ملاحظات على دراما رمضان

ملاحظات على دراما رمضانمحمود عبد الشكور

الرأى7-4-2024 | 17:21

أفضل المسلسلات: " الحشاشين " و" إمبراطورية م " و"أعلى نسبة مشاهدة" و" مسار إجباري "

حشد هائل من المسلسلات تنازعت على اهتمام المشاهدين وطوفان الإعلانات الرمضانية، من المستحيل بالطبع متابعة أكثر من 30 مسلسلا، ولكن يمكن فقط متابعة البعض منها، وسرد ملاحظات عامة، تقديم التحية لنجوم وعناصر مميزة.

لا تزال الإعلانات مثلا تشوش على عرض المسلسلات، بصورة تجاوزت الحدود، ولا تزال هناك مسلسلات تعتمد على الكليشيهات والإفيهات، ولكن هناك بالمقابل بعض التنوع وإنتاج أعمال ضخمة مثل " الحشاشين "، هو عندى أهم مسلسلات رمضان ، هذا العام وهناك كذلك إتاحة الفرصة لأسماء شابة لبطولة أعمال حققت أصداء ممتازة، أتحدث تحديدا عن حلقات " مسار إجباري " بطولة أحمد داش وعصام عمر، مسلسل " أعلى نسبة مشاهدة " بطولة سلمى أبو ضيف وليلى أحمد زاهر، ولا ننسى مناقشة قضايا مهمة وخطيرة فى أعمال مثل "صلة رحم".

انتقدنا مسلسلات الثلاثين حلقة، وطالبنا بالعودة إلى صيغة الـ 15 حلقة، وأعتقد أنه قد جاء الوقت للمطالبة بأن تكون بعض المسلسلات 7 حلقات أو تمثيلية سهرة قبل السحور، لأنها لا تستحق أكثر من ذلك.

والآن إلى بعض الملاحظات التفصيلية حول "ما تيسر مشاهدته" من أعمال:

تألق كريم

أعجبنى أداء كريم عبد العزيز لشخصية حسن الصباح.

هدوء كامل، لا صخب ولا انفعال، لا يعلو الصوت إلا بشكل استثنائي، التعبير على قدر الكلام، مشية واثقة لرجل يعتقد أنه امتلك "الحقيقة المطلقة"، ووجه محايد لا يكشف عما يفكّر فيه صاحبه، كاريزما وهيبة لشخصية قادرة على قراءة الوجوه، وتحلم بتغيير العالم.

غرور وامتلاء الحمقى لا يحتاج أبدا إلى حركة عنيفة أو لافتة، على العكس، هو الذى يحرّك ويأمر ويؤثر، بينما يقف أو يجلس فى مكانه.

الشر كامن وساحق، ولكن خطورته فى هذا الهدوء، والسكون يعطى إيحاء بالغموض، وبعدم التوقع.

هذا هو المدخل الصحيح للشخصية: الظاهر بخلاف الباطن والهدوء لا الانفعال، الثقة وليس القلق.

أسوأ اختيار أن يكون ممثل هذا الدور بملامح حادة، وعيون صارمة، ووجه غير مريح، الظل والنور يرسمان على ملامحه زوايا حادة شيطانية.

كريم عكس ذلك على طول الخط: وجهه مريح، أقرب إلى الطيبة، يوحى بالثقة والصدق، ترتسم على عينيه دهشة السؤال، شعيرات بيضاء تمنحه وداعة وأبوة، والنور والظل يمنحان وجهه مساحات واسعة وواضحة.

هذا "باطني" مثالي، الشر فى الداخل، ليس فى الملامح والموت فى النبرة الهادئة يأمر بالقتل بنفس النبرة، الذى يطلب فيها كوب من الماء، هذا أمر مروّع بشكل مضاعف؛ لأنه يجعل القتل أمرا عاديا وتافها.

الباطنى هو رجل الأسرار والتقيّة، رجل الثوب الأبيض، حتى يحين وقت كشف التستر، وحتى يظهر الثوب الأسود بعد التمكين.
كريم عبد العزيز قدّم فى المسلسل أحد أفضل وأصعب أدواره.

الثنائى العظيم

محمد محمود وانتصار قدما اثنين من أفضل أدوارهما بشخصية فتحي، الأب البائس، وحمدية، زوجته الأكثر بؤسا، فى حلقات "أعلى نسبة مشاهدة".

