واحد وثمانون "تصفيقة"، مقسمة علي اثنين وخمسين دقيقة، هي مدة خطاب نتنياهو في الكونجرس الأمريكي.
اثنان وخمسون دقيقة والجمهوريون ونصف الديمقراطيين، من أعضاء الكونجرس يصفقون في حماس لخطاب واحد فاق كل طغاة العالم القديم والحديث، وأكثرهم دموية ووحشية، خلف بعناده وتطرفه كارثة من أكبر الكوارث في التاريخ، وأعلن بجلاء وفاة ما يسمي بميثاق الأمم المتحدة ، وان كل تصفيقة كانت تعلن عن وفاة مبدأ من مبادئ الإنسانية و حقوق الإنسان وقيم الأمن والسلام التي قام عليها ميثاق الأمم .
خطاب نتنياهو لم يكن مجرد خطاب راح يزين به وجهه القبيح ويظهره بمظهر الضحية، بل إن هذا الخطاب كان بمثابة رسالة للعالم ورسالة للداخل الإسرائيلي الساخط علي سياسته وحماقته في التعامل مع حرب من طرف واحد، بأنه ماض في طريقه بدعم أمريكي لا محدود.
نتنياهو ذهب لأمريكا في هذا التوقيت تحديدا ليقول للعالم أجمع: إن السياسة الأمريكية الإسرائيلية راسخة وثابتة لا تتغير ولا تتبدل بتغير الساسة أو الحكومات، وإن الرئاسة الأمريكية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية تتعامل مع إسرائيل كأنها ولاية أمريكية بل إن إسرائيل أهم من واشنطن الاتحادية ذاتها.
ومن أهم أهداف الزيارة في اعتقادي هو مغازلة الجمهوريين بقياده ترامب ، وخاصة أن نتنياهو وحكومتة استحصلوا من الديمقراطيين بزعامة بايدن علي كل الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري في حربه الهمجية علي شعب غزة الأعزل، ولم يعد في وسع الديمقراطيين تقديم المزيد من الدعم في ظل تحول الرأي العالمي نحو التعاطف مع الفلسطينيين والمطالبة بأحقيتهم في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة علي حدود 67 وعاصمتها القدس الشرقية .
نتنياهو ذهب لأمريكا ليقول للقانون الدولي والإنساني ولمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية أنا فوق القانون وفوق ميثاق الأمم المتحدة ذاته، وأنا ماض في طريق إبادة الشعب الفلسطيني طالما تواجدت خلفي ترسانة عسكرية أمريكية.
لم يكن تصفيق أعضاء الكونجرس إلا إقرارا منهم بموافقتهم ودعمهم المطلق لما فعله نتنياهو بشعب أعزل، من إبادة وتشريد وترهيب وتهجير وتجويع وإذلال، بل هو دعم لإطلاق يده في القضاء علي ما تبقي من بشر وحجر علي أرض فلسطين .
فهل سيتحرك أحرار العالم المحبين للسلام للرد علي تصفيق وصفاقة السياسة الأمريكية ، باتخاذ خطوات جادة وسريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقي من أطلال الشعب الفلسطيني الذي لا حول له ولا قوة، والعمل علي الوقف العاجل للممارسات الإسرائيلية التي فاقت كل الحدود بشاعة وتطرفا وغطرسة.