أفضل ما قدمته تجارب الثلاثي أحمد فهمي وشيكو و هشام ماجد ، بالإضافة الي أنهم مواهب حقيقية يطورون أداءهم باستمرار، أنها محاولات لا تتوقف للبحث عن أفكار كوميدية مبتكرة ، تبتعد تماما عن السائد والمألوف ، وتصل إلي مستويات غريبة وصادمة أحيانا ، وهي أيضا جريئة وأكثر حرية وانطلاقا ، مع التسليم بتأثرهم بالطبع بالكوميديا السينمائية الأمريكية ، التي اتجهت أيضا إلي الغرابة والفانتازيا في نماذج كثيرة في السنوات الأخيرة، ومع التسليم أيضا بتفاوت حظوظ تجارب الثلاثي، سواء في أفلامهم المشتركة ، أو في تجربة كل واحد منهم في الأفلام التي قام ببطولتها بمفرده ، من الجودة والتكامل والنضج والإتقان .
بهذا المعيار، يمكن أن أضع فيلم " فاصل من اللحظات اللذيذة "، من كتابة شريف نجيب وجورج عزمي، ومن إخراج أحمد الجندي، في إطار التجارب الجيدة لبطل الفيلم هشام ماجد ، سواء من حيث الفكرة الظريفة، حيث العالم الموازي الذي شاهدناه في أفلام أمريكية، ولكن عبر تطوير هذه الفكرة، والعمل عليها، والخروج بمعني أو وجهة نظر، اعتمادا علي كوميديا الموقف بالأساس، مع بعض الملاحظات، التي كان يمكن أن تضع التجربة في مكانة أفضل، لو أمكن تجنبها، ولكننا بشكل عام أمام كوميديا ذكية ومختلفة عن السائد والمألوف، وفيها الكثير من العناصر الفنية الجيدة.
الفكرة المحورية في الحكاية الفانتازية للفيلم هي اكتشاف الشخصيات لعالم مواز، توجد به شخصيات مثالية تشبه شخصياتنا في العالم الواقعي، وقد تم تأسيس العالم الواقعي في بداية الفيلم بصورة ساخرة، فالمهندس الفاشل صالح لا يصلح لأي شيء، لدرجة أنه فشل في تصميم وبناء منزله العجيب، وسيتم فصله من عمله، كما أن زوجته المذيعة درية ( هنا الزاهد )، غير راضية عن حياتها معه، وتتشاجر معه طوال الوقت، بل وتدعو الله أن تتخلص منه، بينما يبدو ابنهما كومبو (جان رامز)، أقرب إلي المشردين، ويتم فصله باستمرار من المدرسة.
مع وجود فتحة سحرية في حجرة الكرار، ننتقل إلي عالم مواز ملون ومثالي، ليكتشف صالح أن هناك زوجين يشبهانه هو ودرية وابنهما كومبو في حالة مثالية تماما، بل ويكتشف شخصيات أخري موازية ومثالية تعادل شخصيات يعرفها في حياته الواقعية، مثل رئيسه في العمل ( بيومي فؤاد )، وقريبه حارس الأمن ( محمد ثروت )، أي أنها حياة موازية جميلة هي نقيض حياته القبيحة والفاشلة، وهناك مثلا لا صخب ولا ضجيج، بل إنهم يعاقبون كل من يرتفع صوته.
يستغل السيناريو هذه المفارقة بكل تنويعاتها، وبذكاء كبير، سواء بانتقالات صالح الاستكشافية المتتالية، أو بانتقال درية وابنها كومبو أيضا إلي هذا العالم المثالي، أو بتطوير المعالجة بتبادل كامل في الأدوار، فتهبط أسرة صالح المثالية إلي العالم الواقعي القبيح، وتعيش أسرة صالح الفاشلة في العالم المثالي، مما يؤدي بالفعل إلي فواصل مرحة ولذيذة ومبتكرة، مع إتقان تصوير أجواء العالمين الواقعي والمثالي، سواء من حيث الملابس والديكورات، أو من حيث تغيّر طريقة الأداء والكلام، بالذات عند الثلاثي : هشام ماجد و هنا الزاهد والطفل الموهوب باذخ الحضور والحيوية جان رامز.