الشخصيتان كتبتهما سمر طاهر بكثير من التفاصيل الإنسانية، وكأنهما يلخصان أحوال الأب المصرى والأم المصرية من الطبقات الدنيا، تلك الطبقات المسوقة، التى تعيش يوما بيوم أو على حد تعبير الراحل جلال عامر البليغ: " الناس اللى كويس أصلا إنها عايشة".

محمد محمود وانتصار كانا يخرجان بسلاسة وتمكن من إثارة الشجن والتعاطف، إلى لمسات كوميدية من قلب الموقف، الوجوه تنطق بالشقاء، العيون حزينة، ولكن الجسد يتحرك ويحاول ويعافر، وبين نبرات صوت مهزومة، وصرخات عالية، ومحاولة للاستجداء أحيانا، تصبح الحالة أبلغ من مائة مقال.

فتحى وحمدية ليسا فقط اثنان من الغلابة، ولكنهما "الغُلبْ" ذات نفسه يمشى على قدمين، بتشخيص فذ من اثنين من أفضل ممثلى دراما 2024.

عودة نشوى

ليس الغريب أن تقدم نشوى مصطفى دور العمة مديحة فى حلقات "إمبراطورية م"، بكل الحضور والبساطة والدفء، مع لمسات كوميدية تجيدها، دون أن يتحول الأداء إلى كاريكاتير واستظراف، ولكن الغريب هو أن تغيب هذه الممثلة الفريدة لفترات طويلة، فلا نراها فى أدوار كثيرة تستحقها.

نشوى ملأت الشخصية كأم بديلة، بل لعل مديحة هى أم الأبناء الفعلية، بعد موت أمهم، هى أيضا جسر التفاهم، وحمامة السلام، بين أفراد الإمبراطورية، والإمبراطور مختار، إنها كذلك امرأة تستحق زوجا، وتستحق أن تكون أمّا بالإنجاب، وليس بالتربية فقط.

سعيد لأن نشوى أنقذت مديحة، وسعيد أكثر لأن مديحة أعادت نشوى إلى التألق.

نظام المُلك

فتحى عبد الوهاب فى دور نظام الملك فى مسلسل "الحشاشين" لعب ببراعة شخصية تاريخية استثنائية، ولكنها تكاد تكون عنوانا على رجل السياسة فى كل العصور، مشاهده فى مواجهة حسن الصباح (كريم عبد العزيز) من أفضل مشاهد المسلسل، الحوار بينهما ليس بالكلمات فقط، ولكن بنظرات العين، وبالحركة بين الظل والنور، نظرة فتحى عبد الوهاب من أعلى إلى أسفل تقول: إنه يرى أعماق صديق طفولته حسن الصباح، يعرف طموحه ومكره، فيها أحيانا بعض التحذير والوعيد، وصوته يحاول أن يسيطر على غضب وبركان يغلى فى داخله، ونظرة حسن الصباح من أسفل إلى أعلى، تقول: إنه يثق فى النتيجة ولا يخاف من سلطة الوزير، ويعرف جيدا كيف يدير معركته، تماما مثل لعبة شطرنج: من يستطيع الفوز فى سباق السلطة والنفوذ؟

علاقة حسن الصباح والوزير نظام الملك والشاعر والعالم عمر الخيام (نيقولا معوّض)، وصداقتهم القديمة، والعهد الذى سيتم إهداره، يذكرنى بصداقة مماثلة قديمة بين أربعة فى مسلسل "القاهرة كابول" لعبد الرحيم كمال، وانتهت تلك الصداقة أيضا إلى صراع ومأساة.

حسن ونظام الملك والخيام نماذج إنسانية من لحم ودم، ولكنها تمثل أيضا رجل السياسة والسلطة الزمنية، فى مواجهة رجل التنظيمات الباطنية والسلطة الدينية، ومحاولة ترويض ورجل العلم والفن والشعر أيضا، ولكن الأخير يراهن على سلطة فنه وعلمه، ويتمسك بالحرية بعيدا عن صراع السلطة.

أصعب شيء أن تكون الشخصيات حية بكل تفاصيلها، وأن تمثل أفكارا فى نفس الوقت، وقد تحقق ذلك بشكل جيد.
صدمة "البهجة"

