فوضى التعامل مع "السيستم" على الطريقة المصرية، ليست بعيدة فى الواقع عن حال فيلم مصرى اسمه "السيستم"، من تأليف أحمد مصطفى وإخراج أحمد البنداري، وبطولة طارق لطفى (فى عودة جديدة بعد غياب سنوات عن السينما)، ومعه أحمد الفيشاوى ونسرين طافش وبسنت شوقي.
فمن حيث الشكل، هذا ثانى فيلم بطولة أحمد الفيشاوي، يعرض خلال موسم 2024، والمدهش أنه أيضًا فيلم كوميدى مثل فيلمه الأول "عادل مش عادل"، والفيلمان فيهما مشكلات واضحة فى الكتابة، رغم الجهد الكبير الذى بذله الفيشاوي، الموهوب بلا شك، فى العملين انبهارا، فيما يبدو، بشخصيتين يمكن أن يجد فيهما مساحة للتشخيص، بعيدًا عما يتوقعه منه الجمهور.
هنا بالتأكيد طموح فنى يستحق الذكر، لكن مشكلة "سيستم" عرض وتوزيع الأفلام الجديد، هو تكديس الأفلام وراء بعضها البعض، وقد سألت منتجًا شهيرًا عن هذا الطوفان من الأفلام المتتالية المعروضة، بعد أن كنا نشكو من عرض الأفلام المصرية "بالقطّارة"، فقال لى إنها مجرد وسيلة لإثبات أن الفيلم عرض فى دار العرض، ولو ليوم واحد، لأن من شأن ذلك أن يروج له عند تسويقه فى الفضائيات، أى أن "سيستم" عرض الأفلام فى السينما، أصبح فى خدمة التسويق الفضائي، وهكذا تعرض مثلاً عدة أفلام للفيشاوي، أو لبيومى فؤاد فى أيام قليلة، المهم أن تعرض والسلام، قبل أن تبدأ إجازات دور العرض فى رمضان.
طبعًا يمكن أن يتقبل الجمهور أن يشاهد نجمه المفضل فى أكثر من فيلم فى دور العرض فى غضون أيام قليلة، لكن من الأفضل أن تكون هناك مسافة فى العرض، خاصة إذا كانت الأعمال من نوع واحد، مثل الكوميديا أو الأكشن أو الدراما الرومانسية، ومرة أخرى فقد أخذنا "السيستم" المطلوب بعرض الأفلام، وجعلناه "سيستم" خاص بنا، من دون خطة سوى تكديس الأفلام، لإثبات حالة عرضها بالجملة فى وقت واحد، قبل تسويقها فى الفضائيات، إذا صدقت نظرية المنتج المصرى الكبير، وأظنها نظرية صحيحة.
أما من حيث المضمون، والمستوى الفنى لفيلم "السيستم"، فقد اقتبست بعض خطوطه من الفيلم الأمريكى "crazy stupid love" أو "حب مجنون وأحمق"، من إنتاج 2011، وبطولة ستيف كاريل وجوليان مور ورايان جوسلين وإيما ستون، لكن طبعا مع عمل التغييرات على "السيستم" الأصلي، لزوم الاختلاف ليس إلا، وبطريقة مشوشة، لا يمكن مقارنتها بالفيلم الأصلي، الذى كان يناقش العلاقات بين الرجال والنساء، بتنويعات مختلفة.
الخطان المقتبسان هما وجود شخص أكثر خبرة فى العلاقات النسائية يقدم نصائحه لصديقه، ووجود علاقات قرابة تتكشف فى النهاية بين بعض الأطراف، لكن فيلمنا المصرى يقدم نموذجًا لشاب ثرى لا يعمل، اسمه وحيد (أحمد الفيشاوي)، يعالج من فوبيا التعامل مع النساء الجميلاتـ، وبعد علاجه، يصبح كل نشاطه مكرسًا للتقرب منهن، بشكل فج وعبيط، ولا ينقذه إلا مصطفى (طارق لطفي)، صاحب شركة أدوات تجميل، والذى لا يرى الفيلم مبررًا لصداقته ولنصائحه لوحيد، سوى تعاطفه معه، وسوى أن مصطفى اعتبر أن وحيد نسخة منه فى مرحلة الشباب!
على هذه العلاقة المفتعلة تتأسس الدراما كلها، ونصبح أمام حكاية استشارات عاطفية، يقدم فيها مصطفى استشاراته عن "السيستم" العاطفي، الذى يفترض أن يجعل وحيد مثل فالنتينو، وهو ما يتحقق فعلاً، حيث نرى وحيد وسط الفتيات الجميلات، بينما يحاول مصطفى أن يجرّب "السيستم" مع امرأة جميلة اسمها عائشة ( نسرين طافش)، يفترض أنها كرهت الرجال، بسبب خيانة زوجها السابق.