لكن السيناريو لا يدور في حلقة مفرغة، وإنما ينبهنا إلي معني جميل، فالزوجان يكتشفان أن الحياة المثالية الكاملة ليست إنسانية أيضا، وأن بإمكانهما أن يغيرا حياتهما السيئة علي الأرض إلي الأفضل دون أن ينتقلا إلي عالم آخر، لو أن كل طرف تفهّم الطرف الآخر، وانتصار الفيلم للعودة إلي العالم الواقعي، بل وانتقال أسرة صالح المثالية إلي العالم الأرضي الواقعي، تأكيد لهذا المعني، وتأكيد لقدرة الشخصيات علي تغيير حياتها إلي الأفضل، بدون فانتازيا أو أحلام.
هنا وعي حقيقي بالكتابة الكوميدية التي لا يمكن أن تكون مجرد فكرة لامعة والسلام، وليست بالتأكيد مجرد إفيهات معلّقة في الفراغ، ولكن لابد من معني ومغزي، علي أن يكون ذلك من خلال حكاية متماسكة، مثل أي نوع من أنواع الدراما المختلفة.
لكن المعالجة لا تخلو أيضا من بعض الملاحظات الهامة، فمن الغريب مثلا أن تعمل الزوجة الردّاحة "المبهدلة" كمذيعة فضائية !
ومن الأغرب أن يكون قريب صالح مجرد حارس أمن متواضع، ولديه كل هذه المعلومات والتفسيرات عن العوالم الموازية، وكان يمكن بسهولة أن يعمل موظفا أو مهندسا، أو يكون مهتما علي الأقل بالعلوم، وزاد الأمر سوءا طريقة أداء ولهجة محمد ثروت المفتعلة، التي جعلتنا في حيرة حول ما إذا كانت الشخصية بورسعيدية أم تنتمي إلي قري الدلتا؟!!!
لكننا عموما أمام تجربة ممتعة، منحت هشام ماجد و هنا الزاهد وجان رامز و بيومي فؤاد ومحمد ثروت فرصة أن يؤدي كل واحد منهم دورين مختلفين، وكانت المفاجأة الأكبر بالتحديد في أداء هنا الزاهد، التي من السهل أن تقنعنا في شخصية درية الشقراء المثالية الأنيقة المثالية والرومانسية، فكأنها باربي المصرية، ولكنها تقنعنا هنا أيضا بشخصية درية الزوجة الشرسة والعنيفة سليطة اللسان ذات الشعر الأسود، وهنا تمتلك في الحالتين حضورا ممتازا، وخفة ظل طبيعية، وتبدو أكثر نضجا من فيلم الي آخر.
أما المخرج أحمد الجندي فقد صار متخصصا في الكوميديا، ويعرف بالضبط كيف يبني المشهد الكوميدي إيقاعا وتأثيرا ومونتاجا وموسيقي، ولديه في هذا الفيلم بالذات عناصر متميزة جدا علي رأسها ديكورات عمرو صالح الممتازة، بالذات في العالم المثالي، وهو بالتأكيد من أبطال الفيلم، ولولا هذا العالم الذي قام بتصميمه وبنائه، لما تحقق الإقناع، ومن عناصر العمل الأساسية أيضا ملابس مي جلال، وموسيقي عادل حقي، التي أخذتنا إلي أجواء اللعبة الفانتازية، ونقلتنا بسلاسة إلي العالم الواقعي.
سعيد بما حققه ويحققه هشام ماجد وشيكو وفهمي، هذا جزاء الاجتهاد والبحث وتطوير الموهبة وصقلها، أضافوا الكثير لأنفسهم، وأضافوا أيضا إلي الكوميديا المصرية، التي ظلت تدور في حلقة مفرغة من الموضوعات والكليشيهات المألوفة، وأعتقد أن الثلاثي مازالوا يمتلكون المزيد من الأفكار والمحاولات الطموحة، لتقديم الأفضل، والأكثر اختلافا وتميزا.