30 يونيو .. الوعي – الهوية - الوطن

30 يونيو .. الوعي – الهوية - الوطنسعيد صلاح

الرأى30-6-2024 | 16:14

فضيلة جديدة تضيء – وإن كان ضوءًا خافتًا – وسط حالة الظلام المؤقت التي خلفتها مؤخرًا أزمة انقطاع الكهرباء في بلدنا، والتي هي في الواقع ودون محاولة للتبرير أو «التطبيل» كما يحب أن يسميها البعض، هي أزمة ليست مصرية فريدة متفردة، بل هي أزمة تضرب معظم دول العالم، وإن لم يكن كل دول العالم حاليا – غير أنها في بعضها ذات تأثير كبير وفي البعض الآخر غير مؤثرة بشكل واضح! وتأثيرها مؤقت.

هذه الفضيلة التي أتحدث عنها هي فضيلة الاعتذار، الذي لم يكن معهودًا لدينا ولم يسجل التاريخ خلال السنوات الطويلة الممتدة، أن أقدمت حكومة تدير شئون البلاد علي الاعتذار للشعب بسبب تعرضه لأزمة أو تعرض البلاد لمشكلة ذات تأثير واسع النطاق.

لقد كنا نسمع ونتابع ما يفعله وزراء ومسئولو العالم المتحضر ونتحسر علي حالنا ونعتصر شفاهنا من الحصرة، لأننا لا نقل عن هؤلاء الناس من سكان العالم المتقدم.. إلا أننا في الأسبوع الماضي شاهدنا ولأول مرة مسئولا يقدم علي الاعتذار، حيث أعلنت وزارتا الكهرباء و البترول عن اعتذارهما لجموع الشعب المصري بسبب إجراءات تخفيف الأحمال نتيجة أزمة الكهرباء ونقص الوقود الأخيرة، ثم أتبع الدكتور مدبولي رئيس الحكومة هذا الاعتذار، باعتذار منه بصفته رئيس الوزراء للشعب، عن تكرار انقطاع الكهرباء، وهذا سلوك لم يكن معهودًا بالفعل لدينا فلم نسمع بالفعل عن حكومة اعتذرت أو حكومة قدمت استقالتها.

هذا التصرف المسئول جاء في ظني بدافع الحرص الشديد علي تنفيذ توجيهات الرئيس السيسي للحكومة بأن تصارح الشعب وتضع الحقائق والمعلومات كلها أمامه، لأنه الشريك الأساسي والأهم في هذا الوطن.

وقد كان فعلاً أن اعتذرت الحكومة ولم تكتف بالاعتذار بل أعلنت تفاصيل الأزمة التي نواجهها، وأوضحت كافة أبعادها وتوابعها وأسبابها وقدمت بين يد الجميع الخطة العاجلة لمواجهتها والخطة طويلة الأمد لضمان عدم تكرارها.. وهذا وإن كان لا يطفئ كل لهيب الغضب الذي خلفته مشكلة انقطاع الكهرباء بسبب الظروف الطارئة التي نمر بها من حرارة عالية و امتحانات ثانوية عامة ، وغيرها، ولكنه أسهم بشكل كبير في تخفيف حالة الاحتقان ووضع الشعب بشكل أكبر أمام دوره في تشارك المسئولية وتحمل واجبه الذي لا يقل أهمية عن المطالبة بحقوقه.

وهنا مربط الفرس، ولجام الكلام وخلاصة القول.. المواطن المصري ومعدنه الأصيل وحقيقته الألماظ التي تظهر أكثر وأكثر في الشدائد والأزمات.. المواطن المصري الجدع الذي لا يبخل بهذه الجدعنة علي الغريب، فهل يبخل بها علي بلده، أظن أن هذا من خامس المستحيلات الأربعة.. والتاريخ يحكي ويروي الكثير والكثير عن هذه الجدعنة والشهامة، وهو نفسه التاريخ الذي يعد لنا اليوم الذكري الحادية عشر لثورة 30 يونيو المجيدة، ويحكي لنا عن هذه الثورة التي تجلي فيها معدن المصري الأصيل وظهرت وأنارت الكون حقيقته «الألماظ».