يبدو إطار الحكاية مستهلكًا، ويذكرنا بأفلام الخمسينيات، حيث يتنافس الرجال للإيقاع بالجميلات، ولا يهتم الفيلم بتحولات مشكلة وحيد العجيبة، فمن رهاب الفتيات الجميلات، إلى الصداقة معهن بعد تنفيذ "سيستم" الخبير العاطفي، وخبير مستحضرات التجميل مصطفى، ثم ننتقل إلى محاولة وحيد التركيز على فتاة أحبها اسمها فريدة (بسنت شوقي)، وهى ابنة رجل أعمال ثري، وفتاة صعبة ترفض محاولات وحيد للتقرب منها.
تقريبًا نصبح أمام تمثيلية سهرة متواضعة، نعرف نهايتها، بل إن السيناريو يبدو مضطربًا ومشوشًا، فالعلاقة الرباعية بين وحيد وفريدة، وبين مصطفى وعائشة، سرعان ما تأخذنا إلى تعقيدات عجيبة، لا تحتاجها هذه العلاقات البسيطة، كأن نكتشف فجأة أن وحيد شقيق عائشة، وأن فريدة تعرف مصطفى، لأنه خذل شقيقتها فى حكاية عاطفية قديمة، وكلها تعقيدات لا معنى لها، مع بساطة الخطين الأصليين، بل مع سذاجة الحكاية وتفاصيلها، وهشاشة علاقة مصطفى ووحيد، وعدم وجود مشكلة واحدة محددة يراد علاج وحيد منها.
وبينما يبدو عدد الشخصيات محدودًا فى النصف الأول من الفيلم، يزيد فجأة عدد الشخصيات كلما اقتربنا من النهاية، ويصنعون خطوطًا إضافية، لم يحسن السيناريو تضفيرها منذ البداية، هذا بفرض أنها خطوط مفيدة من الأساس للدراما الاجتماعية الرومانسية الساذجة.
وبينما حافظ طارق لطفى على أسلوب واحد هادئ ورتيب فى الأداء فى كل المواقف تقريبًا، فإن أحمد الفيشاوى بدا حائرًا فى الإمساك بهذه الشخصية الغريبة التى لعبها، فمرة تبدو ساذجة وقليلة الخبرة، ومرة تبدو عبيطة، ومرة تستعبط وتتغابى، ومع التسليم بموهبة الفيشاوي، وخفة ظله، إلا أن شخصية وحيد مشوشة فعلا وكانت تحتاج إلى مفتاح واحد للتعامل معها، ولا شك أنها مشكلة الكتابة بالأساس.
لدينا أيضًا عدد معتبر من الشخصيات النسائية، دون تميز خاص، سوى فى ألوان الفساتين والمكياج، ربما باستثناء تميز ميس حمدان فى دور عاهرة، يستعين بها وحيد، لكى يفضفض عن مشكلاته وهمومه.
أتفهم رغبة طارق لطفى وأحمد الفيشاوى فى تقديم أدوار مختلفة، وأتفهم محاولة المخرج أحمد البندارى فى تقديم كوميديا رومانسية خفيفة، ولدينا بعض العناصر اللافتة مثل تصوير هيثم ناصر، لكن الكتابة هى الأساس، والاقتباس العشوائى لا ينتج إلا أعمالاً متواضعة، مما يجعلنا نترحم على فيلم سبعيناتى شهير هو "البحث عن فضيحة"، اختار صناع الفيلم أن يقدموا التحية له قبل العناوين، واختاروا أيضًا أن يقدموا التحية لعادل إمام، وبالمناسبة فإن "البحث عن فضيحة" عمل مقتبس أيضا من فيلم أجنبي، لكنه ما زال حيا فى الذاكرة، لذكاء المعالجة، ولبراعة الكثير من مواقفه الكوميدية.
هى إذن مشكلة "السيستم" بتنويعات مختلفة، وإذا كانت نصائح مصطفى لم تنجح تماما فى الفيلم، فإن "السيستم" كله وقع على دماغنا، بعد أن أخذ صناع الفيلم حكاية بسيطة يمكن أن تصنع عملاً مقبولاً وخفيفًا، إلى سرد مضطرب وركيك، يبعث على التثاؤب أثناء المشاهدة.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.