ لتصبح الكلمات مختصرة وخالية من معاني العفوية والتقدير للطرف الآخر.
وكذلك انتشار الألعاب الالكترونية والجلوس على مواقع التواصل الاجتماعي لساعات طويلة يكثر فيها استخدام هذه المصطلحات الدارجة بين أوساط الشباب والمراهقين.
و التقليد الأعمى بين الشباب فأصبح الكثير منهم يرى أنها لغة الروشنة والتعبير عن النفس مما تسبب في ضياع القيم.
و هذه المصطلحات والألفاظ الدارجة بين أوساط الشباب السبب الرئيسي فيها بجانب وسائل التواصل الاجتماعي هو ما يتلقاه الإنسان من خلال الأعمال الدرامية الغير هادفة والتي تروج للعنف والبلطجة واستخدام الألفاظ النابية.
و ضعف مهارات التواصل الفعال وعدم القدرة على التعاون والتسامح عند بعض الأشخاص الذين يستخدمون هذه الألفاظ وبالتالي عدم القدرة على التكيف الاجتماعي والنفسي، وهنا لابد من أن يكون هناك دور للأسرة حول تثقيف الأبناء عن طرق وآداب التعامل مع الآخرين والتدريب على استخدام نبرة الصوت المعتدلة والكلمات الايجابية.
واكدت د. ريهام انه قد يلجأ بعض المراهقين لاستخدام هذه العبارات الدراجة كرغبة في الاستقلال والتمرد على الاسرة ومحاولة منهم للفت الانتباه والتجديد.
و غياب دور الأسرة في التنشئة السليمة والتي تقوم على قبول الاخر واحترامه واختيار الكلمات المناسبة للتحدث بها مع الآخرين.
و غياب روح الأنوثة لدى بعض الفتيات والرغبة في التقليد الأعمى للآخرين، مع عدم وجود الرقابة والمتابعة من قبل الأسرة.
ومن المهم أيضا عمل الندوات التوعوية على نطاق المدارس والجامعات والتي تهدف إلى تنمية مهارات التواصل الفعال والثقة بالنفس لدى المراهقين والشباب والتي حتما ستساعدهم في تذوق الألفاظ واحترام الآخرين أثناء التحدث معهم.

ومن جانبه اوضح الدكتورعبدالعزيز آدم عضو الاتحاد العالمي للصحة النفسية ان اللغة من الجانب النفسي هي وعاء الفكر وأداة من أدوات التواصل بين الناس، بها يُعبرون عن معتقداتهم، ومشاعرهم، وعلومهم، وتطلعاتهم، ومخاوفهم، وكل ما يجول بخاطرهم من تقلبات نفسية، تساعدهم على التخلص من كل الطاقات السلبية لديهم.
واللغة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بهُوية الأمة، والالفاظ المستخدمة هي مرآة تعكس مدى تحضر الشعوب وثقافتها واحترامها. واللغة العربية تحديدًا قد اكتسبت جماليتها من المخزون الحضاري وهي تعزز الثقة بالنفس والاعتزاز بالهوية والذي ينعكس بشكل مباشر على تطورنا وسلامنا النفسي
ولكن مع الأسف مع التشوه الذي طال كل شيء في مجتمعاتنا تزايد الدعوات التي تحض على تشويه المستوى الراقي للحوار واستخدام الفاظ غير لائقة في التعامل والتحاور، علاوة على ظهور طرق مستحدثة مشوهة للتعبير عن اللغة مثل "الفرانكوآراب" التي انتشرت بشكلٍ فج بين الشباب والمراهقين في تلك الآونة. ومع تزايد تلك التحديات يجب أن يشعر كل منا بخطورة دورة وواجبة في الحفاظ على هويتنا والعودة للكلمات الراقية المحترمة.
وتتلخص تلك الرسالة المنوط بنا تعزيزها لدى الاجيال القادمة فيما يلي:
- ارتباط اللغة العربية بالقرآن الكريم، حيث انه نزل باللغة العربية الفصحى، وأسلوب القرآن لا يُضاهيه أسلوب أبدًا، وقد تحدّى به الله عز وجل الجن والإنس، وهذا هو أكبر شرف نالته أي لغة على وجه الأرض وفي تاريخ البشرية جميعًا ومن ثم فلا يصح للناطقين بالعربية ان يستخدموا ألفاظًا غير لائقة في الحوار
- تعلم ثقافات ولغات الغرب هو أمر لا ضير فيه ولكن من العيب تقليدهم في صفات والفاظ لا تليق باخلاق مجتمعنا لذلك وجب التوعية لخطورة الغاء الهوية وتقليد سلبيات الغرب
- تشجيع الأبناء على القراءة وما فيها من تهذيب للحوار واللفظ مع التثقيف مع تجنب الكتب المكتوبة بأي لهجة غير مناسبة بالطبع لما فيها من نسر لالفاظ غير مهذبة وغير مقبولة
- توضيح أن العبارات التي نستخدمها في الحوار هي وسيلة للتعبير عن الذات والهوية وانعكاس للاخلاق والمثل التي نؤمن بها وهذا هو جزء من احترام الإنسان لذاته وثوابته.
