دولة قوية

دولة قويةسعيد صلاح

الرأى19-5-2024 | 15:15

"قَالَ اجْعَلْنِي عَلَي خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، هذا قول النبي يوسف عليه السلام كما أخبرنا القرآن الكريم، أين كانت إذن خزائن الأرض؟.. لقد كانت في مصر.. الدولة الأولي التي عرفتها البشرية، والدولة التي كانت - بلا أي مبالغة أو تهويل - تطعم كل البشر، فقد كانت مصر تنتج والعالم يستهلك ويأكل.

أما مؤخرًا فأصبحنا نستورد ما يقرب من 70% من غذائنا، ماذا حدث، وكيف يمكن أن نعود إلي ما كنا عليه؟.

تراثنا الفكري يحفظ لنا عن الشيخ الشعراوي مقولة تراثية عالمية مبسطة بكلمات ولهجة مصرية تلخص حقيقة الوضع، وأهمية البذل والجهد والإنتاج لتحسين ذلك الواقع، وخلق مستقبل أفضل.. كان الشيخ الشعراوي يقول "لو اللقمة من فاسك.. هيبقي القرار من راسك".. هذه الجملة ترادفها المقولة الشهيرة" من لا يملك قوته لا يملك حريته"، وهي التي بني عليها الدكتور مصطفي مدبولي حديثه الشهير في مؤتمر "حكاية وطن" وهو يتحدث عن نهج مصر في مسار تحقيق الأمن الغذائي والخروج من هذه المعضلة القديمة الجديدة، فقد قال الدكتور مدبولي وقتها: يقال دائمًا إن الدولة التي لا تملك غذائها لا تملك قرارها، لذلك الدولة المصرية كان كل شغلها الشاغل أن تحقق الأمن الغذائي في هذه الفترة.

والحقيقة أن الدولة المصرية بالفعل استطاعت أن تبذل جهودًا جبارة لتحقيق اكتفاء ذاتي في دولة تزيد سنويًا بحوالي مليوني نسمة، وجهودها في هذا المسار مكنتها من مواجهة أزمات عالمية، خارت أمامها أعتي الدول وأغناها، فقد استطاعت مصر التعامل مع أزمة ارتفاع الحبوب و السلع الغذائية بمشروعات استصلاح زراعي ضخمة لتحقيق الاكتفاء الذاتي ، وهذا السعي والنهج بدأ منذ عام 2015 عندما بدأت الحكومة في المرحلة الأولي من مشروعات الاستصلاح الزراعي عن طريق زيادة الرقعة الزراعية باستخدام مياه النيل والمياه الجوفية في مناطق توشكي و شرق العوينات و الريف المصري، ثم المرحلة الثانية وهي المرحلة الأصعب، والتي اعتمدت فيها الدولة علي معالجة مياه الصرف الزراعي ورفعها ضد الانحدار الطبيعي للأماكن المراد زراعتها، وهذا الكلام لم يكن كلاما مرسلا ولا أحلاما بلا تخطيط، فقد كانت هناك مخططات دقيقة وعلمية ومدروسة لكل خطوة قبل أن تخطوها الدولة، وقد استهدفت هذه المخططات زيادة الرقعة الزراعية بحوالي 4 ملايين فدان، وقد تم بالفعل الانتهاء من 1.7 مليون فدان وهناك 2.5 مليون فدان سيتم إضافتها للرقعة الزراعية، وهذا بخلاف 100 ألف فدان صوب، وما تم إنجازه من صوامع تمكنها من تخزين كميات هائلة لم نكن نحلم بتخزين نصفها.

شاهد الحديث بهذه التفاصيل والأرقام التي هي قليل من كثير جدًا، يأخذنا نحو الانتباه إلي حقيقة مهمة تعيشها الدولة المصرية ويجب أن نفخر بها جميعا، وهي أن مصر قررت واستطاعت بتوفيق منقطع النظير من الله، وإخلاص من قيادتنا، أن تؤمن بشكل كبير غذاءها وتقوي من جبهتها الداخلية إلي حد بعيد جدًا، فأصبحت سيدة قرارها، تمتلك كامل حريتها وإرادتها، بل وتفرض موقفها ورؤيتها في كل الأحداث والقضايا الكبري، وما يحدث في أزمة غزة خير شاهد وأصدق وأوضح دليل، فمصر مستندة إلي داخل قوي متماسك، يجعلها تتخذ من القرارات والمواقف كيفما شاءت ، وتجبر الجميع علي احترامها وتقديرها وعمل ألف حساب وحساب لها.

إن حفظ وحماية الأمن القومي المصري في منطقة ملتهبة مثل منطقتنا، والحفاظ علي الحدود وحمايتها، وفرض السيادة للقرار الوطني ما كان ليحدث لولا أن مصر أصبحت دولة قوية، وهذا ما كان ليحدث لولا أننا نملك قوتنا ولدينا ما يحمينا من الوعي الوطني الكامل لتقدير ذلك وحمايته والإصرار علي الحفاظ علي ذلك في ظل كل التحديات الداخلية والخارجية.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله الوطن.

أضف تعليق