"حشاشين العصر"

"حشاشين العصر"سعيد صلاح

الرأى17-3-2024 | 16:51

عبر الأجزاء الثلاثة لمسلسل الاختيار تمكنت "دراما المتحدة"، من كشف فروع الإرهاب وصوره الحديثة وكشف زيف وخطورة وتطرف ما يعتنقه أعضاء هذه الجماعات والتنظيمات من أفكار، ومدي تهديدها لحاضر البلاد ومستقبلها ، وكيف أن الدولة المصرية بمدنيتها وحضارتها، وسلامها وسلامة نفس أهلها، استطاعت أن تواجه هذا الفكر المتطرف وتقاومه،وكيف استطاعت أن تنتصر عليه وتقضي علي مخاطره وتحجمه بشكل كبير.

وها هي القوة الناعمة لمصر تتجسد في أوج وأقوي صورها لتقوم بتعرية جذور الإرهاب والتطرف وتكشف أصوله ومنابعه ومصادره، وكيف تأصل وتجذر وتكون، وكيف كان "الامتداد" صورة ونسخة طبق الأصل منه، حيث يأتي مسلسل الحشاشين ليفجر قنبلة غاز خانقة في وجه كل أهل الشر ودعاتهم وأنصارهم ومواليهم، وينزع عنهم كل أقنعة البراء، ويمزق كل ستائر التستر، ويحطم أدوات التخفي، ويوضح أوجه الشبه، بل التطابق بين "حشاشين الدولة الفاطمية "، وإخوانهم في هذا الزمان و"حشاشين العصر"، وكيف تأصل الفكر منذ القرن الحادي عشر، وامتد في صور أخري إلي يومنا هذا، سواء في مصر أو بلدان أخري.

المتابع لتاريخ جماعة الحشاشين وزعيمها " حسن الصباح "، الذي يتناوله المسلسل الآن، سيلاحظ هذا التشابه الذي أتحدث عنها، فالمستشرقون هم الذين أطلقوا علي هذه الجماعة اسم الحشاشين "hashashin" ومنها تم اشتقاق كلمة "Assassin"، وتعني القائم بالاغتيال، والرحالة الإيطالي ماركو بولو (1254 – 1324)، يعد أول من أطلق تسمية الحشاشين علي هذه المجموعة عند زيارته لمعقلهم المشهور بقلعة آلموت عام 1273، حيث ذكر أن هذه الجماعة كانت تقوم بعمليات انتحارية، واغتيالات ضد السلاجقة والأيوبيين تحت تأثير تعاطيهم الحشيش، والحقيقة أن ما يتناوله المسلسل من الصعب علي أي متابع أن يدرك سريعا أنه يشير إلي أوجه الشبه بين جماعة الحشاشين، وجماعات أخري في مصر وبلدان عربية،تتخذ العنف منهجا، والدين ستارا لتحقيق أغراض وأهداف سياسية خبيثة، ولعل إسقاط سيد قطب الشهير عندما تحدث عن هذه الجماعة،هووصف دقيق لتطابق تنظيمين اتخذا نفس المنهج والأهداف رغم الاختلاف الظاهري، سواء في المذهب، أو أدوات الإدارة بحكم اختلاف العصور طبعا، فهذه هي طقوس البيعة في المنشط والمكره، وأيضا السيطرة الذهنية والنفسية علي الأتباع إلي درجة الانصياع الكامل دون إخضاع الأمر لأي مراجعة عقلية، والمتابعة الدقيقة ل مسلسل الحشاشين تكشف أيضا، وبوضوح عدم وجود اختلاف كبير بين الأمس البعيد والقريب، ومن تابع التاريخ الملطخ بالدماء لمن يدعون امتلاك الحقيقة المطلقة، ومن يريد أن يضع يده علي أوجه الشبه بين "حشاشين الصباح"، و"حشاشين هذا العصر"، فلن يجد مشقة في ذلك، إنما يتطلب الأمر بعضا من الوعي ليتمكن صاحبه من القراءة السليمة لتاريخ طويل من الدم، بدأ منذ مئات السنين، ويبرز فيه اسم " حسن الصباح "، الذي يعد أول من أسس تنظيما سريًا وميليشيا مسلحة رسخت فكرة الاغتيال السياسي ، ومارست الإرهاب بشتي صنوفه، ومستمر حتي يومنا هذا وتبرز فيه أسماء كثيرة نعلمها جيدا ومدون أسماؤها في سجلات الشرطة والقضاء، المتابع سيجد أن هناك أوجه شبه كثيرة بين تنظيمات سنية في مصر، وشيعية في لبنان وإيران وغيرها، وبين التنظيمات والأحزاب قديما وحديثا، وأولها وأهمها هو الزعم بأنهم هم الإسلام، وأنهم حرب علي كل من خالفهم لإعلاء رايته.

علينا أن ننتبه جميعا ونتحصن بوعي قوي لا يضعف، ولا يرضخ لكل هذه المزاعم والأكاذيب فهولاء الذين بدأت جذورهم عند حسن الصباح ، وتتشعب وتتفرع،وتتنوع مسمياتهم وصورهم وأشكالهم الآن "كاذبون"، بل يكذبون مثلما يتنفسون.. والوعي الصحيح هو أفضل، وأحسن الطرق لمواجهتهم، وحسنا تفعل " الشركة المتحدة "، عبر أسلوبها المميز في تقوية الوعي عن طريق الدراما، فهي سلاح أثبت فاعليته في هذه المعركة.. معركة الوعي.. معركة البقاء والوجود والاستمرار.

حفظ الله الجيش .. حفظ الله الوطن.

أضف تعليق