الأسبوع الماضى قال لى ابنى: إنه ذاهب نهاية الشهر الجارى إلى مدينة العلمين ضمن مجموعات التأمين الطبى التابعة للهلال الأحمر المصري، والمتواجدة فى مهرجان العلمين الذى تنظمه الشركة المتحدة.
عندها تذكرت قبل عام 2018 كيف كان الساحل الشمالى الغربى ل مصر يقتصر على عدد من القرى السياحية التى لا تعرف الحياة إلا على مدار أشهر فصل الصيف فقط، ثم سرعان ما تتوقف الحياة فيها انتظارًا للعام الذى يليه.
لم يكن هذا وضع يقتصر على القرى السياحية المعدودة فقط بل امتد أثره حتى مدينة مطروح.
المشهد فى تلك المنطقة خاصة كان مرعبًا على مدى أكثر من سبعة عقود، فالتحرك على تلك الأرض كان يحسب له ألف حساب، لا تستطيع أن تطأ قدمك الرمال دون أن يكون معك دليل حتى لا تقع قدمك فى لحظة فوق أحد الألغام الأرضية أو تصطدم بأحد الأجسام المتفجرة من مخلفات الحرب العالمية الثانية فتلقى حتفك.
ذهبت إلى تلك المنطقة - مدينة العلمين - قبل عام 2011 وبعدها فى عام 2015 فى عدة مأموريات للعمل الصحفى لتغطية ذكرى الحرب العالمية الثانية وزيارة مقابر الكومنولث، فى كل مرة كان يتم استعراض حجم الآثار المدمرة لتلك الحرب التى اتخذت من الساحل الشمالى الغربى ل مصر مسرحًا لأهم معاركها فى إفريقيا، عندما تواجهت قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا وقوات المحور التى تقودها ألمانيا، وتواجه فيلق إفريقيا الألمانى بقيادة إريفين روميل مع الجيش الثامن البريطانى بقيادة برنارد مونتجومرى فى منطقة العلمين.
خلفت المعركة أكثر من 22 مليونا من الألغام الأرضية والقنابل التى قذفتها الطائرات وقنابل المدفعية التى لم تنفجر، على امتداد مناطق المعارك الأساسية، التى دار معظمها فى المنطقة بين منخفض القطارة و مدينة العلمين عند ساحل البحر المتوسط، بجانب مناطق أخرى حول مدينة مرسى مطروح والسلوم بالقرب من الحدود الليبية.
(1)
على مدى سنوات، طالبت مصر مرارًا الدول المسئولة عن زرع هذه الألغام، خاصة إنجلترا وألمانيا بتحمل المسئولية والمشاركة فى التخلص من حدائق الشيطان تلك التى زرعتها، لكن هذه الدول تنصلت من المسئولية المباشرة.
وظلت الدولة المصرية تحاول تطهير تلك المنطقة من حدائق الألغام تلك، فى غياب تام لأى خرائط خاصة بالألغام المزروعة فى أراضيها، بسبب رفض الدول (بريطانيا - المانيا) تسليم أى خرائط بهذا الشأن لمصر، بالإضافة إلى الفترة الزمنية الطويلة، التى مرت على تلك المنطقة وعوامل التعرية التى أثرت عليها فأصبح تطهير تلك المنطقة من الألغام بمثابة درب من دروب الخيال.
فالتكلفة المالية عالية جدا، وكذا غياب تحديد المواقع، ما يجعل العملية محفوفة بالمخاطر.
بالإضافة لما خلفته تلك الحدائق الشيطانية من قتلى ومصابين كنا نرى العديد منهم خلال الاحتفال بذكرى الحرب العالمية الثانية؛ وفى كل مرة تواصل مصر مطالبتها للدول الغربية المسئولة عن زراعة تلك الألغام بمسئوليتها والمساهمة فى تطهير تلك المنطقة ليعيش أهلها فى أمان وتستطيع مصر الاستفادة منها بالتنمية؛ لكن الأمر لا يجد آذان صاغية أو رد فعل إيجابى سوى بمجموعة قليلة من المنح معظمها يستهدف توعية المواطنين بمخاطر الألغام الأرضية.
وبحسب تصريحات سابقة لرئيس الأمانة العامة لإزالة الألغام فى وزارة الاستثمار والتعاون الدولى اللواء محروس الكيلانى، فإن كل ما قدمته بريطانيا من مساعدات مالية فى الفترة بين عامى 2007 و2018 هو 511 ألف دولار، فى حين قدمت ألمانيا مساعدات تقدر بمليونين و86 ألف دولار فقط.
