ارث وأثر، ثروة وثورة، نهاية وبداية؛ لم تكن ثورة الثلاثين من يونيو حراكًا شعبيًا فحسب، كغيرها من الثورات السابقة، ولكنها كانت " تعديل مسار" وشهادة ميلاد جديدة لوطن كاد أن يُسرق ويقُسم.
فان تلك الثورة الشريفة بدأت بداية صحيحة ، حيث تكونت حالة جمعية وعقل جمعي ووجدان جماعي من كل أطياف وفئات المجتمع وبدأت تتخذ الترتيب الزمني الصحيح للثورات الشعبية الحقيقية ، ألا وهي حراك شعبي يحميه القوات المسلحة منعًا من تدخل أي طرف داخلي أو أجندات آثمة تخطف مصير ذلك الحراك الشعبي ، بل توظفه في الشكل الصحيح وكأنة وقود التغيير الحقيقي المرتقب والمنشود.
لذا استطاعت ثورة الثلاثين من يونيو أن تصنع مصيرًا جديدًا للأمة المصرية وللإقليم العربي والإفريقي ، فعلى الصعيد الخارجي ، استطاعت أن تقدم للإقليم دولة قوية رصينة ذات موقع جيوسياسى قوى يستطيع أن يكون صمام الأمان لإقليم ملتهب بكثير من الاضطرابات الداخلية وموجات الإرهاب والفصائل المسلحة المنظمة ، استطاعت أن تقدم للقارة الإفريقية دولة قادرة على توحيد تلك القارة اقتصاديا وسياسيا ، وان تقدم لها مبادرات هامة مثل مبادرة " إسكات البنادق" وأن تكون صوتًا لها جاذبة للاستثمارات بعناية فائقة حتى لا تُستعمر تلك القارة مرة أخرى باسم الاستثمار أو تُنهب ثرواتها ، استطاعت أن تقدم عامًا من رئاسة الاتحاد الإفريقي ملئ بالثمار والانجازات وتصدير سياسات داخلية ناجحة مثل التخلص من الأمراض الغير سارية وتدريب وتأهيل الكوادر الإفريقية داخل الأكاديمية الوطنية للشباب .
استطاعت أن تكون عونًا وسندًا، استحوذ على 87% من المساعدات المقدمة لقطاع غزة بعد السابع من أكتوبر 2023م وأن تكون لسان حال القضية الفلسطينية.
أمّا على الصعيد الداخلي، فكانت شرارة البدء وصافرة الانطلاق نحو جمهورية جديدة لها ملامح جديدة تحمل ملامح الحضارة الفرعونية القديمة وتعزز وتؤكد على الُهوية المصرية ، تعزز القيم الدينية وتوحد جناحي الأمة وتنادى بالمواطنة ومبادئ المواطنة والتعايش وتقبل الأخر ، ليس فقط تقبل الاختلاف في العقيدة بل قبول كل أوجه الاختلاف ، استطاعت أن تبنى جناح اجتماعي ومظلة اجتماعية قوية تحمى الفئات الأكثر احتياجًا وتكون دولة قادرة على استيعاب ودمج أكثر من 10 ملايين من ذوى الاحتياجات الخاصة ، أن تعيد حقوق المرأة التي سُلبت منها قبل ذلك وأن تدمج الشباب وتمنحهم التأهيل والتدريب اللازم.
ليس هذا فحسب ، فالعالم لابد أن يحسُن ذلك التاريخ الذي قامت فيه الجمهورية الجديدة ، حيث نجحت مصر في إحياء الجذور " نوستوس" وإقامة مثلثات سياسية قوية مثل مصر واليونان وقبرص ، ومصر والأردن والعراق ، ومصر والسودان وإثيوبيا ؛ كما أزاحت من على كاهل الحكومات الأوروبية أزمة الهجرة الغير نظامية التي كانت تؤرق الغرب ، ونزوح الفصائل المسلحة من داعش وتنظيم القاعدة التي كادت أن تفر إلى أوروبا بل أصبحت الأرض التي وأدت الإرهاب وجففت منابعه .
فتُرى هل نحن الذين وُلدنا من جديد في الثلاثين من يونيو ؟ أم هو الوطن الذي بُعث من جديد ؟