" الحريفة " الذين حققوا النجاح الفني والجماهيري

" الحريفة " الذين حققوا النجاح الفني والجماهيريمحمود عبد الشكور

الرأى10-3-2024 | 16:17

بدون منازع، يمكن اعتبار فيلم " الحريفة "، الذي كتبه إياد صالح، وأخرجه رؤوف السيد، مفاجأة موسم 2024، بنجاحه الجماهيري الساحق في السوق المصرية، وبجودته الفنية والتقنية، وبتقديمه لعدد معتبر من المواهب في عناصر فنية متعددة، رغم أن الفيلم، الذي أنتجه طارق الجنايني، ليس فيه نجم شباك واحد، ولكنه يقوم على أكتاف مجموعة من الشباب، أكثرهم شهرة نور النبوي في أول بطولة له، ومع هؤلاء الشباب الموهوبين، مجموعة من النجوم أبرزهم نجم الكرة المعتزل أحمد حسام (ميدو)، في دور جيد ومميز.

أكد النجاح ما نكرره من أن السينما فن شاب، ويفترض لذك أن تحقق أفلام الشباب جيدة الصنع نجاحا معقولا، لأن الجمهور فى معظمه من هذه الفئة العمرية، ولكننا نجد قلة أو انعداما فى الأفلام التي تسند بطولتها إلى الشباب والمراهقين، بينما يوجد نوع بأكمله فى الأفلام الأمريكية، مثلا يسمى أفلام المراهقين، ومنذ النجاح المفاجئ لفيلم "أوقات فراغ" للمخرج محمد مصطفى، الذي قدم وجوها جديدة جيدة، استمر منهم أحمد حاتم، لم نر تجربة فى نجاح فيلم " الحريفة "، ولا شك أن ذلك مؤشر على تململ الجمهور الشاب من أفلام لم يعد أبطالها شبابا، ورغبة هذا الجمهور بشكل ما فى استعادة أفلام تعبر فعليا عن هذا الجيل.

ولكن " الحريفة " فيلم جيد فنيا بالأساس، حتى لو لم يحقق هذا النجاح المكتسح، فالمسألة ليست مجرد معادلة حسابية، بأن نقدم شبابا فى فيلم، فينجح الفيلم، ففيلم مثل "خمس جولات" فى الموسم الماضي، كان يقوم ببطولته شباب، منهم نور النبوي أيضا، وكان فيلم عن رياضة قتالية مثيرة، وفى الفيلم عناصر تقنية ممتازة، ومع ذلك لم يحقق الفيلم نجاحا، لأن فيه أيضا مشكلات أكبر، ولأن القصة فيها الكثير من الكآبة والعنف، رغم وجود مغني للراب ضمن أحداث الحكاية، يمثل روح أغنيات هذا الجيل.

" الحريفة " فنيا كسر كليشيهات كثيرة فى معالجته الذكية، وقدم بناء محكما إلى حد كبير، فالشائع أن يكون بطل تلك الأفلام فقيرا، ويصعد من خلال نجاحه الرياضي، ولكن بطلنا الشاب ماجد (نور النبوي) ينتمي أصلا إلى طبقة غنية، وينتقل بسبب أزمة مالية صعبة لأسرته، من مدرسته الخاصة، إلى مدرسة حكومية، وهو موهوب فى لعب كرة القدم، واسمه يحيلنا إلى "كابتن ماجد" وحلقاته الكارتونية الشهيرة، وهكذا يعود ماجد ابن الناس إلى الطبقة الأدنى، بل ويصبح صديقا لزملائه الفقراء، ويحاول أن يتكلم بطريقتهم، والفيلم بأكمله يقدم التحية للصداقة، ولروح الفريق الواحد، بعد أن كان ماجد، قبل أزمة أسرته، شابا أنانيا، يرفض أن يتنازل عن حذائه لزميله.

