نادية صبره تكتب: ماكرون والإسلام الفرنسي

نادية صبره تكتب: ماكرون والإسلام الفرنسي نادية صبره تكتب: ماكرون والإسلام الفرنسي

الرأى25-11-2018 | 13:10

لا أستطيع أن أنكر إعجابي الشديد بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون فهذا الرئيس الشاب دأب على اقتحام الكثير من القضايا الشائكة التي تحاشى رؤساء فرنسا السابقين الدخول فيها، وهو يريد أن يشعر العالم بأن فرنسا في عهده مختلفة، ولها صوت مسموع وسياسة مميزة في ظل عالم تتصارع فيه الدول الكبرى لإثبات هيمنتها وتفوقها العسكري في كل ثانية.

تميز ماكرون بتصريحاته الجريئة التي كان آخرها تصريحه بضرورة تكوين جيش أوروبي لمواجهة هيمنة روسيا، أمريكا ، الصين ، والذي سخر منه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قائلًا: إنه اقتراح سخيف للغاية.

وقد كشفت الشرطة الفرنسية عن مخطط كان معدًا لاغتيال ماكرون من خلال طعنه بسكين أثناء مراسم الذكرى المئوية لانتهاء الحرب العالمية الأولى وهذا المخطط يقف وراءه أحد رجال الأعمال، وظني أنه لن يكون الأخير..  وخلال السنوات الأخيرة كانت فرنسا مرمى لنيران التطرف، وتعرضت للعديد من الهجمات الإرهابية، مما أدى لإعلان حالة الطوارئ بالبلاد، ولا شك أن الإرهاب وهذه الاعتداءات أعطت صورة سيئة للغاية وغير حقيقية عن الحضارة الإسلامية، تعاليم الإسلام السمحة التي تدعو للرفق والتسامح وقبول الآخر والنماذج عديدة وملئ بها التاريخ الإسلامي، كما أدى الإرهاب وربطه بالدين الإسلامي إلى خلق نوع من العنصرية والكراهية للإسلام والمسلمين بما يعرف (بالإسلام فوبيا) ، وتعمقت هذه الحالة وزادت بصعود اليمين المتطرف ليس في فرنسا وحدها بل في العديد من دول أوروبا، وهناك حالة من التنابذ والتراشق بين اليمين المتطرف والمتطرفين المسلمين في فرنسا يدفع ثمنه مسلمو فرنسا.

الرئيس ماكرون قرر قبل بضعة أشهر أن يقتحم هذا الملف الشائك في محاولة لإيجاد حل لما يقرب من خمسة ملايين مسلم يعيشون في فرنسا، ويحملون الجنسية الفرنسية لتحسين الحالة المؤسسية للإسلام ومكافحة نشر التطرف وسفر الفرنسيين المسلمين للانضمام لصفوف الكيانات الإرهابية في مناطق الصراعات في الشرق الأوسط، وإعادة اندماج الجالية المسلمة في المجتمع الفرنسي وحمايتهم من اليمين المتطرف، ومن تدخلات الدول الأجنبية في الموضوع ، وذلك من خلال إعداد مشروع قانون يحاول ماكرون ورفاقه تمريره في البرلمان يسمى الإسلام الفرنسي تبناه الرئيس الفرنسي ووصفه بأنه سيكون نموذجًا سيحتذى به في أوروبا كلها، وقد استشار ماكرون في هذا القانون العديد من الخبراء على رأسهم (حكيم القروي) الذي ألف كتابًا أسماه ( الإسلام دين فرنسي !) أدلى فيه بمقترحات لحل هذه القضية، منها فرض ضريبة على اللحم الحلال، وبهذه الضريبة يتم تمويل وتدريب الدعاة، كما يتم تشجيع تعليم اللغة العربية كلغة ثانية في المدارس الفرنسية لمكافحة تعليم التطرف في المساجد.

إذًا فالرئيس ماكرون هنا يريد أن يصطاد عدة عصافير بحجر واحد  أو قانون واحد فهو يريد القضاء على الإرهاب والتطرف وفرض قيود على التدفقات المالية لتجفيف مصادر الإرهاب، وهذا حقه ولا يستطيع أحد أن يجادله في ذلك، لكنه أيضًا يريد أن ينفذ اقتراحًا لعمل إسلام بالمعايير الفرنسية، وهذا شيء مرفوض تمامًا فالإسلام واحد وتطبيق الشعائر الإسلامية واحدة في كل الدنيا، والعقيدة الإسلامية لا يمكن أن تتدخل فيها الدولة الفرنسية التي بحسب قانون 19 ديسمبر 1905 الذي يتم تطبيقه منذ قرن تقريبًا يؤكد أن فرنسا دولة علمانية تدعو للحرية ويفصل ما بين السلطات السياسية والروحية الدينية، ومن ثم فالسيد ماكرون لا يستطيع أن يتدخل لإعادة تنظيم أي دين لا يستطيع حتى أن يتدخل لإعادة تنظيم كنيسة أو معبد يهودي فما بالك بتدخله في إعادة تنظيم الدين الإسلامي، وإنشاء جمعية تسمى الجمعية الإسلامية للإسلام الفرنسي، والتي ستكون مدخلًا للحكومة الفرنسية لتنظيم الإسلام وتفصيله ليناسب الطريقة الفرنسية، وبالتالي يمكن أن نرى الإسلام الألماني، والإيطالي، والإنجليزي ، كما يحلم ماكرون بأن تجربته سيتم محاكاتها في أوروبا كلها...!!

ويهدف القانون أيضًا إلى استئصال المسلمين الفرنسيين من جذورهم العربية، وأن ينسوا انتماءهم لبلادهم الأم نهائيًا لتكون هذه هي الطريقة المثلى لدمجهم في المجتمع الفرنسي، ونسى السيد ماكرون أن الإنسان كلما يتوغل في تاريخه وماضيه وهويته، واعتزازه بها كلما استطاع أن ينفتح على المجتمعات الأخرى، والاندماج فيها بطريقة صحية.

أخيرًا أؤكد للرئيس الفرنسي أن اقتراح بعمل إسلام بالمعايير الفرنسية مرفوض، ولن يلقى ترحابًا من الجالية المسلمة في فرنسا، حيث يريدون تطبيق شعائر دينهم بحرية، كما أن فرض ضريبة على اللحم الحلال عمل غير دستوري.

أعلم أن صعود اليمين المتطرف يزيد من حساسية الموقف، ولكن الحل هو تفعيل المواطنة، وإرساء أسس مجتمع أخوي فيه المساواة والحرية.

أضف تعليق