جمال حمدان و كامل زهيري يكشفان الأطماع التاريخية في سيناء

جمال حمدان و كامل زهيري يكشفان الأطماع التاريخية في سيناءكتاب سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا

سيناء تحمل بصمات مصر، حضارة وثقافة وطابعًا وسكانًا، بالقوة نفسها التي يحملها بها أي إقليم مصري آخر، ومنذ بدء تاريخ مصر المكتوب والنقوش الهيروغليفية، يتأكد الوجود والانتماء المصري على كل حجر فى سيناء، محجرًا كان أو معبرًا، ممرًا كان أو مقرًا، بل إن تراب سيناء قد امتزج بالدم المصري المدافع ربما أكثر من أي رقعة أخرى مماثلة من التراب الوطني، فبينما كان ماء النيل هو الذي يروى الوادي، كان الدم المصري هو الذي يروي رمال سيناء.

كتاب د جمال حمدان بعنوان " سيناء في الاستراتيجية والسياسة والجغرافيا" يعد من أهم الكتب التي تناولت تاريخ سيناء وأهميتها لمصر، ويشير الكتاب إلى أن سيناء صاحبة أطول سجل عسكري فى التاريخ؛ لذا فهي أهم وأخطر مدخل لمصر على الإطلاق.

ويقول حمدان: كان الاختبار الأول لقواعد استراتيجية سيناء فى العصر الحديث هو هجوم تركيا على مصر من الشرق فى الحرب العالمية الثانية؛ مما اضطر القوات الإنجليزية إلى الانسحاب من شبه جزيرة سيناء على الضفة الشرقية للقناة أمام الإسماعيلية وغيرها، ورغم ذلك فقد تم إيقاف القوات التركية بفضل المدفعية من الضفة الغربية والأسطول فى القناة نفسها.

وقد حاولت تركيا أكثر من مرة خلال القرن التاسع عشر خاصة فى مناسبات انتقال وراثة الولاية أن تسلخ من ولاية مصر جزءًا أو آخر من سيناء فمرة أو أكثر أرادت أن تحدد حدود مصر الشرقية بخط العريش – السويس، الذي يسلب مصر معظم سيناء، ثم عادت تساوم بخط العريش – راس محمد، الذي يكاد ينصف سيناء، وقد فشلت هذه المحاولات.

وقد عادت وجددت المحاولة فى حادثة طابا الشهيرة 1906 حين اصطدمت تركيا ببريطانيا صدامًا مباشرًا ومسلحًا على الحدود فى رفح والعقبة، كما كررت تركيا اقتراح الخطين السابقين، بالإضافة إلى أنها عرضت خطوطًا أخرى بدائل تكاد تصل بين كل نقطتين من أطراف سيناء الجغرافية رأسي خليجي العقبة والسويس ورأس خليج العقبة ورأس القناة ورأس محمد ورأس القناة، غير أن الزوبعة التركية تلاشت حين هددت بريطانيا باستخدام القوة وبعثت أسطولها الحربي إلى مياه المنطقة.

ويروي الكتاب أن الاختبار الثاني كان فى يونيو 1967، حيث انسحبت القوات المصرية من سيناء إلى غرب القناة، وهو الأمر الذي لا يعني فقط شل القناة وإيقافها، ولكن أيضا تحولها إلى أكبر عقبة فى سبيل الاسترداد، فكما أن الانسحاب من سيناء سهل نسبيًا عبر القناة، ولكن العودة إليها صعبة صعوبة عبور أي عائق مائي، وهو الثمن الباهظ الذي كان علينا أن ندفعه خلال حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، ويقول إن انسحاب يونيو 1967 يجب أن يكون آخر انسحاب مصري من سيناء فى التاريخ، كما أن خروج إسرائيل بعد 1973 ينبغي أن يكون آخر خروج من مصر منذ يوسف وموسى.

ويتناول المؤلف سيناء على الصعيد الاقتصادي فيقول: إن سيناء ليست صندوقا من الرمال كما يتوهم البعض، بل هي صندوق من الذهب فهي منجم مصر للذهب والمعادن النفيسة وهي الآن بئر بترولها الكبرى والثمينة، كما أن سيناء ليست مجرد فراغ بل عمقا جغرافيا وإنذارًا مبكرًا يمكن أن نشتري فيه الزمان بالمكان، فهي ككل خط الدفاع الأخير عن مصر الدلتا والوادي.

وأكد أن الفراغ العمراني فى سيناء، جعلها أرضًا جاهزة للعدوان وملائمة للحروب، فضلا عن أن تركها نهبًا للأطماع الاستعمارية، فلا يوجد عدو ما لا يشكك فى مصرية سيناء ويطمع فيها بصورة ما سواء بالضم أو السلخ أو العزل.

وتشير التجربة إلى أن ثلاث حروب هي (حرب السويس وحرب يونيو وحرب أكتوبر) لم تجعل من سيناء فقط أرض معركة، بعد أن كانت طريقا للمعارك، بل حولتها تلك الحروب من جسر حربي إلى ميدان حربي، ومن عازل استراتيجي إلى موصل جيد للخطر ومن عمق بالفعل إلى فخ بالقوة.

