"أهل الكهف".. رؤية مشوشة ومضطربة وساذجة

"أهل الكهف".. رؤية مشوشة ومضطربة وساذجةمحمود عبد الشكور

الرأى21-7-2024 | 14:52

خرجتُ حزينا بعد مشاهدة " فيلم أهل الكهف "، الذي كتب له السيناريو والحوار أيمن بهجت قمر، عن مسرحية توفيق الحكيم الشهيرة « أهل الكهف »، وأخرجه عمرو عرفة، واشترك في بطولته حشد من النجوم والنجمات.

سبب الحزن النتيجة الفنية المتواضعة، والرؤية الجديدة المشوشة والساذجة لحكاية أهل الكهف، رغم ضخامة الإنتاج، ووجود الكثير من النوايا الطيبة لصنع شيء مختلف، ورغم الإصرار على إكمال تصوير الفيلم، طوال أربع سنوات، انتظرنا خلالها أن نرى عملا استثنائيا أو معقولا على الأقل، ولم نتوقع أبدا أن تكون المعالجة، وأداء الممثلين، بهذه الدرجة الهزيلة.

ربما لم أكن من المتفائلين تماما منذ البداية، فمسرحية الحكيم ليست سهلة، واستلهام القصص الدينية عموما أمر محفوف بالمخاطر والعقبات والمحظورات، مما جعل الدراما الدينية أقرب الي كليشيهات ومبالغات مكررة شكلا وموضوعا وحوارا، بالإضافة إلى أن إخراج فيلم ضخم ينتمي إلى النوع المسمي بالملحمي أو ما يطلقون عليه أفلام «السيف والصندل»، أمر صعب وجديد بالذات علي المخرج عمرو عرفة، الذي يحب المغامرة بتقديم أنواع مختلفة، كما كنت متخوفا من التجربة؛ لأن أيمن بهجت قمر عرف بالأفلام الكوميدية، وقصة أهل الكهف دراما فلسفية، وتحتاج إلى حرفة عالية في تقديمها سينمائيا، ولكني ذهبت إلى الفيلم متحررا من كل الأفكار، ومستعدا لكي أشاهد العمل كما صنع، بعيدا عن أي أفكار مسبقة.

أقام أيمن بهجت قمر بناء السيناريو على شكل الحكاية داخل الحكاية، فرجل الدين العجوز ( أحمد بدير )، يحكي لتلاميذه قصة أهل الكهف، ويدعوهم إلى فصل الدين عن السياسة، ونراه مطاردا من الجنود الرومان بتهمة الهرطقة والكفر، بسبب هذه الدعوة، ولن نعرف هوية رجل الدين العجوز هذا، وصلته بأهل الكهف، إلا في نهاية بالفيلم، أما قصة أهل الكهف أنفسهم فهي تعرض بشكل مضطرب، الذين لجأوا للكهف هم: سبيل ( خالد النبوي )، وهو قائد للجيش الشرقي للإمبراطورية، وبولا (محمد ممدوح)، وهو قائد للجيش الشمالي، ويمليخا (أحمد عيد)، وهو راعي غنم فقير، والعجوز خشبة (أي والله اسمه هكذا)، ويلعب دوره رشوان توفيق، وهو مبشر بالمسيحية، ومعه حفيده المولود توا، والتوأم نور ونار (يلعب الدورين محمد فراج)، وهما اثنان من الحواة، ومع كل هؤلاء الكلب قطمير.

وعلى الجانب الروماني الوثني، الإمبراطور (مصطفي فهمي)، وابنته بريسكا (غادة عادل)، ووزيره اليهودي عرموش (صبري فواز)، أما بعد تحول الإمبراطورية الرومانية للمسيحية، فيلعب دور الإمبراطور بيومي فؤاد، وابنته بريسكا (غادة عادل أيضا)، وهي حفيدة بريسكا القديمة، ويلعب دور الأسقف (جميل برسوم)، والقائد المتآمر (أحمد وفيق).

أحاول أن ألملم شمل الحكاية الطويلة، التي بدأت بشكل خاطئ بمشاهدة مصارعة دموية لقتل المسيحيين، بدلا من التعرف على أصحاب الكهف أو على الأقل على القائد سبيل، والقائد بولا، ولكن السيناريو أراد تحقيق مفاجأة اكتشافنا أن القائدين من المسيحيين، وسيؤدي انكشافهما برسالة ساذجة وقعت في يد الإمبراطور إلى الهروب، وسيضطر السيناريو بعد ذلك إلى إعادة تقديم التوأم نار ونور، والعجوز المبشر وابنته الحامل، ثم يظهر يمليخا، ويعكس هذا الاضطراب حيرة حقيقية في السرد، سرعان ما تتعقد بوصول الجميع إلى الكهف، ومرور السنوات، وإعادة اكتشاف أهل الكهف، لنبدأ أحداثا جديدة بعد هذه الذورة الكبرى.

في التفاصيل المشاكل أكبر وأكثر سذاجة: فالإمبرطورية الرومانية تتيح لعبد عربي هو سبيل أن يصبح قائدا للجيش، والثنائي نار ونور تجسيد سطحي لاختلاف فلسفة الحياة، مع فلاش باك داخل الفلاش باك لا لزوم له لحكاية والدهما، والحوار الذي يبدأ بالفصحي علي لسان أحمد بدير، سرعان ما يتحول دون مبرر إلى العامية، بل ونرى قائد جيوش الجرمان وهو يتكلم الألمانية، وقصة الحب بين سبيل وبريسكا سطحية للغاية، وتختزل في مشهدين، والاثنان أصلا تجاوزا سن الشباب، مما أحدث تأثيرا كوميديا، والجانب الحربي في شخصيتي سبيل وبولا يكتسح أي جانب ديني أو إيماني، وخصوصا مع المعركة الطويلة في مواجهة أعداء الإمبراطورية.

