كشف تقرير لمنظمة "انقذوا الأطفال" عن أن الفيضانات و الانهيارات الأرضية المدمرة أثرت على حوالى 600 ألف طفل بمنطقة القرن الإفريقى خلال العام الجارى، خاصة عبر كينيا والصومال وإثيوبيا حتى الآن، ومن المحتمل أن يصل العدد إلى 1,5 مليون بحلول نهاية موسم الأمطار.
وأوضحت المنظمة - فى تقريرها التحليلى الذى نشرته أمس السبت - أن الأمطار الغزيرة، التى تأتى بعد سنوات من الجفاف، ونسبت إلى التغير المناخى الناتج عن النشاط البشرى ونهاية نمط الطقس الطبيعى "النينيو"، تسببت فى تشريد أكثر من 420 ألف شخص، بالإضافة إلى مصرع ما لا يقل عن 330 شخصًا بسبب الفيضانات الثقيلة غير المعتادة فى جميع البلدان الثلاثة.
وأشار التقرير إلى أن هذا الوضع جعل الناس يواجهون خطرًا متزايدًا من الجوع، فضلا عن ارتفاع حالات الأمراض المنقولة بالمياه، مثل الكوليرا التى تصيب الأطفال بشدة.. وتم تسجيل ما يقرب من 27 ألف حالة كوليرا عبر كينيا والصومال وإثيوبيا هذا العام، مع ما يقرب من 60% من الحالات فى الصومال بين الأطفال دون سن الخامسة.
ولفت إلى أن موجات الأمطار الأخيرة تعد هى الأحدث فى سلسلة من الأحداث المناخية القاسية التى تضرب منطقة شرق إفريقيا.. ففى نوفمبر، أدت الفيضانات المدمرة إلى مصرع ما لا يقل عن 350 شخصًا وتشريد أكثر من 2,3 مليون شخص. وتبعت تلك الفيضانات أسوأ جفاف شهدته المنطقة منذ 40 عاما.
وأوضح التقرير أنه إلى جانب حدوث ظاهرة النينيو الطبيعى الذى يقترب من نهايته بعد أن بدأ فى يونيو من العام الماضى، فيؤدى أيضا التغير المناخى الناتج عن النشاط البشرى فى جعل هذه الأحداث المناخية المتطرفة أكثر تكرارًا وشدة.. فخلال هذا العام، ساهم النينيو فى ارتفاع درجات الحرارة العالمية، مما سرّع من تأثيرات التغير المناخى، التى تعد منطقة القرن الإفريقى واحدة من أكثر المناطق عرضة لها فى العالم.
ونقل التقرير شهادات لبعض شهود العيان فى الدول المتضررة، ومن بينها الصومال، فيقول شريف (50 عامًا) وهو شيخ فى مخيم للنازحين فى جالكعيو بالصومال "إن الوضع يزداد سوءًا كل عام، ويخشى الناس فى المخيمات أن يتم جرفهم وفقدان ملاجئهم المصنوعة من فروع الأشجار والقماش عندما تهطل الأمطار".
وأضاف "سابقًا، كان الطقس باردًا إما أثناء الليل أو النهار، لكن الآن يكون حارًا طوال اليوم، ومن ثم تأتى الأمطار مع رياح قوية تدمر حتى الأشجار.. وعندما نرى المطر قادمًا ويكون الظلام يخاف الجميع على حياتهم. والأمهات تحتضن أطفالهن بشدة".. وقالت فاطمة (60 عاما) من الصومال أيضا "إن أحفادى فروا من منزلهم فى منطقة بيلدوين الوسطى فى الصومال قبل ستة أشهر بسبب الفيضانات، ونعيش الآن فى مخيم للنازحين فى جالكعيو". وأضافت: "لقد عشت عدة فيضانات، لكن الفيضانات التى حدثت فى أواخر العام الماضى كانت الأسوأ التى رأيتها على الإطلاق. الفيضانات السابقة كانت قابلة للإدارة، لكن هذه الفيضانات دمرت كل شيء.. لا يوجد لدى أى خطة لحماية أسرتى من الفيضانات القادمة، سنتخذ قرارًا عندما تأتى الفيضانات التالية".