- نشر الوعي والتثقيف والتصدي للهجات الغريبة والدخيلة على مجتمعنا مثل: الفرانكوآرب، لذلك لا بد من التذكير دائمًا بأصول مباديء الحوار المبني على الاخلاق وباستخدام لغة مهذبة والفاظ محترمة، ويجب نشر ذلك عبر وسائل التواصل الحديثة مع الاجيال الحالية كوسائل التواصل الاجتماعي على سبيل المثال
- الاهتمام بدارسة مواد تتعلق بالأخلاق والحوار المهذب واللغة المقبولة، ويكون ذلك من خلال اخصائيين نفسيين يعززون فكرة أن اللغة التي نستخدمها في حياتنا انما تدل على احترامنا لذاتنا قبل احترامنا للآخرين واحترامهم لنا

و تقول الدكتورة دعاء بيرو خبيرة الإتيكيت والعلاقات الإنسانية، ان الألفاظ الهابطة فى الأعمال الدرامية وأثرها على الأسرة المصرية ظاهرة تستحق البحث، حيث ان بعض الدراما والأعمال التلفزيونية تعتمد على لغة عامية ضحلة أو يشيع فيها ألفاظ قبيحة سيئة دون المستوى أو كلمات خارجة أو مترادفات سطحية أو هشة، والكتاب والمخرجون أحيانا يقتسبون بعض الأفكار الغريبة ونجدها تنتشر بسرعة بين المراهقين والصبية ويستخدمونها فى تعاملاتهم اليومية، ويتداولونها عبر رسائل المحمول وفى طريقة كلامهم مع آباؤهم وأمهاتهم وكل من يحيطون بهم، وحتى لا نجعل لغة الحوار متدنية بينا وبين اطفالنا وأولادنا و يتأثروا بألفاظ المسلسلات الخارجة السيئة، ونجعلهم يعتادوا على الكلام الراقى المهذب، فعلينا بعمل الآتى:
حددى مصادر الألفاظ مع طفلك ومراقبة مايشاهده فى التلفاز ومتابعة هاتفه وتصفح الشات مع رفقاؤه وحددى من اصدقائه يقوم بالسباب أو الشتائم أو يستخدم كلمات متدنيةو لغة هابطة لتجنبه....
ناقشى ابنك.. واجعليه يعرف أنه على خطأ من تكرار مثل هذه الألفاظ والكلمات .. واستخدمها فى لغته سواء مع أهله أو مع الأغراب ..واجعليه يعرف بنفسه أنه على خطأ و أن مايتلفظ به من كلمات غير مقبول ويعطى عنه صورة ذهنية بأنه غير مهذب أمام عائلته وأصدقائه....
كونى قدوة لأولادك أنت وزوجك الأب دوما فى التحدث معهم بطريقة وكلمات مهذبة لطيفة وراقية بعيدة عن اللغة المتدينة ..أو من خلال تجمعاتكم العائلية والاجتماعية مع الأهل والأصدقاء والمعارف.. فالأطفال والمراهقين يتعلمون أكثر عن طريق المحاكاة والنمذجة..
التوضيح.. الألفاظ والكلمات المتدنية والنكات الخادشة والخارجة عن اللياقة وضحى لطفلك أنها تحتوى على معانى وأسلوب غير مقبول ويمكن استخدام النكتة والضحك بشكل مقبول دون التجاوز والتعدى بالالفاظ..
الحرمان من الأشياء .. العقاب والحرمان فى حالة الإصرار والتمسك باستخدام الكلمات الهابطة واللغة المتدنية والشتائم.. حرمان ابنك أو بنتك من أشياء وأماكن يفضلها وحددى له أنه محروم بسبب ألفاظه الخارجة وكلامه الهابط البذيء..
عززى سلوكه الجيد حين يبدل مفرداته اللغوية النابية بكلمات حسنة ومكافأة سلوكه وإظهار الاستحسان له من قبلك ومن كل قبل كل أفراد الأسرة وأنه طفل أو مراهق مرغوب ومحبب لمن حوله والجميع يحبون أن يروه ويحبون الحديث معاه لأنهم يروه صاحب خلق حسن وأسلوب مميز راقى فى الكلام.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2