من أكثر الأعمال التى خالفت التوقعات، مسلسل "عتبات البهجة" بطولة يحيى الفخراني، وكتابة مدحت العدل، وإخراج مجدى أبو عميرة، بدا المسلسل فاترا، يدور فى حلقة مفرغة، محدودا فى أحداثه وأفكاره وشخصياته، يناسبه أن يكون مجرد سهرة تليفزيونية، حكاية السناتر والابتزاز الإلكترونى مثلا استهلكت تماما، والأهم من ذلك أن رواية إبراهيم عبد المجيد ذات البعد الفلسفي، تحولت هنا إلى مجرد علاقة جد بأحفاده أو يوميات عائلية عادية، وظهرت الشخصيتان المحوريتان، بأداء يحيى الفخرانى وصلاح عبدالله، أقل بريقا وانطلاقا ومرحا من أصلهما الروائي، رغم وجود كيمياء بين الممثلين الكبيرين، ولكن ظلت المشكلة فى أن المعالجة لم تضف ولم تنقل، ولكنها ظلت تقليدية ومحدودة، أقرب إلى الجدية والمأساة، وأشك كثيرا أن أحدا قد وصل إليه شيء عن البهجة، أو عن عتباتها.

بابا أكرم

أشياء كثيرة لفتت نظرى فى مسلسل " بابا جه "، منها الاقتباس والتمصير الجيد استلهاما من الفيلم الكورى "dad for rent"، والإشارة إلى ذلك فى التترات، ومع ذلك نجح وائل حمدى ومحمد إسماعيل أمين فى كتابة تفاصيل مصرية، وفى تحقيق توازن صعب بين اللمسات الكوميدية، وإثارة التأمل والشجن.

الفكرة فى جوهرها مؤلمة؛ لأنها تتعلق بأب يتراجع دوره داخل أسرته، ويقصّر فى مهمته العائلية، ليؤدى دور الأب بشكل أفضل فى أسر أخرى، كما أن علاقة الأب مع ابنته متوترة فى أوقات كثيرة، ولكن المفارقات المرحة حاضرة أيضا، بالذات مع وجود الصديق والقريب، الذى يلعب دوره محمد أوتاكا، ومع الكيمياء الممتازة فى الأداء بينه وبين أكرم حسني.

أحببت كذلك طموح واجتهاد أكرم فى ألا يقدم الكوميديا فقط، وأن يبحث عن أفكار مختلفة، والحقيقة أنه يؤدى المواقف الإنسانية بكثير من الحساسية والصدق.

لا يمكن تجاهل أيضا أن المسلسل يدور عن الأب وأهمية دوره ووجوده، وحول طبيعة علاقته مع أسرته، هنا احتياج واضح للسلطة الأبوية، حتى لو كانت للايجار، بينما كانت تلك السلطة مجازا شائعا فى الدراما المصرية للتسلط والقهر. "بابا جه" يأخذ من الأبوة وجها مختلفا، بل ويجعلنا نتعاطف كثيرا مع الآباء، ثم يمرّر كل ذلك بدون صخب، ويحقق معادلة صعبة بين الضحك والتأمل، وبصورة ممتعة ومؤثرة.

أحزان فرح

كانت دوما ممثلة ممتازة، ولكنها كانت تتألق ثم تختفى طويلا، لتعود فرح يوسف هذه المرة بأحد أفضل أدوارها عموما، دور الأخت الكبرى آمال فى مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة"، الوفية والمساندة، الجدعة رغم ظروفها الصعبة، ورغم خيبتها بزواجها من شخص مراوغ، لا يمكن الاعتماد عليه، رغم بؤس أحوال الأسرة كلها.

تعبيرات الوجه، نظرات العينين، لغة الجسد، صرخات العراك والجدل، حنان الأم مع ابنها، كل التفاصيل البسيطة تتحول إلى ألوان من المواقف، التى قدمتها ممثلة تعرف الشخصية جيدا، وتستطيع أن تجعلنا نراها.

أما الإحساس بالقهر والحزن فهما يخرجان من القلب ومن الأعماق.

لا يزال أمام فرح يوسف الكثير لتقدمه، تستطيع بالتأكيد إذا كانت تمتلك هذه الموهبة وتلك الحرفة، وتلك الحساسية الفائقة والصادقة فى الأداء.

نجاح الإمبراطورية

" إمبراطورية م "، فى نسختها التليفزيونية 2024، بكتابة محمد سليمان عبد المالك، وإخراج محمد سلامة، معالجة ناضجة وذكية للأصل، فيها لمسة الواقع المعاصر، دون إغفال للأفكار، التى شغلت إحسان عبد القدوس فى قصته، ودون إفلات مغزى الحكاية ومعناها، دون التنازل عن بصمة خاصة، لا تنافس الفيلم الشهير لفاتن حمامة، ولكنها تنسج على نفس النول، وتقدم تنويعات على نفس اللحن والمقام.

