بدأنا جميعا نتنفس الصعداء خلال الأيام القليلة الماضية، بعد قرارات تحرير سعر الصرف وإجراءات محاولة محاصرة التضخم وارتفاع الأسعار الجنوني.. ولكن لا يزال المواطن البسيط يضع يده على قلبه من شدة وشراسة الأسعار وثقل حملها على كاهله.. ويقضى نهاره وليله، وهو يؤرقه سؤال بسيط لكنه صعب وثقيل.
هى ليه الأسعار منزلتش؟.. هذا هو السؤال السهل والأصعب فى هذه الأيام.. لم يعد هناك سوق موازية للدولار وتتوافر بشكل مستمر السيولة الدولارية للأمور الخاصة بالاستيراد فضلاً عن تفريغ الموانئ من البضائع والرسائل المتأخرة، التى كانت تتراكم فيها بسبب عدم وجود الدولار وبالتالى تتوفر مستلزمات الإنتاج.. فلماذا إذن لا تزال الأسعار مرتفعة.
لقد تحركت الدولة خلال الفترة الماضى على أكثر من جبهة، وبذلت فى الحقيقة جهودًا كبيرة تمثلت فى إجراءات استثمارية وتمويلية وحزم تنشيطية للقطاعات الاقتصادية وبرامج جذب للاستثمارات، وذلك من أجل مواجهة هذه الأزمة ومحاولة تخفيف تداعياتها عن كاهل المواطن، التى كادت تفتك به وقد أثمرت وأسفرت هذه الجهود عن نتائج مبشرة ظهرت بالفعل عبر المؤشرات الكلية للاقتصاد، تحسن نظرة مؤسسات التصنيف الائتمانى الدولية لمستقبل الاقتصاد، وفى نفس الوقت كانت أيضا تحرص على توفير وزيادة حجم المعروض السلعى بالأسواق المحلية سواء عن طريق الإفراج عن البضائع أو زيادة الإنتاج المحلى مع الحرص الشديد على مراقبة الأسعار عبر الأجهزة المعنية وأيضًا توفير الحماية الاجتماعية بقرارات تؤمن توفير حوافز مالية تساهم فى تقليل الضغط الاقتصادى الناتج عن الأزمة.. ولكن رغم كل هذا لا يزال السؤال ملحا ومستغربا.. "ليه الأسعار مبتنزلش"؟.
هذا السؤال.. لفت نظر رئيس الحكومة مؤخرًا إلى ضرورة التركيز بشكل كبير على أهمية وضع إجابة واضحة – تريح قلب المواطن -، خاصة أنه أكد متابعته بشكل دورى لمستوى الأسعار وأنه من الضرورى أن يسمع المواطن أخبارًا مُبشّرة وإيجابية من" التجار"، وأن يكون هناك انخفاض سريع فى الأسعار.
إذًا الأمر يبدو أن جله فى يد التجار أو معظمهم على الأقل - حسب هذه التصريحات - وربما الاجتماع، الذى عقده الدكتور مصطفى مدبولى مع رئيس اتحاد الغرف التجارية ورئيس اتحاد الصناعات يترجم ذلك ويقول: إن مشكلة الأسعار - اللى مش عايزة تنزل- لا يزال أمرها فى يد التجار واللاعبين الأساسيين فى السوق المحلية.. على الجانب الآخر يقول التجار متحججين "بالدورة السلعية"، يعنى هم اشتروا سلع عندما كان الدولار مرتفعًا ولا تزال هذه السلع فى السوق والسلع، التى تم شراؤها بعد انخفاض الدولار فى السوق السوداء لا تزال لم تنزل السوق وبالتالى مسمعتش فى الأسعار ولم يشعر المواطن باختلاف.
وبين تصريحات الحكومة عن جهودها الكبيرة؛ لتحجيم السوق السوداء وتوفير السلع والإفراج عن البضائع ومستلزمات الإنتاج – وهى جهود صادقة وحقيقية – وبين تصريحات وألاعيب وأفعالا التجار والمستوردين وتجار الجملة والتجزأة، وبين الواقع المرير الذى نراه مترجمًا فى ذلك الرقم الموضوع على السلع فى المتاجر والمحلات.. لا يزال المواطن يعيش حالة صعبة جدًا ولا يزال الضغط مستمرًا والحمل ثقيلا؛ لذلك الأمر لم يعد منطقيًا ولا مقبولا كما قال الدكتور مصطفى مدبولى.. ونتمنى أن نرى فى الأيام القليلة المقبلة إجابة لهذا السؤال "السهل الصعب".