وبلغ عدد الضحايا 8313 ضحية مدنية وعسكرية موثقة فى الصحراء الغربية منذ عام 1982 وحتى اكتمال عملية التطهير لتلك المنطقة.
وقد عمدت إدارة المهندسين العسكريين وفق تكليف القيادة العامة بالقوات المسلحة على تطهير تلك المنطقة من الألغام الأرضية ومخلفات الحروب، من أجل تنمية تلك المنطقة.
وفى سبتمبر من عام 2017 تم الإعلان عن تطهير 1454 كيلو مترا تمثل ثلث المساحة أ، لتى تم زراعتها بالألغام خلال الحرب العالمية الثانية، ورغم أن بريطانيا أعلنت أنها سلمت مصر الخرائط الخاصة بزراعة الألغام تم اكتشاف أن تلك الخرائط لم تكن سوى خرائط مبدئية وما تم زراعته على أرض الواقع مخالفا تماما لذلك.
لكن إرادة المصريين فى تنمية الساحل الشمالى الغربى كانت هى الأقوى، وفى عام 2022 أعلن العقيد غريب عبد الحافظ، المتحدث الرسمى باسم القوات المسلحة أن القوات المسلحة المصرية تمكنت من إزالة أكثر من 25 مليون لغم وجسم متفجر وذخائر خلال السنوات الماضية، مما ساهم فى تنفيذ عدد من المشروعات العمرانية والتنموية المختلفة بالمناطق التى تمت إزالة تلك المخلفات منها، التى عادت على الدولة المصرية بالنفع فى مختلف المجالات.
وأشار إلى أن المشروعات بالمناطق التى تم تطهيرها، تضمنت إنشاء وتنفيذ ترعة الحمام، وتوفير مناطق للاستصلاح والاستزراع، بالإضافة إلى مناطق البحث واستخراج البترول.
كما أعلن عبد الحافظ أن الجهود شملت تطهير منطقة العلمين والاستفادة من الأراضى لإقامة المشروعات التنموية التى تتبع وزارتى الزراعة والإسكان، وذلك بالتعاون مع الأمانة التنفيذية لإزالة الألغام بوزارة التعاون الدولى، ضمن البرنامج الإنمائى للأمم المتحدة.
وتابع: فضلا عن تطهير مساحات كبيرة لصالح هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء بالضبعة، بالإضافة إلى توفير المناطق التى تصلح لإقامة المشروعات الاقتصادية التى تتبع وزارة الاستثمار والتعاون الدولى.
لقد كانت نتيجة عملية تطهير الأرض من الألغام ومخلفات الحروب هى امتداد يد التنمية إليها لتتحول من حدائق للشيطان إلى أكبر منطقة سياحية واعدة فى شرق المتوسط.
(2)
فى الأول من مارس 2018 تم وضع حجر الأساس ل مدينة العلمين الجديدة، ليبدأ معها الحلم فى التحقق وتبدأ مصر فى الاستفادة من مقدراتها السياحية بعد أن غيبتها لسنوات طويلة حقول الألغام.
ولأن الهدف لم يكن إنشاء مدينة سياحية فقط بل تنمية شاملة للساحل الشمالى الغربى ل مصر تتوسطه مدينة مليونية تستهدف أن يصل تعداد سكانها إلى 3 ملايين نسمة (العلمين الجديدة) بالإضافة إلى مجتمعات صناعية وزراعية تجعل الحياة طول العام فى تلك المنطقة المهمة.
وعلى مدى 4 سنوات لم يتوقف فيها العمل لحظة واحدة تحولت خلالها المنطقة التى كانت لا تعرف طعما للحياة إلى منطقة تعج بالحياة على مدار 24 ساعة، وخلال أيام العام، لا تتوقف عن البناء والتنمية حتى اكتملت المدينة بمرحلتها الأولى وأبراجها العملاقة المطلة على مياه المتوسط لتصبح درة مدن البحر المتوسط، ويفد إليها السائحون من كافة دول العالم، ويبلغ حجم الإشغال الفندقى بها إلى 100% خلال مهرجان العلمين وتساهم فى ارتفاع عدد السائحين الوافدين إلى مصر خلال العام الماضى لتحقق مصر رقما غير مسبوق فى تاريخها، استقبلت مصر حوالى 14.9 مليون سائح خلال العام الماضي، بزيادة سنوية أكثر من 27 بالمئة، مسجلة أعلى مستوى فى تاريخ السياحة المصرية، ذلك على الرغم من الاضطرابات، التى تشهدها المنطقة منذ اندلاع الحرب فى غزة فى السابع من أكتوبر الماضي.