مفتاح التميز فى المسلسل فى "الكاستنج" الممتاز، كما كان الحال فى الفيلم، خصوصا اختيار أدوار الأبناء، مع كل الأدوار الأخرى، وعلى رأسهم بالطبع خالد النبوى و ونشوى مصطفى ونور النبوى ومحمود حافظ وإيمان السيد، نجح المخرج محمد سلامة فى ضبط خطوط وإيقاع الحكاية بكل براعة، نجاحه الأهم ألا نشعر فى البيت بوجود كاميرا أو صنعة أو حركة لافتة، وكأننا بالفعل داخل بيت وأسرة، نتلصص على حياتهم ومناقشاتهم، وكانت مشاهد الفلاش باك بحضور الأم (سلاف فواخرجي) فى مكانها.

صلة رحم

ربما يكون مسلسل "صلة رحم" كتابة محمد هشام عبيّة وإخراج تامر نادى من أكثر مسلسلات رمضان إثارة للجدل، بموضوعه الشائك، وبشخصياته الثلاثة المحورية، وبتقاطع موضوعه مع الدين والعلم والقانون، وبخطورة الإنزلاق إما إلى المباشرة والمواعظ، أو الى إرضاء كل الأطراف أو إلى تحويل الدراما إلى محاضرات علمية جافة.

ولكن محمد هشام عبيّة نجح فى تقديم دراما محكمة، رسمت شخصياتها بشكل جيد، مع ضبط الخطوط والعلاقات، والابتعاد عن التنميط والكليشيهات، وتقديم الحكاية بشكل واقعي، صادم أحيانا ولكنه حقيقي، ووفق منطق كل شخصية، ليس رغما عن هذا المنطق.

هكذا تسير الحياة، وهكذا يتم إخفاء "المسكوت عنه"، لا تجميل ولا تزويق، مع التأسيس الجيد لدوافع الشخصيات ومواقفها، ونسج تفاصيل وأحداث تدفع الدراما إلى الأمام، وتزيد من مأزق الاختيار والاختبار، مما أتاح لإياد نصار وأسماء أبو اليزيد ويسرا اللوزى تقديم أدوار مميزة، لأن لديهم أصلا شخصيات حيّة من لحم ودم.

تتجاوز المعالجة فى رأيى مسألة تأجير الأرحام، لأنها أيضا دراما عن الاختيارات الصعبة والخاطئة والمؤلمة وربما القاتلة، دراما تختبر موقفا وجوديا ملتبسا أخلاقيا وإنسانيا، حكاية الكارثة، التى تبدأ بفكرة، وتراجيديا "حالة النقص والاحتياج"، التى تحرّك الشخصيات الثلاثة بتنويعات مختلفة، التى تحرّك سلوكنا عموما، كل طرف يلتمس المساعدة والنجاة، ولكن اللعبة لا تتم بمعايير عادلة، وتدار بأخطاء وخطايا مدمرة، أما النهاية الكارثية فلا أراها سوى بداية لصراع جديد ولا أراها سوى أسئلة جديدة وليست إجابات.

يكفى الدراما أن تجعلنا نرى الإنسان بكل تناقضاته، وأن نرى الحياة كما هي، ليست كما نريد أن تكون، يكفيها أن تلفت الانتباه إلى المشكلة أما حلّها فهو مهمة جهات أخرى، وقد حقق مسلسل "صلة رحم" هدفه بكل جدارة، وترك، بشخصياته وحكايته الغريبة أثرا عميقا وخطيرا فى العقول وفى القلوب.

سلمى وليلى

مفاجأة أخرى هى أداء الثنائى سلمى أبو ضيف وليلى أحمد زاهر لشخصيتى الشقيقتين شيماء ونسمة كاريزما، فى مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" كتابة سمر طاهر وإخراج ياسمين أحمد كامل.

تقريبا نحن أمام إعادة اكتشاف كاملة، خصوصا أن سلمى وليلى بعيدتين عن أدوار بنات المناطق الشعبية فى زمننا الراهن، اللاتى تختلفن بالتأكيد عن بنات زمان.

الاثنتان قدمتا شخصيتين مختلفتين إلى درجة التناقض، مع اشتراكهما فى الفقر والطموح: شيماء هادئة ورومانسية وربما أكثر غموضا، ونسمة جريئة واستعراضية وتحب المغامرة، والشخصيتان لهما مواقف شديدة التنوع والتركيب، وأحيانا يتم الانتقال بين أكثر من حالة فى مشهد واحد بمنتهى السلاسة والبساطة الممتنعة، مع الحفاظ على ملامح الشخصية وتفاصيلها صوتا وحركة بل ومشية ولغة جسد، لا توجد غربة عن المكان، وكأن سلمى وليلى ولدتا هناك، ولا شك أن هذا الأداء ثمرة إدارة مميزة من المخرجة ياسمين أحمد كامل، فالممثل لا يرى نفسه إلا من خلال عين المخرج.

