هذا هو الفيلم الثالث ، الذى يجمع بين ليلى علوي ، وبيومى فؤاد كممثلين، وبين لؤى السيد كمؤلف، ومحمود كريم كمخرج، وكان هذا الرباعى قد قدم من قبل فيلمين حققا نجاحا ضخما فى السعودية والإمارات، وإن لم يحققا نفس النجاح فى مصر، وهما فيلما «ماما حامل»، و« شوجر دادي »، والفيلمان يندرجان تحت بند الدراما الاجتماعية العائلية الكوميدية ، وكذلك فيلمهم الجديد وعنوانه «جوازة توكسيك»، الذى يمكن أن يضاف إلى تعريفه أنه أيضا دراما سياحية ، حيث تدور معظم أحداثه على شواطئ سوما بالغردقة، وهو فى ذلك يشبه الفيلم الأسبق «شوجر دادى»، الذى تدور أجزاء أساسية منه على شواطئ سهل حشيش.
بدا لى فى " جوازة توكسيك " أن هناك حرصا واضحا على تكرار التوليفة، ولكن بدرجة إتقان تقل فى كل مرة، رغم أن الفيلم الجديد هو تقريبا اقتباس من فيلم جوليا روبرتس وجورج كلونى المعروف "تذكرة إلى الجنة"، ورغم أن الفيلم الأمريكى السياحى ليس جيدا، ولا متماسكا، إلا أن فيلمنا المصرى أكثر تفككا واضطرابا، مع أن لؤى السيد كان يستطيع أن يتلافى عيوب الفيلم الأمريكي، لاحظت أيضا تراجع المشاهد الضاحكة التى تعتمد على المفارقة، رغم قدرة لؤى على ذلك، وهناك عموما حالة من التطويل والاستطراد، واتضح ذلك بشكل خاص فى الجزء الأخير من الفيلم.
يقوم الفيلم الأمريكى والمصرى على محاولة أب وأم بينهما مشكلات ومعارك بإفساد حفل زفاف الأبناء، ويصل الأمر فى الفيلمين إلى حد سرقة خاتم الزواج، والتغيير الذى أحدثه لؤى فى الحكاية هو أنه جعل الموضوع عن زواج الابن كريم (محمد أنور)، وليس عن زواج الابنة، وبدلا من انفصال الأب والأم فعلا، فإن فيلمنا يجعل الزوج حسين (بيومى فؤاد)، وزوجته نوال (ليلى علوي) على وشك الانفصال، والاعتماد بعد ذلك فى الفيلمين على الاختلافات الثقافية والاجتماعية بين العائلتين، فبينما يبدو حسين محافظا ومتزمتا وبخيلا، فإن أسرة العروس فريدة (ملك قورة)، تعيش حياة حرة ومرحة، ووالدها مؤنس (تامر هجرس)، رجل أعمال ترك القاهرة ليعيش فى الغردقة، وليمارس الرسم، وبصحبته زوجة جميلة (هيدى كرم)، تعمل كمعالجة نفسية، ولديهما أيضا ابن اسمه خالد، يمتلك فرقة موسيقية، سمعنا عنها ولم نرها، والجميع طوال الوقت تقريبا بملابس السباحة، ولديهم خادمة روسية بالشورت أيضا، وتلعب دورها جوهرة.
خرجت عائلة كريم من مشتل الأسرة المغلق، إلى عالم البحر المفتوح، ولكن الفيلم لم يبرر تزمت الزوج حسين بالقدر الكافى، كما أن وصول الأمر إلى حد سرقة الأم نوال للخاتم، بدا أمرا عجيبا، ولم يحقق التأثير المحورى كما فى الفيلم الأمريكى، ولكن الفكرة التى أرادها لؤي، ولم يستطع الإقناع بها بشكل جيد، هى وضع أسرة تتدخل فى كل ما يخص حياة أولادها، فى مواجهة أسرة لا تتدخل فى حياة أولادها على الإطلاق، لكى يرفض الموقفين فى النهاية.
