17 رمضان.. ذكرى غزوة بدر الكبرى وفاتحة الانتصارات الإسلامية

17 رمضان.. ذكرى غزوة بدر الكبرى وفاتحة الانتصارات الإسلاميةانتصارات شهر رمضان

الدين والحياة27-3-2024 | 10:12

شهر رمضان.. شهر الانتصارات التي علت فيها راية الإسلام، شهر الجهاد والمجاهدة، فلقد تم فيه فتح مكة، كما انتصر المسلمون على التتار في موقعة عين جالوت، وعلى الصليبيين في معركة حطين.

وكان الحدث الأهم والأعظم في هذا الشهر هو انتصار المسلمين في غزوة بدر، التي سُميت بـ "بدر الفرقان"، لأن الله تعالى فرق فيها بين الحق والباطل.

بدأت القصة عندما علم الرسول الكريم بأمر قافلة قريش التجارية العائدة من الشام، وبها تجارة أكابر قريش الذين سبق وأن نهبوا من قبل بيوت وأموال المسلمين ظلماً وعدواناً، وليس لأي ذنب فعلوه غير أنهم قالوا ربنا الله، وبعد نزول قوله تعالى{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير* الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا اللَّه ُوَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِىٌّ عَزِيزٌ* الَّذِينَ إِنْ مَّكَّنَّاهُمْ في الأرض أَقَامُواْ الصّلاةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأمور}.

أراد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يسترجع المسلمون أموالهم المنهوبة، فأرسل الصحابي "بسبس بن عمرو"؛ لجمع المعلومات عن القافلة فعاد بالخبر الذي جعل الرسول ينادي في أصحابه بالخروج لملاقاة القافلة، فكان خروجه من المدينة في اليوم الثاني من رمضان من السنة الثانية للهجرة، وكلف عبدالله بن أم مكتوم بإمامة الناس في الصلاة، ثم خرج ومعه بضعة عشر وثلاثمائة من الصحابة وفرسان و70 بعيرا، وتناوب كل ثلاثة من المسلمين على بعير واحد، ويرجع ضعف قوات المسلمين الى أنهم لم يخرجوا للقتال وإنما خرجوا لاسترداد ما نهب منهم، فنزلوا ببدر وهو بئر بين مكة والمدينة.

وعندما علم أبو سفيان بأمر اعتراض قافلته أرسل عمرو بن ضمضم الغفاري إلى قريش يطلب العون فاستشاطت قبائل قريش وسارعوا إلى الخروج لمواجهة المسلمين، وكان عددهم ألف رجل ومائتي فرس، وكان قائدهم عمرو بن هشام "أبو جهل".

ورغم أن أبا سفيان نجح فى الإفلات من كمين المسلمين، إلا أن قريشا قد أصرت على مواصلة الحرب حتى لا يعاود النبى وأصحابه مهاجمة قوافلهم التجارية، وقال أبو جهل: "والله لا نرجع حتى نرد بدراً فنقيم عليها ثلاثا تنحر الجزور ونطعم الطعام ونسقي الخمر وتعزف علينا القيان وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا فلا يزالون يهابوننا أبدا بعدها فامضوا".

العير والنفير

لقد أراد الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ العير "أى إبل القوم" وأراد الله النفير "أى الحرب"، لتكون أول حرب بين الإسلام والشرك، وفى ذلك يقول الله تعالى فى محكم كتابه العزيز: "وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ".

اندلع القتال في 17 رمضان من السنة الثانية للهجرة بمبارزات فردية فبارز حمزة بن عبد المطلب شيبة بن ربيعة فقتله، وبارز علي بن أبي طالب الوليد بن عتبة فقتله، أما عبيدة بن الحارث فقد استشهد على يد عتبة بن ربيعة فقام حمزة وعلي فاقتصاه من عتبة، واشتدت المعركة واعتمد المسلمون أسلوب الكر والفر في قتالهم، وأخذ الرسول ـصلى الله عليه وسلم ـ يدعو ويرفع يديه حتى سقط رداءه وظهر بياض إبطيه فاستجاب الله لدعائه وأوحى له (إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ)، وتحقق النصر للمسلمين وقتل من المشركين سبعين، وأُسر سبعون، وكان أكثرهم من قادة قريش، واستشهد من المسلمين أربعة عشر من المهاجرين وثمانية من الأنصار.

دروس غزوة بدر

كانت غزوة بدر مليئة بالعبر والدروس وابتكار فنون قتالية جديدة، فقد ابتكر الرسول القتال نظام الصفوف، كما أرسى مبدأ الشورى من خلال استجابته لرأي حباب بن المنذر عندما أشار عليه بتغيير مكان المسلمين على بئر بدر، واستخدم المخابراتية فى جمع المعلومات من خلال إرسال الصحابي بسبس بن عمر لينقل له أخبار قريش، كما استطاع كقائد ناجح تعبئة جيشه معنوياً حيث كان يشير لهم إلى مكان قتل كل واحد من المشركين؛ مما أزال من قلوبهم الخوف بسبب قلة عددهم، ولم تخلو الغزوة من لمسات رحمة النبي بأصحابه فقد رد البراء بن عازب وابن عمر؛ لصغر سنهما وقد كانا يُصران على الاشتراك في الجهاد.

في هذه الغزوة كرّس الرسول فكرة الدولة والتحام القائد مع جنوده، فقد اشترك في بعير واحد مع علي وأبو لبابة وتناوبا على ركوبه.

كما ظهر جليًا في بدر أهمية الإيمان بالله والتوكل عليه والدعاء له في الوصول إلي النصر، فقد أنزل الله على قلوب المسلمين السكينة وألقى في قلوب المشركين الرعب، كما أنزل ملائكته تحارب بين صفوف المسلمين، وأرسل النعاس على المسلمين ليرتاحوا قبل المعركة، كما ثبت الأرض تحت أقدام المسلمين وزلزلها تحت المشركين.

لقد رسخت غزوة بدر لأجيال الأمة أن النصر ليس بالعدد والعُدة، وإنما بالاعتماد التام على الله مع الأخذ بالأسباب للوصول إلى النصر المنشود.

أضف تعليق