ومن جهتها، قالت الرئيسة التنفيذية لمنظمة "انقذوا الأطفال" إنجر آشنج، خلال زيارتها إلى كينيا والصومال، "تأثيرات هذه الفيضانات المرتبطة بالنينيو والتغير المناخى، كارثية على الأطفال وتهدد حقوقهم.. إنه مثال آخر متكرر جدًا لكيفية تأثير أزمة المناخ بشكل غير متناسب على أولئك الذين ساهموا فيها بأقل قدر، الذين هم أقل قدرة على تحمل آثارها الأكثر ضررًا".
وأضافت: "فدول كينيا والصومال وإثيوبيا، التى تضم حوالى 92 مليون طفل، هى من بين الدول الأكثر ضعفا فى مواجهة أزمة المناخ والنقص المتكرر فى الغذاء وانتشار الأمراض والكوارث المناخية، فمثل هذه الفيضانات، التى تزيدها سوءًا التغيرات المناخية، لتترك ملايين الأطفال جياعًا ومشردين وخارج المدارس ومعرضين لمخاطر الحماية وخائفين من الكارثة القادمة".
وأوضحت أن الأطفال تتحمل العبء الأكبر من الأحداث المناخية المتطرفة فى عالم يزداد عدم مساواة، متابعة: "أننا فى حاجة إلى رؤية طموحة أكبر بشأن التمويل المناخى الذى يراعى احتياجات الأطفال من الدول ذات الدخل المرتفع والمسببين التاريخيين للانبعاثات، التمويل الذى يضع احتياجات الأطفال وفئاتهم الضعيفة فى المقدمة، مع الاعتراف بأنه عندما تضرب الكوارث مثل هذه الفيضانات، فإنها تؤثر على عالم الطفل كله".
و أوضحت أنه يجب على هذه الدول أيضًا الالتزام بإجراءات التكيف مع المناخ والمساعدة فى بناء مرونة المجتمعات فى مواجهة الصدمات المرتبطة بالمناخ، على المدى القريب والطويل.
يشار إلى أن منظمة "انقذوا الأطفال" عملت فى القرن الإفريقى لأكثر من 70 عامًا، وهى رائدة وطنية ودولية فى البرامج الإنسانية والتنموية فى مجالات الصحة والتغذية والمياه والصرف الصحى والنظافة والتعليم وحماية الأطفال وحوكمة حقوق الأطفال.. وفى عام 2023، وصلت المنظمة إلى 12,5 مليون شخص فى إثيوبيا وكينيا والصومال، بما فى ذلك أكثر من 6,9 مليون طفل.
وفى القرن الإفريقى، وفى جميع أنحاء العالم، تعمل منظمة إنقاذ الطفولة مع الحكومات لإيجاد طرق لزيادة التمويل لسياسات وإجراءات المناخ التى تحمى حقوق الأطفال.. وتقوم المنظمة بتنفيذ برامج مناخية فى أكثر من 50 دولة حول العالم وتقديم إجراءات مناخية مباشرة من العمل مع المجتمعات للتكيف مع التغيرات المناخية التى تؤثر عليهم الآن إلى التنبؤ بالطوارئ المستقبلية وتعزيز قدرة المجتمعات على التنبؤ والتكيف والاستعداد والاستجابة والتعافى.
وأعربت "أنقذوا الأطفال" عن أملها فى أن يؤدى "حوار الخبراء" حول الأطفال وتغير المناخ فى الجلسات التمهيدية لمؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (UNFCCC) فى بون الأسبوع المقبل إلى فهم مشترك قائم على الأدلة للتأثيرات الفريدة وغير المتناسبة لتغير المناخ على الأطفال.