هنا انقلاب كامل لما هو مألوف، تماما مثل أن ترسم شخصيات زملاء المدرسة بتفاصيل إنسانية ممتازة، بعيدا عن الكليشيهات، فعندما يتعرض ماجد للتحرش والعنف فى البداية، نتوقع أن الصورة النمطية عن الطبقات الفقيرة ستتكرر، فنصبح أمام مدمنين وفتوات، ولكننا نتعرف على أم الشاب حتّة (مغنى المهرجانات كزبرة)، وسيلعب الفريق كله من أجل الحصول على أموال لإجراء عملية لهذه الأم الطيبة، وسيقوم الششتاوي (أحمد غزي)، بتعريف ماجد على أخوته الكبار، وسنرى الشاب عمر (عبد الرحمن محمد)، وهو يقوم بحماية ماجد من الشلة فى البداية، ويتحول إلى شقيق له، ينصحه بكل محبة، بل ويحاول أن يصبح وكيلا لأعماله، وكلها ملامح تكسر الصورة النمطية، والاستسهال السائد، الذي يشيطن الفقراء، ويراهم من الخارج فقط.

على الجانب الآخر، فإن معالجة إياد صالح الذكية، لم تشيطن الأغنياء أيضا، فرغم اللعب على الفوارق بين ابن الناس وزملائه الفقراء من حيث السلوك وطريقة الكلام، ولكنك ستحب أسرة ابن الناس، التي ستساند ابنها فى النهاية، بل إن شقيقة ماجد، وهي الطفلة ميار التي لعبت دورها الجميلة الموهوبة ريما مصطفى، هي التي ستعلم ماجد لغة وطريقة أبناء المناطق الشعبية، والأب نفسه هو الذي سيختلف مع ابنه فى مسألة ترك الفريق، وهو الذي سيحدثه عن أهمية الصداقة، وضرورة التمسك بأصدقائه الفقراء، ولانا خطيبة ماجد، التي لعبت دورها الجميلة نور إيهاب، ستسانده فى النهاية، بعد أن كانت تعتقد أنه قد أصبح أسير زملائه من "العيال الصايعة".

الفيلم البارع أيضا يحتفظ بأيقونات أفلام الصعود الرياضي، ويقدمها فى مكانها، وبصورة جيدة جدا، فلابد فى تلك الأفلام، بصرف النظر عن نوعية الرياضة، من وجود مدرب، ومرشد اجتماعي وفني يقف وراء النجاح، وهو فى فيلمنا المدرس ولاعب الكرة السابق محمد شلش، الذي لعب دوره بحضور فائق لاعب الكرة المعتزل أحمد حسام ، ولولا هذا المدرب، ما حصل لفريق على كأس بطولة المليون جنيه.

لابد أيضا أن تكون هناك عقبة أو عقبات يتغلب عليها أعضاء الفريق، وأن تكون هناك هزيمة تتبعها انتصارات، وفيلمنا مخلص جدا لهذا التقليد، إلى درجة أن الفيلم فيه أكثر ثلاث ذروات متتاليات، نظن بعد كل واحدة منها أن الفيلم سينتهي، ولكننا نعود إلى المباريات مرة أخرى، أي إن جرعة العقبات وتجاوزها زادت حتى عن المطلوب، وكان من بينها موقف غير مقنع، عندما يبيع حتة زملائه مقابل المال، ثم يتراجع فى الشوط الثاني، بعد أن تم تأنيبه.

هناك نقطة أخرى لامعة جدا فى المعالجة، فقد اختار إياد صالح لمسات كوميدية، خففت كثيرا من حكاية كان يمكن أن تكون كئيبة أو عنيفة أو جادة للغاية، وكانت اللمسات فى مكانها، وبدون استطراد أو استظراف، مثل مشاهد التناقض بين ما هو مكتوب على جدران المدرسة، وسلوك طلبتها الفوضوي، وتعليم ميار لشقيقها ماجد لغة الطبقات الفقيرة، وزيارة الفريق لبيت جدة ماجد الفاخر، وتعرّف ماجد على أسرة الششتاوي، ومساعدة حتّة لصديقه ماجد على تدبير لقاء حبيبته لانا، وحتى تعليقات معلّق البطولة بيومي فؤاد الظريفة، كلها مشاهد مرحة، تظل طويلا فى الذاكرة، جنبا إلى جنب مع مشاهد المواجهات العاصفة بين أفراد الفريق، وخطابات المدرب شلش لتأنيب لاعبيه على تخاذلهم، ومشهد ماجد مع والده فى طريقهما إلى المطار، وكلها أجزاء جادة ومهمة، كتبت بشكل جيد، وتم تقديمها بطريقة معقولة، وبأقل قدر من المبالغات.