تاهت من السيناريو ضاعت فكرة الإيمان مقابل الكفر، لصالح فكرة الصراع السياسي، وإذا كان من حق أيمن بهجت قمر أن يحول الصراع في مسرحية "أهل الكهف" الذي كان بالأساس ضد الزمن، إلي صراع معاصر بإساءة استخدام الدين وتوظيفه سياسيا؛ فإن عليه أن يقنعنا بالفكرة الجديدة في سياق أحداث فيلمه، وهو ما لم يتحقق بالمرة في النصف الثاني من الفيلم، فبعد أن تأخر هذا الصراع طويلا، وبعد محاولة توظيف قداسة أهل الكهف سياسيا، ورفضهم لذلك، ظهرت مؤامرة عجيبة ضد الإمبراطور، تورط فيها الأسقف، وبدلا من أن يبتعد بولا وسبيل عن هذه الحرب، فإنهما يدافعان عن الإمبراطور، فيفقد بولا حياته، ويعود سبيل ليعيش في الكهف!
لن نجد صدمة الزمن إلا عند بولا، ولكن الصراع بأكمله سيكون ضد محاولة توظيف الدين واستخدامه سياسيا، وإذا كانت الفكرة مهمة ومعاصرة بالفعل، وتستحق المعالجة، إلا أنها أضعف بكثير من صدمة الزمن، ولا تستدعي قرارا بالعودة إلى الكهف كما رأينا، بل لعلها تستلزم العكس بالمواجهة، كما سيفعل المبشر أحمد بدير بعد ذلك، والأغرب أن يرفض سبيل أن تنضم يريسكا الحفيدة إليهم، مع أنه يحبها، ومع أنها تشعر بالاغتراب عن زمنها أيضًا، أما شخصية العجوز خشبة، وبصرف النظر عن اسمه المضحك، فقد بدت نموذجا للمباشرة، ولا يمكن فهم تصرفها بالبقاء مع الطفل الوليد، حفيده، داخل الكهف، فمن أين سيعيش بعد أن تركه بقية سكان الكهف وذهبوا إلي المدينة؟ ولماذا وافق العجوز على ترك الطفل بعد ذلك لبريسكا ؟ وكيف يمكن أن تصل الخفة إلى درجة تصور وجود «طفل الكهف» بين «أهل الكهف»؟!!

تحولت أزمة وجودية عميقة إلى صراع سياسي ساذج، وكلما تورط الفيلم في حوارية طويلة تشبه مسلسلات التليفزيون، حاول أن يعادلها بمعركة بالسيوف، أو في ساحة المصارعة، واستغرق فيها أحيانا، وكأنها فاصل استعراضي طويل، مع التسليم بجودة كل هذه المعارك، وإتقان تنفيذها موسيقى ومونتاجا، وهي بالفعل طفرة كبيرة في مجال الفيلم التاريخي المصري، ولكن ذلك وحده لا يكفي لكي نصدق ما نراه، خاصة مع هذا الأداء الباهت من معظم الممثلين، وكان أفضلهم نسبيا محمد ممدوح في دور بولا، وأحمد عيد في دور يمليخا.

والعجيب أن اختيارات عمرو عرفة كانت غير موفقة للكثيرين، خالد النبوي مثلا لم يكن مناسبا، وكان أداؤه الهادئ والخافت عكس ما يحتاج دوره كقائد طموح وقوي، وكذلك غادة عادل، سواء في دور بريسكا الجدة أو بريسكا الحفيدة، وكان دور عرموش بأداء صبري فواز في حاجة إلى مبالغة أقل، مع الابتعاد عن الإيحاء بأن الشخصية مخنثة، أو استخدام كليشيهات الشخصيات الشريرة التقليدية، ولك أن تتخيل في باب إساءة اختيار الممثلين، أن يكون بيومي فؤاد إمبراطورا وعنيفا أيضا وقت اللزوم!

من عناصر الفيلم الجيدة الموسيقي التصويرية لفاهير أتاكوغلو، وإن بدت صاخبة في بعض المشاهد، ومن أفضل العناصر أيضا تصوير وائل درويش، وديكورات سامر الجمال، ورغم تميز ملابس ياسمين القاضي في النصف الأول من الفيلم، إلا أنها أخذت شكلا عجيبا في النصف الثاني، وبدا خالد النبوي مثلا قريبا من ملابس الفرسان الثلاثة في مبارازاتهم الشهيرة!

وإذا كان المونتير أحمد حمدي قد نجح مع المخرج في بناء معارك ممتازة، فإنهما لم يستطيعا المحافظة علي تدفق السرد، ودفع الملل، وخصوصا مع إعادة سرد الأحداث من جديد، أثر الخروج من الكهف بعد 300 عام من النوم.

لم يخرج أهل الكهف إلى الناس في صورة مفزعة، وإنما بنفس هيئتهم التي ناموا بها، وخرجوا مندهشين من الفيلم نفسه، وليس من مرور الزمن، وكان الممثلون حائرين فعلا، لأنهم لا يستطيعون إمساك خيط واحد في أيديهم.

فهل هم ضحايا الزمن أم ضحايا السياسة؟

الأرجح أنهم ضحايا الفيلم المتخبط كتابة وإخراجا.

الفيلم الذي خرج علينا من الكهف بعد أربع سنوات من بداية إنتاجه.

أضف تعليق