في مثل هذا اليوم كان الخروج العظيم لجموع الشعب إلي الشوارع الميادين ليؤكد علي حقيقته وهويته ويعلنها للجميع وبجماعات الظلام إنها ثابتة، لم ولن تتغير ولن يستطيع أحد أن يلونها أو يطمس بعضا من ملامحها.

يعلن للجميع أن انتماء المصري لوطنه فوق كل اعتبار وأن جنسيته التي يشرف بها كونه مصريا لا يضاهيها أي فخر في الدنيا ولا يجدي ولا ينفع معها أي محاولة لتعلية انتماءات أو عقائديات أخري تتمسح في الدين وتحاول أن تجعل منه عباءة وستارة تخفي ما هو أشهر وأخطر وتحاول أن تعلي روابط عقائدية يظنون أنها قوية وهي والله أوهن من بيت العنكبوت.

لقد كان خروج الشعب المصري في 30 يونيو محاولة مقدسة وشريفة لإنقاذ الوطن وتثبت هويته التي كادت تضرب في مقتل وتخلل النخر إليها عبر سوس هذه الجماعات ونملها وكادت تقع مواجهات بين الأخ وأخيه والأب وإبنه وكادت تطيح هذه الرياح المسمومة بالأسرة الواحدة نواة وعماد المجتمع المصري مصنع الهوية المصرية.

ولكن شاءت الأقدار أن تغلب الهوية المصرية الثابتة بفضل أبنائها المخلصين، الذين أعلنوها بكل قوة ورسموا بأجسادهم في الشوارع والميادين حروف اسمها بطريقة أذهلت العالم كله.

هذا المواطن الذي خرج بهذه الروح في 30 يونيو ، هو المواطن الذي لن يتخلي عن وطنه مطلقا ولن يستجيب لأي محاولة خبيثة من أهل الشر، خاصة في هذه الأيام، فهم يحاولون استغلال تعرض الوطن لأزمة طارئة ليحدثوا حالة من الغضب واليأس والضجر في نفوس المصريين، لإسقاط الوطن أو إلحاق الضرر به، ولكن هيهات.. هيهات، فالمواطن الذي كشّر لهم عن أنيابه في 30 يونيو، هو نفس هذا المواطن الذي سيرفض أن يستغلوه ويقودوه إلي طريق قد يكون فيه إلحاق ضرر بوطنه.

المواطن المصري كيس فطن، يغضب من بعض الأوضاع ويضيق من بعض المشكلات والأزمات وهذا طبيعي، ولكنه لا يثور ولا يخرب ولا يضر وطنه، ينتقد ويثمن له التحسن والتعافي نعم، ولكن لا يسعي إلي تخريبه وإسقاطه ولا يعطي فرصة لأحد أن يفعل ذلك.

فرق كبير أن تعارض وتنتقد لغضبك من أزمة ما وتساهم وتساعد في تقديم حلول لها.. وأن تستغل هذه الأزمة في محاولة إسقاط بلدك أو إلحاق الضرر بوطنك.

المصري الذي كشفت 30 يونيو عن معدنه الحقيقي لا يفعل ذلك إطلاقا.. هو مواطن واعٍ يعلم كيف يمكن أن تتعرض الأوطان للأزمات ويتحمل معها حتي تتعافي ولا يفكر أبدا أن يكون معول هدم لحجر واحد في وطنه.. فانتبهوا إن كانت مصر تتعرض لأزمة انقطاع كهرباء بسبب نقص الوقود والحر، فإنها وبأصالتها وشعبها ستظل منورة بأهلها المؤمنين بها والحريصين عليها.

وطني لو شغلت بالخلد عنه.. نازعتني إليه في الخلد نفسي .

أضف تعليق

إعلان آراك 2