سعدت بخبر عودة الفنانة إسعاد يونس إلي السينما ، ببطولة الفيلم الكوميدي "عصابة عظيمة"، من تأليف هاجر الإبياري، وإخراج وائل إحسان. أعرف أنها كانت في شوق للكوميديا السينمائية، بعد أدوار قصيرة متباعدة جادة، بل ومأساوية أحيانا. رأيناها مثلا في مواجهة عنيفة للغاية أمام عادل إمام في فيلم " عمارة يعقوبيان "، وظهرت في دور أم بائسة للغاية في فيلم "المحكمة" من تأليف أحمد عبد الله، وإخراج محمد أمين.
مع عرض المقدمة الدعائية لفيلم "عصابة عظيمة" بدا أن صاحبة السعادة، ذات الحضور المحبب، والإمكانيات الكوميدية المميزة، قد عادت إلي قواعدها، ووجدت السيناريو المناسب للعودة كبطلة كوميدية، لكن ما شاهدته كان محبطا حقا، مما جعلني أردد طوال مدة العرض: "يا خسارة.. يافرحة ما تمت"، ولدرجة أنني شككت أن إسعاد التي درست السيناريو، قد قرأت النص كاملا، إلا لطلبت بعض التعديلات من أسطي سيناريو متخصص، مثلما كانوا يقومون بتصليح السيناريوهات زمان، وهي بالمناسبة مهمة كبيرة وخطيرة، كانت سببا في إنقاذ أفلام ونجوم كثيرة، قبل التورط في التصوير والعرض.
لم يكن لدي سبب لهذه الطريقة، التي قبلوا بها السيناريو بكل عيوبه الواضحة، سوي انبهار إسعاد بشخصية بطلة الحكاية الست عظيمة، التي فقدت بصرها إثر حادث سيارة بعد أن كانت بطلة أوليمبية مصرية في دورة سيول في التصويب بالقوس والسهم، وهي شخصية يمكن فعلا أن تكون ثرية وطريفة، بشرط أن توضع في ظروف مقنعة، وفي إطار دراما محكمة، لأن الشخصيات ليست بالنيات، لكن بالعمل علي السيناريو وسد الثغرات والعناية بالتفاصيل، ليس لدينا في "عصابة عظيمة" أي شيء من ذلك.
لست أيضا ضد أن تعود السينما المصرية في كل مرة لاستلهام مغامرات عصابة أوشن، التي شبعت استلهاما في الدراما المصرية، لدرجة إنتاج مسلسل ناجح وشهير هو " بـ 100 وش" من نفس عباءة أوشن، التي جعلت من السطو المسلح علي البنوك والمنازل المصرية نوعا من الرياضة، حوّلت المصريين إلي خبراء في اقتحام الشبكات الإلكترونية، استخدام كل أنواع الأسلحة!
المهم هو كيفية العودة في كل مرة إلي فكرة مبتكرة ومحكمة لهذا الاستلهام، وليس في فيلمنا أي ملمح من هذا الإحكام، وإنما هي فبركات متتالية، ومفاجآت بدون تمهيد، وشخصيات لا تعرف بالضبط من أين جاءتها القدرة علي الابتكار؟ والأعجب أن كل ذلك يتم في إطار شعارات ساذجة، مثل ضرورة المحاولة، عدم الاستسلام للفشل، أهمية التمسك بالمنزل والأرض، مقاومة الظلم حتي النهاية.
شخصية الكفيف أو الكفيفة فيها الكثير من الجاذبية، وإمكانيات كبيرة للإضحاك، مثلما شاهدنا مع محمود عبد العزيز في رائعة "الكيت كات"، أو عادل إمام في "أمير الظلام" أو حتي أحمد آدم في فيلم "صباحو كدب" بل إن هناك نماذج ضاحكة في ادعاء فقدان البصر، مثلما رأينا علي ربيع في فيلم "الخطة العامية"، ومحمد فراج في فيلم "فوي فوي فوي"، ولكن شخصية الكفيفة التي لعبتها إسعاد في "عصابة عظيمة" لا تبدو مقنعة، ولا تقدم سوي القليل من الضحكات، بل إنها تتعرض للضرب ولخطر الموت مرتين، والأسوأ من ذلك وجود اختراع عبيط يحاول أن يجعلها تشعر بما حولها عبر النظارة، تمتعها بقدرة أكثر عبطا، تجعل أذنها شديدة الحساسية في الاستماع لدبة النملة، فشر المرأة الخارقة في مسلسل السبعينيات الشهير!