لا بأس فى اختيار هذه الزاوية للمعالجة، ولكن المشكلة كما ذكرت فى الإقناع بها، فلا يمكن أن تقول إن المهندس حسين متزمت والسلام، ولكن يجب أن تجعلنا نقتنع بأسباب تزمته، كأن يكون من أصل ريفى مثلا، بالإضافة إلى أن رفض زوجته نوال للتزمت، أضعف موقف أسرة كريم تماما، ولم نستطع أن نعرف بالضبط لماذا لا توافق نوال على عروس ابنها رغم أنها لا تشاطر زوجها أفكاره؟ وقد رأينا نوال تقف فى صف ابنتها راندة (نورين أبو سعدة)، وتتعاطف معها أمام مصادرة الأب لحرية ابنته وأحلامها.
من ناحية ثالثة، اضطربت تماما خطوط الجزء الأخير من الفيلم، فأصبحنا أمام عدة مشكلات متتالية: أولها طبعا مشكلة سرقة الأم للخاتم، وهى مشكلة صعبة كفيلة بإفشال أى زواج، والمشكلة الثانية هى إخفاء العروس على عريسها معلومة وجود خطيب سابق لها، والمشكلة الثالثة هى تدخل حسين من جديد، للإيقاع بين كريم وعروسه، بعد أن ظننا أنه توقف عن المحاولة.
كان غريبا أن تتم حل هذه المشكلات كلها، بل وأن يتراجع الأب عن سلوكه المتكرر، وأن يوافق على إتمام الزواج وعلى النهاية السعيدة، بل وأن يتم حل مشكلات العلاقة بين حسين ونوال، وإغلاق كل الأقواس، بعد تعقيد لا مبرر له، فالحكاية بسيطة لا تستدعى كل ذلك، والإطار مرح وخفيف، ولا يستدعى حبكات فرعية.
الملاحظ أيضا أن راندة وخالد نظرها كما لو أنهما خارج الفيلم، ولم تتطور علاقتهما، بينما انهمك السيناريو فى تأخير النهاية، وفى مزيد من المشكلات، التى جعلتنا نتفق أن هذه الزيجة توكسيك فعلا، وأنه من الصعب أن تتم.
وبينما يدين الفيلم تدخل والد العريس وبخله ومؤامراته، فإن تدخل والد العروس فريدة فى النهاية بدا مفتعلا وساذجا، ولا يتفق مع شخصيته التى رأيناها، وبالمناسبة فإن دور مؤنس بأداء تامر هجرس هو أكثر الأدوار إقناعا، ورغم أن الكيمياء أصبحت واضحة بين بيومى فؤاد وليلى علوى، إلا أن أداءهما هنا أقل من فيلميهما السابقين، وفى حين كانت ملك قورة مناسبة لدور فريدة، فقد بدا محمد أنور غريبا عن شخصية كريم، وغير مناسب لها.
محمود كريم كمخرج يعرف كيف يبنى مشهدا كوميديا، بتوظيف موسيقى عمرو إسماعيل ومونتاج عمرو عاكف، والصورة عموما لامعة ومصقولة (مروان صابر)، تليق بفيلم سياحي، تذكر فيه أيضا أسماء بعض المنتجات من باب الدعاية، ولكن بالمقابل هناك مشاهد طويلة كانت تستلزم التكثيف، والنصف الثانى عموما فيه بعض الترهل، وإذا كانت المشكلة بالأساس فى السيناريو المكتوب، فقد كان يجب أن يكون محمود كريم جريئا فى الحذف، حتى لا يختل تدفق إيقاع الفيلم.
ملاحظة أخيرة تتعلق بالإلقاء عند الممثلين، كلمة "قرار" مثلا ينطقونها "كرار"، حدث ذلك مع ليلى علوى ومحمد أنور وملك قورة، حاجة تكسف والله، أتمنى أن يكون "القرار" القادم لهم هو التدرب من جديد على نطق حروف اللغة العربية بصورة سليمة، وأتمنى أن يكون تعاون ليلى وبيومى ولؤى وكريم القادم أفضل، وأكثر إحكاما، وإلا ذهبت تلك الأفلام من دور العرض إلى حجرة "الكرار".