ما المقصود بقوله تعالى «وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا»؟.. علي جمعة يجيب

ما المقصود بقوله تعالى «وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا»؟.. علي جمعة يجيبوَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا

الدين والحياة1-7-2024 | 03:52

إن من مزايا الإسلام أنه دين متوازن معتدل، دين الوسطية، وشريعة الوسطية، لأمة الوسطية، ومن هذا التوازن والاعتدال جاءت هذه الجملة الربانية واللفظة القرآنية: ولا تنس نصيبك من الدنيا، فهى دعوة ربانية جاءت تخاطب الأمة كلها بأن تعتدل فى حياتها، فلا تهمل الدنيا ولا الآخرة، ودعوة لأصحاب الأموال، الذين غرتهم أموالهم وغرتهم أنفسهم وظنوا أن ما عندهم إنما هو من كسب أيديهم، ومن هؤلاء ما وردت الآية فى سياق نصحه، وهو قارون الذى وجه له هذا الخطاب.

كشف الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، أن الله سبحانه وتعالى قد خلق لنا الحياة منة منه لنا فجملها وزينها وكأنه سبحانه وتعالى استضافنا فيها فأكرمنا وأحيانا ورزقنا وهدانا والحياة بهذه الصفة هي هبة ربانية ومنحة صمدانية أرشدنا الله سبحانه وتعالى كيف نتعامل معها .. أرشدنا سبحانه وتعالى كيف نتمتع بها أرشدنا سبحانه وتعالى كيف نضعها وما أولويتها في حياتنا.

وأكد جمعة: أمرنا الله ونهانا وبين لنا وثبتنا في كتابه وفي سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجعلنا لا ننسى نصيبنا منها وأمرنا بالتأمل والتفكر فيها وجعل ذلك من سمات عباد الرحمن الذين يذكرون الله كثيرا.
ربنا سبحانه وتعالى يضع دستور ذلك كله فيقول {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} فالمسلم هو الذي يحب الحياة حبًا حقيقيًا يعرف قيمتها ويعرف منة ربه عليه بها ولا يتجاوز شأنها ولا يضعها في قمة اهتمامه حتى تحجبه عن الله.

وتابع علي جمعة: المسلم هو الذي يحب الحياة وليس المفسد هو الذي يحب الحياة، المفسد هو الذي يحب الشهوات {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} ربنا سبحانه وتعالى يأمرنا بالنية الصالحة في كل ما نفعل سواء كان الذي نفعل راجعا إلينا أو راجعا إلى أهلنا أو راجعا إلى غيرنا أو راجعا إلى غيرنا أو راجعا إلى أقاربنا وجيراننا .. كل ذلك {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) (يثاب أحدكم حتى من اللقمة يضعها في فم زوجته يثاب أحدكم حتى في شهوته يضعها في حلاله) قالوا أيقضي أحدنا شهوته يا رسول الله ويثاب؟! أي لايكفيه ما قد تلقى من متعة وشهوة، فيقول: أرأيت-يعني أخبرني- لو أنه وضعها في حرام.

ولفت إلى خلق الله الخلق وأمرنا أن نتمتع به في حله ولذلك يقول سبحانه وتعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا} أمر ونهي {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ¤ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} يعلمون الحق ولا يلبسونه بالباطل ولا يدجلون على الناس بأن المسلم يكره الحياة، لأن المسلم في أصل عقيدته يرى الحياة منة من الله فهو يحب الحياة لحب الله لكنه لا يحب الفساد ولأنه لا يحب المفسدين {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} ولأنه لا يجد حجابا بينه وبين ربه لكنه لا ينسى نصيبه من الدنيا فيتمتع بها وبطيباتها وبحلها كما أمره الله ولا يعدو فوق ذلك ويجعل كل تصرفه لله وقلبه معلق في حالة دائمة بالله فهو يفعل لله ويترك لله ويقوم لله ويقعد لله هذا هو المسلم الذي يحب الحياة لكنه لا يلهيه هذا الحب عن حب الحياة الآخرة فهي الحيوان وهي الحقيقة وفيها الخلود ونرجو فيها رضا الله سبحانه وتعالى حتى يدخلنا جنته وحتى يقينا عذابه وغضبه.

أضف تعليق