تبلغ المساحة الإجمالية ل مدينة العلمين الجديدة ٤٨,٩١٧ فدانا، تضم جميع الأنشطة السكنية وبها مناطق ثقافية وسياحية وصناعية وبحثية وجامعة أهلية وفنادق عالمية، ومقران للرئاسة ومجلس الوزراء.
تحتوى المدينة على كورنيش عالمى بطول الشاطئ، كما يوجد بالمدينة مركز مؤتمرات عالمى مجهز لاستقبال مؤتمرات أوروبا.
وتنفرد مدينة العلمين بأنها تحتوى على أحدث المشروعات التكنولوجية والعمرانية التى لا مثيل لها فى شرق الأوسط.
وبحسب الدراسات السياحية وتقرير أصدرته منظمة السياحة العالمية عام 2005 تعتبر المناطق الشاطئية من أهم الموارد الطبيعية التى يمكن استغلالها سياحيا وهى من أهم مناطق الجذب السياحى على مستوى العالم، التى تحتل المرتبة الأولى بالنسبة لأقاليم الجذب السياحى العالمى ويظهر ذلك بوضوح على شواطئ إقليم حوض البحر المتوسط، التى تحتل مرتبة الصدارة بالنسبة لأقاليم الجذب السياحى العالمى، وتستحوذ وحدها على أكثر من ثلث إجمالى حركة السياحة العالمية، ذلك لما يتمتع به الإقليم بالعديد من الإمكانيات والمقومات السياحية المتنوعة.
كان لا بد للدولة المصرية من الالتفات إلى هذا المورد المهم، الأمر الذى جعلها تعمل على تنمية الساحل الشمالى الغربى سياحيا وجاءت مدينة العلمين الجديدة لتكون بداية الانطلاق، الأمر الذى رفع حجم الإقبال على الاستثمار السياحى فى تلك المنطقة وبعد النجاح الكبير ل مدينة العلمين الجديدة فى جذب الحركة السياحية، كان مشروع رأس الحكمة الذى يعد من أكبر المشروعات السياحية، ثم مشروع «ساوث ميد» الذى بلغت حجم مبيعاته حتى يوليو الماضى 340 مليار جنيه وهو أحد المشروعات بالشركة بين الحكومة والقطاع الخاص ومن المتوقع أن يبلغ حجم المبيعات تريليون جنيه.
وقد حقق مهرجان العلمين نجاحًا كبيرًا فى دورته الأولى، الأمر الذى انعكس على الدورة الثانية والتى شهدت نجاحا غير مسبوق مع تعدد الأنشطة الترفيهية فى المهرجان، والتميز الذى تتمتع به مدينة العلمين بأبراجها الثلاثة المطلة على البحر المتوسط.
وتتحول العلمين إلى أكبر مناطق الجذب السياحى فى مصر، فى ظل التنوع الذى تتمتع به.
جاء نجاح رؤية الدولة المصرية بالاتجاه نحو تنمية الساحل الشمالى الغربي، كأحد محاور التحرك لتنمية كافة المناطق.
ولأن السياحة تعد أحد أهم موارد الدخل القومى من العملة الأجنبية، فقد حققت خلال النصف الأول من العام الحالى زيادة بنسبة 5% ليصل حجم العائدات السياحية إلى 6.6 مليار دولار خلال النصف الأول من العام.
وتستهدف مصر أن تزيد حصتها من عدد السائحين وعدد الليالى السياحية خلال الفترة القادمة فى ظل التطور والنمو الذى يشهده هذا القطاع وما تتمتع به مصر من حالة الأمن والاستقرار.
لقد شهد مهرجان العلمين الذى تنظمه الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية العديد من الفعاليات الفنية والرياضية والثقافية والترفيهية.
قرارات مهمة
المسار الذى حدده وزير التعليم للقضاء على بعبع الثانوية العامة فى المنازل لقى ارتياحا كبيرا فى الشارع المصرى.. يبقى الجزء المهم وهو متابعة تنفيذ ذلك فى ظل ظهور أصوات تحاول عرقلة أى تحرك نحو التخلص من بعبع الثانوية العامة.