قرأت انتقادات كثيرة لسلمى وليلى: الأولى انتقدت لأن أداءها فاتر وهادئ، والثانية انتقدت لأن أداءها مبالغ فيه، وهذا خلط فادح بين أداء الممثلة وطبيعة الشخصية نفسها، يعنى سلمى لابد أن تكون هادئة وحالمة وخافتة الصوت وربما بطيئة الحركة، لأن شيماء الرومانسية الحالمة يجب أن تكون كذلك، وليلى يجب أن تبالغ فى الحركة ويعلو صوتها وتتحرك كثيرا بداع وبدون داع، لأن نسمة بالأساس شخصية استعراضية، شيماء لا يزعجها الهامش، وأكثر استعدادا للاستسلام لظروفها، ولكن نسمة تريد دوما أن تكون فى قلب الصورة، وهى التى ستقود شقيقتها إلى الأضواء، ثم تصلان إلى صدام مروع وعنيف.

اختيار مدهش وموفق جدا، و سلمى أبو ضيف وليلى أحمد زاهر ممثلتان رائعتان فى الطريق إلى مراحل فنية أكثر نضجا واكتمالا.

سر الشقة

سر التميّز فى مسلسل "أشغال شقة" كتابة شيرين دياب وخالد دياب وإخراج خالد دياب ليس فى الفكرة القادمة مباشرة من فيلم شهير ومعروف وظريف جدا هو "صباح الخير يا زوجتى العزيزة"، ولكن السرّ فى عدم الاستسهال، وفى ابتكار مواقف تعتمد على المفارقة، وشخصيات غريبة وطريفة، وفى البناء المدهش للمشاهد الكوميدية، وفى أداء الثنائى هشام ماجد ومصطفى غريب على وجه التحديد، مع تميز ضيوف الشرف، واختيارهم الموفق للغاية.

كثيرون لمسوا البساطة وكتبوا عنها، ولكن هذه البساطة التى نراها معقدة و ممتنعة وهى بالضرورة ثمرة جهد فى الكتابة والتنفيذ، فلا يوجد فن مثل الكوميديا يحتاج إلى الدقة وتكامل العناصر كتابة وتنفيذا.

مشهد السوبر ماركت مثلا، الذى ظهر فيه أكرم حسني، نموذجى فى شرح فكرة بناء المشهد الكوميدى بتفاصيله، والانتقال من البساطة أى التعقيد، فالفكرة الأبسط والأسهل والأقرب هى أن يعانى هشام ماجد وصديقه وزوجته من الخادمة العجوز ثقيلة السمع، واستخدام الميكروفون للمناداة عليها من أجل البحث عن "بطيخة مرمّلة" مثلا، سيفجر الضحك بأقل جهد، ويمكن تكرار ذلك إلى أن يمل المتفرج، وتبتذل الفكرة، ولكن دخول أكرم حسنى عاشق البرتقال نقل المشهد إلى خيال عجيب؛ لأن أكرم ليس أقل غرابة من الخادمة العجوز، سواء فى شغفه بالبرتقال أو فى علاقته مع زوجة يريد أن يطلقها، أى أن التكنيك هنا هو جعل العبث مضروبا فى شخصيتين فى مكان واحد، ثم تصبح عبثية هشام، كشخص ثالث متسقة تماما مع الفكرة.

سيتم تضفير حدثين معا بسلاسة، وسيقود ذلك إلى تحويل كوميديا السلوك، وكوميديا الموقف، إلى كوميديا الفارص الصريح، بسقوط أكرم وهشام على أكياس الدقيق، وبينما لن نتجاهل الشخصية الأصلية فى الإضحاك، وهى الخادمة التى تعاطت الشيكولاتة، لن ننسى أيضا أكرم، الشخصية الدخيلة، الذى سينجح أخيرا فى تطليق زوجته.

أردت فقط التدليل على فكرة "عدم الاستسهال"، والتعامل بمنتهى الجدية والانضباط مع كتابة وتنفيذ المشاهد الكوميدية، مع التأسيس الجيد للشخصيات، وتحديد المفارقة والتناقض المطلوب، وهما أساس البناء كله.

أضف تعليق

حكايات لم تنشر من سيناء (2)

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين
تسوق مع جوميا

الاكثر قراءة

إعلان آراك 2