هذا إذن فيلم يجمع بين الولاء للنوع وفهمه وإجادته، وبين كسر كليشيهات كثيرة، مع إتقان مدهش فى العناصر الفنية، اعتمادا على سيناريو محكم، ومخرج ممتاز وفاهم، قدم مباريات كرة الصالات بصورة مميزة، وبمساعدة فريق تقني ممتاز، لابد أن أذكر أسماءهم، وهم: محمد مختار (تصوير)، الرائع كريم سعد (مونتاج)، الوايلي ( موسيقى)، فريدة فؤاد (تصميم ملابس)، أحمد جمال (ديكور)، أحمد أبو ليلة (صوت)، وكلهم سينافسون فى تخصصاتهم على جوائز الأفضل لهذ العام.

الممثلون الشباب المدهشون أيضا كانوا عند حسن الظن وأفضلهم نور النبوي، والموهوب جدا عبد الرحمن محمد، وأحمد غزي، ويوسف عمر فى دور بسام، وخالد الذهبي فى دور النص، والمفاجأة كزبرة فى دور حتّة، وإن كان أداؤه يقل عندما يعلو صوته، مما يجعله فى حاجة إلى بعض تدريبات الأداء، ولكن قدراته الكوميدية عالية، ولديه حضور كبير.

ولا أنسى نور إيهاب، والطفلة ريما مصطفى، وبالتأكيد أحمد حسام، الذي كان اختيارا موفقا، وخاصة أنه يلعب دورا يعرفه، كلاعب ومدرب سابق فى مجال كرة القدم، ولذلك تمتع أداؤه بمصداقية عالية، وهو نفسه كان يلعب الدور بإخلاص وصدق وبراعة.

أسماء مثل بيومي فؤاد وفراس سعيد وشريف دسوقي كانوا أيضا فى أدوارهم، وكانت الأغنيات موظفة بشكل جيد، فتكاملت معظم العناصر، فى إيصال طاقة إيجابية كبيرة، وفى تأكيد قدرة الشباب معا، على اكتشاف أنفسهم، وعلى العمل من أجل الفريق، وليس من أجل الفرد، وعلى تحقيق النجاح المعنوي والأدبي، والنجاح المادي فى نفس الوقت.

حقق الفيلم أيضا تصالحا بين الطبقات، بروح إنسانية جميلة، وحفظ كرامة ابن الناس، الذي أفقرته الظروف، بينما جعلنا نتأكد أيضا أن بقية الفريق هم أيضا أولاد ناس، ولديهم أخلاق وإنسانية، ولكن ظروفهم الصعبة هي التي تعاكسهم. يقول الفيلم الدبيع إنه لا شيء يقف أمام الإخلاص والجهد والصداقة والمحبة، ولا شيء يقرب البشر مثل إنسانيتهم الكامنة فى داخلهم.

نسمع صوت ماجد وهو يحكي، فنشعر بحميمية كبيرة، وكأنه يحكي لكل شخص منا، ونسعد عندما ينتصر الشباب، فكأننا من انتصرنا، ونرى كرة الصالات المهمشة فى قلب الصورة، فنعرف أن هناك مدارس للأبطال تستحق أن تأخذ حقها.

ننبهر بمهارات الحريفة الكروية، ولكننا سنعرف أيضا أن الحرفنة ليست فى الملعب فقط، ولكن الحرفنة الحقيقية فى التعامل مع ظروفك الصعبة، وفيالانتصار على مشاكل الحياة، وفى رصيدك من الأصدقاء، ومن البشر الحقيقيين، الذين لا يقدّرون بكل أموال الدنيا.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2