ما يحدث فى السودان نتائجه واضحة فهو لن يعود كما كان ولن ينتصر فريق على الآخر، لأن الحرب لن تسجل الانتصار إلى أحد إنما الخاسر هو السودان وشعبه وأرضه فى ظل حرب غير مسبوقة فى تاريخه الحديث تدور أحداثها منذ أربعة عشر شهرًا بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، راح ضحيتها فى أقل تقدير حوالى خمسة عشر ألف شخص حتى الآن، وعشرة ملايين تشردوا بعيدًا عن مساكنهم ومدنهم وقراهم.
وفى مصر وحدها يوجد ما لا يقل عن 2 مليون دخلوا حديثًا وخمسة ملايين منذ حرب الجنوب واليوم نرى إسقاط واستهداف متعمد لمؤسسات الدولة خاصة فى العاصمة الخرطوم، وعمليات تطهير عرقية بشعة عادت لتطل برأسها من جديد فى دارفور وكردفان ، بالإضافة إلى انتهاكات بالجملة لحقوق الإنسان الأساسية وصلت إلى حد ارتكاب مجازر يندى لها الجبين كما حدث فى ولاية الجزيرة مؤخرًا، ومجاعة توشك أن تفتك بشعب هذا البلد الذى اشتهر بكونه سلة خبز إفريقيا والوطن العربي.
إن الوضع السودانى قد يحتمل كثيرًا من التحليل حول جذور الأزمة وأسباب انحداره إلى هذا المستوى غير المسبوق، وقد سبق وزرت دارفور بأقاليمه الثلاثة وهو يفتقد للبنية الأساسية والطرق والخدمات وحتى الطيران فى الإقليم مستحيل بعد آخر ضوء، وبالتالى الحرب فى الإقليم بدائية وعبر استهداف مباشر بالأسلحة الخفيفة ووسيلة المواصلات تكون بالدواب وليس بالسيارات، كما أن استمرار هذه الحرب يعنى استمرار تآكل قدرات الدولة السودانية على أداء مسئولياتها، وإجبار الأجيال السودانية الحالية والقادمة على التشرد فرارًا من أتون الصراع.
وأعتقد أن أول بند فى هذا الصراع يكمن فى الأطماع الخارجية والمنافسة بين روسيا وأمريكا والصين، حيث تسعى روسيا للتعاون مع الجيش السودانى لإقامة قاعدة عسكرية وتقديم مساعدات عسكرية مقابل الحصول على المواد الخام المتواجدة فى ربوع السودان، خاصة فى إقليم دارفور، وهو الأمر الذى يدعو دول أخرى ترفض التواجد الروسى لدعم جناح قوات الدعم السريع، وبالتالى لن تنتهى الحرب إلا إذا تمكن الجيش السودانى فى تحقيق انتصار عسكرى على الدعم السريع، لكن هذا العمل تكاليفه مرتفعة وستدفع للمزيد من خروج أهل السودان إلى الدول المجاورة، ولذا فى تقديرى إن أفضل طريق للدول الكبرى المتدخلة فى السودان بناء البنية التحتية خاصة الطرق وإعادة السكان باعتبارهم عاملا مساعدًا لوقف الحرب، ورغم هذه الخطوة وتواضعها إلا أن تعدد الحركات والجبهات المسلحة وتعدد المبادرات لن يساعد على دعم وحدة أرض السودان.