كما أن هذه التطورات نفسها تترتب عليها نتائج أخرى أخطر، منها أن القاعدة الاستراتيجية المقررة تقليديا هي "دافع عن القناة تدافع عن مصر" إلا أن تلك القاعدة تغيرت فأصبحت "دافع عن الموضع"، ومازالت هذه القاعدة الثمينة صحيحة، ويضاف إليها أن "أي خطر يهدد سيناء من الشرق يهدد القناة بينما أن وقوع الأولى يشل الثانية" أي أن سيناء أصبحت استراتيجيًا جزءًا من القناة وبالتالي جزء لا يتجزأ من موقع مصر الجغرافي وأن شل القناة يعني إيقاف موقع مصر الجغرافي، أي أن المبدأ الاستراتيجي فى الأمن القومي "دافع عن سيناء تدافع عن القناة تدافع عن مصر موقعًا وموضعًا".

أما عن أطماع إسرائيل فى سيناء فهي قديمة قدم هرتزل ودورة القرن التاسع عشر، حيث وصلت إليها بالفعل بعثة صهيونية لدراسة إمكانيات التوطين اليهودية بها وقد اقترحت البعثة نقل مياه النيل عبر قناة السويس إلى شمال شبه الجزيرة خاصة منطقة العريش للاستزراع والتوطين.

النيل في خطر
ويروي كامل زهيري، فى كتابة "النيل فى خطر"، أنه فى عام 1880 توجه هرتزل رئيس المنظمة الصهيونية العالمية إلى مصر فى مهمة خطيرة وسرية وكانت سيناء هي المهمة السرية، وكانت المهمة هي وضع أقدام اليهود فى سيناء وبشكل خاص فى العريش عن طريق زرع شركة يهودية فى العريش، وقد راسل هرتزل اللورد كرومر المعتمد البريطاني فى مصر، وقد كتب هرتزل فى مذكراته بتاريخ 21 ديسمبر 1902 يؤكد فيها سعي اليهود لوضع أقدامهم فى سيناء بموافقة بريطانيا بل والسعي إلى توصيل مياه النيل لأراضي سيناء عن طريق نقل المياه بالأنابيب للزراعة أو نقل الطمي على السفن لوضعه فى العريش.

ويؤكد هرتزل أن بريطانيا قبلت هذا المشروع سرًا وأكد أن كل أعضاء المشروع وقعوا على تعهد نصه "نحن الموقعين أدناه أعضاء الحملة المنظمة تحت إشراف الحركة الصهيونية لدراسة إمكانية استيطان شبه جزيرة سيناء نتعهد ونقسم بشرفنا ألا ننشر أي شيء عن الحملة عن طريق كتابتنا ولا عن طريق الخطب أو المقابلات إلا إذا سمح رئيس لجنة العمل".

ويشير زهيرى إلى أن جريدة معاريف الإسرائيلية نشرت فى سبتمبر 1978 أن هناك اقتراحا إسرائيليا بأن تقوم مصر ببيع مياه النيل إلى إسرائيل وهي فكرة إسرائيلية للمهندس اليشع كلى الذي يعمل فى شركة ترحال. وأضافت الجريدة أن مشاكل المياه لدى إسرائيل يمكن أن تحل على المدى البعيد بواسطة استخدام نسبة 1% من مياه نهر النيل. وأضاف اليشع أنه يمكن نقل المياه بواسطة مشروع أنابيب تحت قناة السويس بجانب الإسماعيلية وفي الجانب الآخر تصب المياه فى القناة مبطنة بخرسانة تقع بالقرب من طريق العريش القنطرة وتسير بمحاذاة طريق غزة العريش حتى خان يونس ثم تتشعب لقطاع غزة ثم لصحراء النقب.

وتدرك الدولة المصرية جيدا تلك الألاعيب والأطماع فى سيناء وفي مياه النيل وفي ثروات مصر، لذا كانت بالمرصاد لأي محاولات للتلاعب بمقدرات الشعب المصري وثرواته والحفاظ دومًا على حدوده التي مازالت ثابتة ولم ولن تتغير منذ آلاف السنين.

وبالعودة إلى كتاب حمدان فقد كانت السياسة البريطانية فى مصر تعمل على عزل سيناء عن مصر وأقامت بينهما سدودا إدارية وعسكرية ومادية ومصطنعة، ولم تتورع عن أن تعلن بإلحاح أن سيناء آسيوية متأرجحة بين مخاوفها من خطر اللعبة على نفوذها ووجودها فى مصر وبين تطلعها إلى إيجاد قوة مناوئة لمصر على تخومها الشرقية تهددها وتفصلها عن العرب.

وقد وصلت حملات التشكيك الإسرائيلية فى مصرية سيناء إلى حد جعل وزير خارجية الولايات المتحدة يسأل، منذ متى كانت سيناء مصرية؟ كما ظهرت حملات إعلامية غربية تقترح تدويل سيناء مرة وتأجيرها مرة أو حتى شراءها كحل جذري للمشكلة.

أضف تعليق

المنتدى الحضري العالمي شهادة دولية للدولة المصرية

#
مقال رئيس التحرير
محــــــــمد أمين

الاكثر قراءة

تسوق مع جوميا
إعلان آراك 2