ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية يناقش مكانة العقل في الإسلام

ملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية يناقش مكانة العقل في الإسلامملتقى الأزهر للقضايا الإسلامية يناقش مكانة العقل في الإسلام

الدين والحياة29-3-2024 | 00:21

عقد الجامع الأزهر اليوم الخميس في الليلة التاسعة عشرة من شهر رمضان المبارك، عقب صلاة التراويح «ملتقى الأزهر.. قضايا إسلامية»، بمشاركة فضيلة ‏الدكتور محمد يسري جعفر، أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، وفضيلة الدكتور جميل تعيلب، وكيل كلية أصول الدين بجامعة الأزهر وأستاذ العقيدة والفلسفة، وذلك بحضور جمعٍ من علماء وقيادات الأزهر الشريف، وجاء عنوان الملتقى اليوم: «مكانة العقل في الإسلام».

وقال الدكتور محمد يسري جعفر إن مكانة العقل في الإسلام، ومكانته في كل الأديان، وفي كل العلوم الإنسانية عبر التاريخ الإنساني، مكانة جليلة، لذا يجب علينا تجلية هذه الحقيقة، لأن العقل جوهرة ربانية منحها الله للإنسان ليميز بها بين الحق والباطل وبين الخبيث والطيب، موضحا أنه من الواجب علينا أن نعلم أن من يضر عقله بسكر أو بتعاطي مسكر أو مخدر ليضيع قيمة العقل كالذي يضر عقله أيضا في التعامل مع النصوص الشرعية، ويقصي هذا العقل جانبا ويزعم أو يتصور أن النصوص الشرعية واضحة بنصها وظاهرها.

وأكد أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن الإسلام دين عالمي، ويجب على أتباعه أن يوضحوا هذه الحقيقة، فالآيات في القرآن الكريم كثيرة في الكلام عن العقل، يكفينا أن نقارن بين آيتين كريمتين، قوله تعالى " إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون"، وقوله أيضا "إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب"، وهذه الدعوة الواضحة تجعلنا نفهم مكانة العقل في الإسلام والنصوص كثيرة تدلنا على ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم بين مكانة العقل، حين بدأ تبليغ الوحي، فجمع القوم وقال "أرأيتم لو أخبرتكم بأن خيلا وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي، قالوا ما جربنا عليك كذبا قط"، فحكموا بأنه صادق وكلامه مقطوع بصدقه، فكان العقل هو الذي حكم من خلال تجارب واقعية بصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك لم يجرؤ أبولهب أن يقول له شيئا، فكان رده "تبا لك ألهذا جمعتنا"، اغتاظ أن تكون الرسالة فيه، أما صدقه فلم يستطع أحد أن ينازع فيه.

وأوضح فضيلته أنه وفي العلاقة بين الوحي والعقل، اختلف الناس كثيرا هل الوحي أولا أم العقل أولا، وهذه جدلية تبدو معقدة ولكنها سهلة لو أدركنا قيمة الوحي وقيمة العقل، فالعقل من الله والوحي من الله، وما كان من الله لا يمكن أن يعارض بعضه بعضا، مصداقا لقوله تعالى "لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط"، فالكتاب هو الوحي والميزان هو العقل، فالإنسان حينما يقضي بين الناس يقضي بمجرد النص، أم يقضي باستخدام العقل في فهم النص، مبينا أن نبينا كان مدركا لقيمة العقل، وهناك الكثير من النصوص الواضحة في ذلك ونحن في أمس الحاجة لتطبيق تلك النصوص باستخدام عقولنا في واقع حياتنا، وهناك أسئلة ترد على الشباب والكبار والصغار، وهو ما يفرض علينا إدراك أمرين مهمين، الفرق بين خطاب الدعوة الموجه إلى أمة الإجابة، وبين خطاب الدعوة الموجه إلى أمة الدعوة، وكل الأمم تندرج تحت أمة الدعوة، فهذا الخطاب الذي نوجهه لهم ينبغي أن يكون عقلانيا من الدرجة الأولى.

ومن جانبه، أوضح الدكتور جميل تعيلب أن الدين الإسلامي هو دين العقل، ولكن العقل المنضبط، والقرآن الكريم هو كتاب العقل، فكل آيات القرآن الكريم الخاصة بإثبات آيات العقيدة ذكرها الله تعالى في صورة أدلة عقلية، وفي صورة أقيسة منطقية، وكثير من آيات القرآن الكريم تبين مكانة العقل ودور العقل، كما بين الحق سبحانه وتعالى في كثير من الآيات "إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون" وفي أخرى "يتفكرون" و"لأولي الألباب" و"لأولي النهى"، كما أمرنا الله تعالى أن نسير في هذا الكون لنتدبر في خلق الله تعالى. وبين وكيل كلية أصول الدين أن أدلة وجود الله تعالى جميعا تعتمد على وجوب إعمال العقل، ولكن كما قلنا العقل المنضبط، فالله تعالى يحاسب من لم يعمل عقله، بل إن جناية الكافرين في الآخرة واستحقاقهم الخلود في النارد أنهم لم يعملوا عقولهم "وقالو لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير" لو كانوا يتبعون العقول القويمة الرشيدة لما أوصلهم الأمر إلى أن صاروا في الآخرة في العذاب، مضيفا أن كثير من التكليفات الشرعية، كما نعلم، قال الله تعالى وقالت الشريعة أن شرطا فيها وجوب العقل، فالإسلام قد أوجب على فاقد العقل الحجر، لأنه لم يعد مؤهلا لهذا، وفي الشريعة نجد دائما الدليل العقلي بجوار الدليل النقلي، بل إن الصفات الواجبة لله تعالى هي ثلاثة عشر صفة، تسعة منها يثبت وجوبها أولا من خلال العقل، ثم يأتي الشرع مدعم لإثبات العقل، والثلاث الأخرى يكون استدلالها من خلال الشرع ويدعم العقل هذه الأدلة.

واختتم فضيلته بأن التطبيقات العملية لأهمية العقل في الإسلام تفيد بأن كل قضايا العقيدة من خلال أدلة عقلية، بل وفي سورة منطقية، إثبات وحدانية الله تعالى في قوله "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا" وهذا دليل منطقي، لأنهما لم يفسدا، وهذا يدل على وجود إله واحد وينتفي وجود أكثر من إله، وأيضا الحق تعالى ذكر الكثير من الأمثلة لإثبات وحدانية الله منها "يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له"، فهذه الذبابة التي هي من أقل الكائنات، لن تستطيع كل الآلهة مجتمعة لخلقها ما استطاعت، وهذا دليل عقلي أيضا، فالعقل هو مناط التكليف والقسمة المشتركة بين الناس جميعا.

أضف تعليق