الغريب أن الفيلم بدأ بشكل جيد بلقطات لعظيمة وهي رياضية شابة في دورة سيول، ثم لقطات سريعة لحادث سيارتها، ومشهد مرح لطيف بين الجدة عظيمة وحفيدتها الصغيرة هانية ( الطفلة الجميلة لوسيندا سليمان)، ثم نتعرف بشكل جيد علي ابن عظيمة كريم (كريم عفيفي)، وزوجته (فرح الزاهد)، اللذين يقيمان مع ابنتهما هانية في قصر عظيمة المنيف، الذي يسميه الفيلم "فيلا".
بدأ الاضطراب وانطلقت الفوضي مع ظهور الشاب حمزة (المغني عنبة)، وهو عامل في سوبر ماركت، ولكنه يطارد حبيبته نيرة (رنا رئيس)، التي نكتشف فيما بعد أنها مساعدة عظيمة، والغريب أن عامل السوبر ماركت هذا هو أيضا مخترع جهاز الإبصار، ويريد أن يسوقه للست عظيمة، ولكن الأمر يحتاج الي أموال، بدلا من صورة الجهاز الراهنة في شنطة سفر كبيرة، تطل منها الأسلاك الملونة.
يظهر محمد محمود وهو يسطو علي بنك، بينما تصرف عظيمة أموالها فضربته وتفشل محاولة السطو علي البنك، ونكتشف أن محمد محمود أو البرنس حشمت، لص البنوك، هو أيضا خال نيرة الفتاة الريفية، التي يريد حمزة أن يخطبها.
تقديم مرتبك وبدائي للشخصيات، يقودنا إلي عقدة غريبة وملتبسة، وأتمني أن أكون قد فهمت الحكاية بشكل صحيح، ذلك أن كريم ابن عظيمة قد استلف أموالا من البنك، بضمان فيلا أمه، ولكن أصدقاءه نصبوا عليه، فأصبحت الفيلا مرهونة وعلي أسرة عظيمة أن تحصل علي أقساط القرض، التي احتجزت في مكان ما.
أي كلام في أي كلام، المهم أن تقرر عظيمة فجأة أن تشكل عصابة، فيوافقها الجميع، وتظهر مهاراتهم جميعا، سواء في اقتحام قصر يسكنه قابيل (محمد ثروت في دور عجيب ينافس به توفيق الدقن)، وفي فتح خزانة نقود مرتان، مرة ليحصلوا علي دولارات مزيفة، ومرة ليجدوا الدولارات الصحيحة، وعظيمة معهم تخطط وتشارك بل وتقود الميكروباص بهم، وتتحدي قابيل في قصره، لنكتشف فجأة أيضا سر هذا الرجل الشرس الشرير، وعلاقته بالحادثة التي أضاعت بصر عظيمة، وصنعت كل هذه الفوضي.
لن أحدثك عن نجاح نيرة في تشغيل جهاز الإبصار (أبو شنطة سفر)، ثم تفجير قصر قابيل، ونجاة عظيمة من الموت، فلا أظن أن الأمر بحاجة إلي المزيد من السخف، ولكن ما يمكن التوقف عنده هو اعتقاد صناع الفيلم أن الكوميديا هي نقيض المنطق أو أنها لا تحتاج إلي دراما وتأسيس جيد للشخصيات والمواقف، أو أنها مجرد إفيهات ونكات يلقيها محمد محمود، وأغنيات يرددها الفتي عنبة، وهو بالمناسبة ممثل جيد وله حضور لطيف.
لم تفقد إسعاد يونس الحضور ولا خفة الظل، فهي لا تزال تتمتع بهما، ولكنها افتقدت ما هو أخطر، لقد افتقدت الإقناع بالشخصية، مثلما لم تكن رنا رئيس مقنعة أو مناسبة علي الإطلاق في دور فتاة ريفية، بينما كان كريم عفيفي وفرح الزاهد الأفضل نسبيا.
نكرر مئات المرات أن أي جهد تقني متميز يمكن أن يفسده السيناريو الركيك، وقد بذل وائل إحسان والمونتير أحمد حمدي ومهندس الديكور أحمد عباس ومدير التصوير الموهوب زكي عارف والموسيقار عادل حقي جهودا لافتة ومميزة، ولكنها تاهت وسط سذاجات وارتباكات لا حدود لها.
خسارة فعلا هذا الجهد الكبير وخسارة تلك العودة المرتبكة.
تستحق موهبة إسعاد يونس كتابة أفضل، ويستحق الجمهور أيضا أن يراها في أفلام أكثر نضجا وإحكاما.